توسُّع أهل العلم في السنوات الأخيرة في الفتاوى

السؤال
لاحظنا -نحن الشباب- في السنوات الأخيرة تغيُّرًا ملحوظًا مِن بعض مَن كنا نعدهم رموزًا وقدوات، فما كان محرَّمًا في الماضي أضحى عندهم جائزًا، وما كان مندوبًا أضحى خلاف الأولى، وهكذا، في سلسلة يبدو أنها بلا نهاية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب

على كل حال كان الناس ملتزمين بمذهب واحد، والتوسُّع والاطلاع على الأقوال لا يُعرف عندهم، ثم بعد ذلك بعد أن توسَّع الناس وقرؤوا في كتب المذاهب، واطَّلعوا عليها، توسَّعتْ عندهم النظرة، ولا شك أن في هذه المذاهب ما هو أرجح مما كانوا يعملون به، لكن الإشكال أن من أهل العلم ممن أشار إليهم السائل -لا أقول من الكبار، وإنما من طلاب العلم- بعد اطلاعهم على الأقوال بأدلتها توسَّعوا فصاروا يبحثون عن الأقوال التي هي خلاف ما كان عليه العمل، ونشروها وأظهروها وأبرزوها؛ تبعًا لما وُصفتْ به هذه الملة وهذا الدين من اليُسر، ونظروا إلى جانب واحد وهو أن الدين يُسر، وهذا لا إشكال فيه، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185]، «إن الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه» [البخاري: 39]، لكن هل معنى هذا أننا نضيِّع التكاليف؟ أليس الدين دين حلال وحرام؟ أليس دين تكاليف، والتكاليف: إلزامُ ما فيه كلفة ومشقة؟ وإن كان يُسرًا، لكنه يُسر نسبي، فبالنسبة إلى الشرائع السابقة هذا الدين يُسر، ولم يأتِ الدين بشيء يخرج عن طوق العباد أو يخرج عمَّا يقدرون عليه بالعادة المطَّردة، فالذي يقول: (الدين يُسر)، صحيح الدين يُسر، لكن هل معنى هذا أن الإنسان لا يحج؛ لأنه لن يبلغه إلا بشق الأنفس؟ هل نستطيع أن نلغي الحج بحديث: «الدين يُسر»، وبقول الله: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]؟ لا، الدين دين تكاليف، هل نقول: إن الغُسل في ليالي الشتاء يسقط عمَّن لزمه الغسل؛ لأن الدين يُسر؟ لا، هل نقول: إن الخروج إلى المساجد في الظُّلَم وفي الليالي الباردة الشاتية يسقط عن الناس؛ لأن الدين يُسر؟ لا، الدين تكاليف، هل نقول إذا جاء رمضان في أوقات الحر الشديد: لا يصوم الناس الهواجر؛ لأن الدين يُسر؟ لا، لكن مَن أشرف على الهلاك وخشي على نفسه يُفطر، فالشيء الذي لا يُطاق ولا يُقدر عليه لا شك أنه مرفوع عنا الحرج فيه، لكن في إطار التكليف المقدور عليه الدين دين تكاليف، والجنة حُفَّت بالمكاره، فهؤلاء الذين يُشير إليهم السائل هم نظروا إلى أن الشريعة جاءت بالتيسير والتسهيل و«الدين يُسر» {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وغفلوا عن أن هذا الدين دين تكاليف، والله المستعان.