النسك الذي أهلَّ به النبي -صلى الله عليه وسلم-

السؤال
كثُر الحديث حول حج النبي -صلى الله عليه وسلم- هل حج -عليه الصلاة والسلام- قارنًا أو متمتعًا؟
الجواب

أما بالنسبة لحجه -عليه الصلاة والسلام- فقد جاء فيه أحاديث صحيحة، وأنه حج مفردًا [البخاري: 1562 - 1568] [مسلم: 1211 - 1231]، وجاء أيضًا ما يدل -وهو صحيح- أنه كان قارنًا [البخاري: 1534 - 1551 – 1566 – 1640] [مسلم: 1226]، وجاء ما يدل على أنه تمتَّع -عليه الصلاة والسلام- [البخاري: 1691] [مسلم: 1226 - 1228]، وكلها صحيحة، والشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- يقول: تعارضها تعارض بيِّن، ولا يستطيع عالم مهما بلغ من العلم أن يجمع بين ما تعارض منها؛ لأن معارضتها ظاهرة.

ونقول: لا يوجد حديثان صحيحان صريحان تعارضهما ظاهر، إلا إذا كان أحدهما ناسخًا والثاني منسوخًا، وإلا فلا بد من التوفيق بين هذه الأحاديث.

ومن أفضل ما يُقال: إنه يُجمع بين مَن قال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حجَّ مفردًا، ومَن قال: إنه -عليه الصلاة والسلام- حجَّ قارنًا، بأنه إما أن يُقال:

- إنه لبَّى مفردًا في أول الأمر إلى أن قيل له: «صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة وحجة» [البخاري: 1534]، فقَرَن -عليه الصلاة والسلام-، فمَن نظر إلى إحرامه في بادئ أمره قال: حج مفردًا، ومَن نظر إلى نهاية أمره قال: حج قارنًا.

- أو إنه حج مفردًا بالنظر إلى صورة الفعل، وحج قارنًا بالنظر إلى حقيقة الفعل، فمَن قال: إنه حج مفردًا نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-، وصورةُ حج القارن لا تختلف عن صورة حج المفرد، ومن قال: إنه حج قارنًا نظر إلى الحقيقة، وأنه جمع بين النسكين، وأهدى، ومنَعَه هديُه من أن يكون متمتعًا، وهذا هو الأرجح، فالأرجح أنه -عليه الصلاة والسلام- حج قارنًا.

وإن مَن قال: تمتَّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد نظر إلى المعنى الأعم في التمتُّع، وهو: الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، فهذا تمتُّع؛ لأنه ترفَّه بترك أحد السفرين، فيشمله المعنى العام للتمتُّع.

والمحقَّق في نسكه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان قارنًا، ولم يمنعه من أن يتمتَّع إلا سوقه الهدي، وقد صرَّح بذلك -عليه الصلاة والسلام- [البخاري: 1651].