فضائل شهر رمضان الباعثة على اغتنامه والاجتهاد فيه

السؤال
ما فضائل شهر رمضان الباعثة لنا على التفرُّغ من المشاغل واغتنامه والاجتهاد فيه، وأيامُه تَمُر؟
الجواب

جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسُّنَّة تدل على فضل هذا الشهر العظيم، وفضل الصيام فيه، وأنه ركنٌ من أركان الإسلام، يقول الله –جلَّ وعلا-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، ويقول –جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] يعني: فُرِض، والفرضُ وكونه ركنًا من أركان الإسلام من أعظم الدواعي والبواعث على صيامه.

على كل حال النصوص في هذا كثيرةٌ جدًّا، وفي الحديث في (البخاري) عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل رمضان فُتِّحتْ أبواب الجنة، وغُلِّقتْ أبواب جهنم، وسُلْسِلَت الشياطين» [3277].

وفي (مسلم) عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر» [233].

وفي (البخاري) أيضًا وغيره عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَن صام رمضان، إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [38]، وفيه أيضًا عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- قال: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [37]، وفي (البخاري) أيضًا عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [35].

والنبي –عليه الصلاة والسلام- يُضاعف جوده، ويُضاعف عبادته في رمضان، وقد كان –عليه الصلاة والسلام- كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- "أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" [البخاري: 6].

ورمضان كفارة، «رمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر»، وهذا التكفير بسبب هذا الشهر وهذا الصيام وما جاء فيه من الفضائل لمن حَفِظ صيامه «مَن لم يَدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [البخاري: 1903]، فلا بُد من الحفظ والصِيان.

و«الصلوات الخمس مكفِّراتٌ ما بينهنَّ»، و«رمضان إلى رمضان، مكفِّرات»، و«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» [البخاري: 1773]، لكن يُشتَرط في أن يكون هذا العمل كفارة أن يُعمَل على وفق ما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام-، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكثيرٌ من المصلين لا ينتهون عن الفواحش والمنكرات، لماذا؟ لأن هذه الصلاة التي أُدِّيَتْ ليست على الوجه المشروع المطلوب، يقول شيخ الإسلام: الصلاة التي ليس لصاحبها منها إلا العُشر -مثلًا- هل تُكفِّر غيرها؟ إن كفَّرتْ نفسها فنِعمت.

المقصود أن كثيرًا من الناس يسمع هذه النصوص ويفعل هذه الأفعال، ويرتكب ما يُضادها وما يُخالفها، ورحمة الله واسعة، لكن يبقى أننا إذا أردنا أن نُحقِّق شيئًا جاء في الشرع أن ننظر في لوازمه وتوابعه.

وكل العبادات مآلها وعاقبتها إذا أُدِّيَتْ على الوجه الشرعي إلى التقوى، ففي الصيام يقول الله –جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والصلاة كذلك، والحج يقول الله –جلَّ وعلا-: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، فالتقوى شرط لترتُّب الآثار والنصوص الواردة في هذه العبادات عليها، فالذي لا يتقي لا يُضمَن له رفع الإثم في الحج {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، أما مَن لم يتَّقِ فإثمه باقٍ، ويدل على ذلك الحديث عنه –عليه الصلاة والسلام-: «مَن حج فلم يَرفُثْ، ولم يَفسقْ، رجع كيومَ ولدتْه أمُّه» [البخاري: 1521].

فعلينا أن نتقي الله –جلَّ وعلا- في أعمالنا، فيما نأتي وفيما نَذر، ونجعل هذا الأمر نصب أعيننا، ولا نفعل أفعالًا ونحن في غفلةٍ عمَّا يعقُبها، والله أعلم.