درجة حديث: النهي عن عطايا الولاة والأمراء إذا كانت ثمنًا للدين

السؤال
هل صحيح أنه ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن العطايا والهبات من الولاة والأمراء لا يجوز أخذها إذا كانت ثمنًا للدين؟
الجواب

روى الإمام مسلم عن الأحنف بن قيس، قال: كنتُ في نفرٍ من قريش فمرَّ أبو ذرٍ، وهو يقول: «بشِّر الكانزين بكيٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكيٍّ من قبل أقفائهم يخرج من جباههم»، قال: ثم تنحَّى فقعد، قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر، قال فقمتُ إليه فقلتُ: ما شيءٌ سمعتُك تقول قُبَيْل؟ قال: ما قلتُ إلا شيئًا قد سمعتُه من نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، قال قلتُ: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه فإن فيه اليوم معونة، فإذا كان ثمنًا لدينك فدعه [992]، الهبات من ولي الأمر من غير استشراف تُؤخذ بدون تردُّد، بل كان عمر –رضي الله عنه- يضرب مَن يردُّها.

وهذا التحسُّس الذي ذكره أبو ذر -رضي الله عنه-: أبو ذر زاهد ومُعرِض عن الدنيا، ولا يُبقي شيئًا لغده، واتُّهِم بالاشتراكية، وأُلِّف عنه في هذا الباب وهو بريءٌ منها –رضي الله عنه وأرضاه-، لكنه انتهج منهجًا في الادِّخار والكسب يختلف فيه مع جمهور الصحابة -رضي الله عنهم-، فهو يرى أن ما بيده ليس بأحق به من أخيه، وعليه أن يصرفه لمن يحتاجه من المسلمين، وسمَّى القدر الزائد على الحاجة: كنزًا، وتأوَّل فيه قول الله –جلَّ وعلا-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [التوبة: 34].

على كل حال هذا مذهبه، وهذا منهجه، والأصل أنه «ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة» [أبو داود: 1789]، وقد جاء بذلك الحديث، كما أنه جاء الأثر بأنَّ هناك «في المال حقًّا سوى الزكاة» [الترمذي: 659 - 660]، فالحق الزائد على الزكاة جاء نفيه في خبر، وجاء إثباته في خبر، فالمنفي ما كان على سبيل الوجوب غير الزكاة، والمثبَت ما كان على سبيل الاستحباب، وقد جاء الحث على الإنفاق في سبيل الله في وجوه الخير والبِر والإحسان غير الزكاة.

وعلى كل حال الذي يُخرِج زكاة ماله يَخرج عن كون ماله كنزًا، ولا يُلام، ولكنه مأمورٌ بالتزوُّد من الخير والإنفاق في سبيل الله، والله المستعان.