أداء صلاة التراويح في ليلة العيد

السؤال
ما المانع من صلاة التراويح في ليلة العيد بعد التعوُّد عليها طيلة ليالي رمضان، وقد سمعتُ أن بعض العلماء ينهون عن إحيائها؟
الجواب

ليلة العيد بغروب شمس آخرِ يومٍ من رمضان يكون رمضان انتهى، والتراويح من خصائص رمضان، نعم قيام الليل على طول العام، لكن التراويح بصفتها وهيئتها جماعةً إنما هي من خصائص رمضان، فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- في رمضان ليلتين أو ثلاثًا، وفعلها أصحابُه في عهد عمر -رضي الله عنه- في رمضان، واستمرَّت عليها الأمة، فهي من خواص شهر رمضان، وعلى هذا فلا تُشرع في غير رمضان، وليلة العيد ليست من رمضان، وجاء في حديث ضعيف إحياء ليلة العيد: «من قام ليلتي العيدين محتسبًا لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» [ابن ماجه: 1782]، لكنه حديث ضعيف جدًّا، ولذلك تخصيصها بالإحياء بدعة.

فإذا أُعلِن خروج شهر رمضان انتهت التراويح، وبقي القيام الذي يعتاده الإنسان ويمرِّن نفسه عليه بمفرده، ولو صلى بأهله أو صلى معه أحد كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما ائتم به ابن عباس –رضي الله عنهما-، المقصود أن التراويح جماعةً في المسجد على هيئةِ ما يحصل في رمضان تنتهي بخروج شهر رمضان، ولو فُعِلت من جماعةٍ في مسجدهم وفعلوها كما يفعلون في رمضان لصار فعلهم بدعة.

وصلاة التراويح فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين أو ثلاثًا، ثم تركها خشيةَ أن تُفرَض، وصرَّح بذلك -عليه الصلاة والسلام- أنه إنما تركها خشيةَ أن تُفرَض عليهم، فلا يستطيعون القيام بها، ولم يتركها رغبةً عنها أو نسخًا لها، واستمر الناس على تركها جماعةً في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر –رضي الله عنه-، وأول خلافة عمر –رضي الله عنه-، ثم إن عمرًا أَمر أُبيًّا أن يصلي بالناس في رمضان جماعةً، وأطلق عليها العلماء التروايح؛ لأنهم يرتاحون بين كل تسليمتين، فسُميت تراويحَ.

وإحياء عمر لهذه السُنَّة؛ لعلمه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها، وجزمِه بأن ترْكه لها لم يكن نسخًا، لكنه لما رآهم يصلون خلف إمامٍ واحد –وقد كانوا يصلون أوزاعًا، يصلي الواحد منهم لنفسه أو يصلي الاثنان متفرقين-، فلما رآهم يصلون خلف إمامٍ واحدٍ أعجبه ذلك، كما في (البخاري)، وقال: "نِعم البدعة" [2010]، وهذا من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، كأن قائلًا قال لعمر: ابتدعت يا عمر! فقال: "نِعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون"، يعني صلاة آخر الليل، "نِعم البدعة هذه"، هي سُنَّة وليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، وإن قال بعض العلماء: إنها بدعة لغوية؛ لأنها عُملت على مثال سابق، واللغوية ما عُمل على غير مثال سابق، وهذه عُملت على مثال سابق، وهي فعله -عليه الصلاة والسلام- في الليلتين أو الثلاث، لما جمع الصحابة وصلى بهم. وهي ليست بدعة شرعية؛ لأن لها أصلًا في الشرع وهو فعله -عليه الصلاة والسلام-، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، إذن هي من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، والمشاكلة: الإتيان باللفظ المشابه والمشاكِل للفظٍ آخر حقيقةً أو تقديرًا، يعني لو قُدِّر أن أحدًا قال: ابتدعت يا عمر –حقيقةً-، فقال: "نِعمت البدعة"، هذه مشاكلة، ولو أن عمرًا توقَّع مَن يقول له: ابتدعت يا عمر، فقال: "نِعمت البدعة هذه"، هذه أيضًا مشاكلة ومجانسة في التعبير، ولا تدخل في البدعة لا اللغوية ولا الشرعية.

بخلاف من أساء الأدب مع عمر -رضي الله عنه- من الشُرَّاح المتأخرين فقال: (البدعة بدعة ولو كانت من عمر)! نقول: هذه ليست ببدعة لا شرعية ولا لغوية، ولا ينطبق عليها التعريف اللغوي ولا الشرعي.

والمشاكلة واردة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، الأولى سيئة، لكن الثانية ليست سيئة، فمعاقبة الجاني ليست سيئة، بل حسنة.

  قالوا: اقترح شيئًا نُجِدْ لك طبخَهُ
 

 

 

قلتُ: اطبخوا لي جُبَّةً وقميصا
 

هذه مشاكلة، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب، وتكلَّم عليه العلماء في فنون البلاغة، والله أعلم.