المسابقات الثقافية المشتملة على الترفيه في حملات الحج

السؤال
ما حكم المسابقات الثقافية والبرامج العامة التي تكون في الحملات وفيها نوع من الترفيه في أيام الحج؟
الجواب

بالنسبة للمسابقات عمومًا الأصل في المسابقات أنها لا تجوز إلا في الجهاد فقط، «لا سَبق إلا في خُفٍّ أو حافرٍ أو نَصلٍ» [أبو داود: 2574] لا توجد إلا في الجهاد.

وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- رأى أن العلم باب من أبواب الجهاد، فألحق المسائل العلمية بالجهاد، وجوَّز فيها السَّبق، وما عدا ذلك فيبقى على المنع، ولا شك أن الحج جهاد وفي سبيل الله، لكن هل يسوِّغ لنا هذا أن نقول: (مَن وقف بعرفة فله كذا، مَن بات بمزدلفة إلى كذا فله كذا)، وإن كان في سبيل الله ونلحقه بالجهاد؟ أبدًا، مِن هذه الحيثية لا؛ لأن هذه عبادات مطلوب عملها من المسلم، ولا يلزم أن يُحث عليها، وإذا كان لا يفعلها إلا إذا شُجِّع عليها فهذا ما جاء للعبادة، وإلا الأصل في المسابقات أن المنظور فيها هو الفائدة العلمية ولا شك، سواء كانت في الحملات أو في غيرها، لكن يبقى أن جانب الترفيه والتسلية ملحوظ أيضًا، وبدلًا من أن يُؤمر الحجاج بالإكثار من النوافل والأذكار والتلاوة والتدبر وخدمة الإخوان، نُلهيهم ونشغلهم ونقضي على أوقاتهم بمثل هذا! وإن كان فيه نوع نفع، لكن لكل مقام مقال. ولذا الاعتكاف إنما شُرع للعبادات الخاصة، حتى إن السلف يُعطِّلون دروسهم وهي في الكتاب والسنة؛ من أجل أن يتفرَّغوا للقيام والصيام والتلاوة والأذكار وتقوية الصلة بالله -جل وعلا-.

وبعض الناس الآن بحجة أنه يتألَّف الشباب على الاعتكاف يسترسل في هذا، حتى إنه وُجد بعض الألعاب في المسجد، ويجلب لهم بعض الآلات التي في بعضها شيء من المخالفات؛ من أجل أن يتألَّفهم! هذا ليس باعتكاف، فلو سمَّاه: محضنًا تربويًّا ممكن، لكن هذا مجاله غير المسجد، هذه العبادة خاصة، وجاءت على نمط خاص، والتفرُّغ التام فيها ظاهر من فعله -عليه الصلاة والسلام- وفعل أصحابه -رضي الله عنهم- من بعده، فلا ينبغي أن تخلط بشيء من هذا، والاعتكاف الذي لا يأتي إلا بشيء من المخالطة هذا ليس باعتكاف، ولن تترتَّب عليه آثاره، وبعض الناس -ولُوحظ حتى ممن ينتسب إلى العلم- يأتي بآلاته معه، فيأتي بالجوال ويأتي بالمحمول...، هل هذا اعتكاف؟! لا بد أن يتجرَّد الإنسان من أمور الدنيا، ليس معنى هذا أن يترهَّب أو يتبتَّل أو يفعل فعل اليهود والنصارى ومُغرِقة الصوفية وغيرهم، لا، المسألة مسألة تقوية الصلة بالله -جل وعلا- كيف تكون، فقراءة القرآن هذا وقتها، رمضان شهر القرآن، والاعتكاف إنما شُرع لمثل هذا، فإذا قرأ القرآن على الوجه المأمور به في هذا الوقت آتى ثماره، ورزقه الله به من العلم واليقين والطمأنينة وزيادة الإيمان ما لا يدركه إلا هو أو مَن فعل فعله، وهذا يُذكر في الكتب، وإلَّا التجربة الظاهر أنها انتهتْ والله المستعان، من غير تيئيس، وإلَّا فيوجد -ولله الحمد- في الشباب أيضًا من فيه الخير -إن شاء الله تعالى-، وهناك شيخ كبير قد جاز المائة بدون مبالغة -وهذه كرَّرتُها مرارًا، لكنها مؤثِّرة بالفعل- يصلي مع الإمام صلاة التهجد، وفي التسليمة الأخيرة خفَّف الإمام، بدلًا من أن يقرأ جزءًا في التسليمة، ترك ورقة أو ورقتين؛ لأنه سمع مَن يُؤذِّن، والعادة أنه إذا أذن يكونون قد انتهوا من الصلاة، فلا يريد أن يشق على جماعته، فلما سلَّم نزل عليه هذا الشيخ الكبير بأقسى الأساليب، يقول: (يوم جاء وقت اللزوم خفَّفتَ؟!).

ونحن عندنا ننظر الساعة في كل وقت، وإذا كانت في الحائط فهي الشاغل للإنسان، يراقبها وهو يقول في نفسه: (العادة أننا ننتهي في الساعة كذا)، وينظر متى تنتهي الصلاة، وكم بقي! ولا يستشعر من صلاته شيئًا، لا شك أن القلوب مدخولة؛ وسببها التخليط في المأكل والمشرب، والملبس، والمنكح، والمركب، وفضول النوم، وفضول الكلام، وفضول الاستماع، وفضول النظر، وفي الفضول كلها، هذه كلها منافذ إلى القلب، فإذا سددتَ هذه المنافذ بهذه الأمور التي تجعل الران يغطي القلب انتهى القلب.