قلَّة الدروس والمحاضرات، وصعوبة تنسيقها وأخذ التراخيص عليها

السؤال
هل ترى أن من أسباب انتشار الفكر المنحرف: قلَّة الدروس العلمية في المساجد، والمحاضرات، وصعوبة تنسيقها وأخذ التراخيص عليها؟
الجواب

نعم، لا بد أن تُكثَّف الدروس، وأن تكون الدروس على طريقة أهل العلم، فتكون في الكتب التي تخدم الوحيين: كتاب الله -جل وعلا-، وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وفي كتب الاعتقاد الموثوقة عن أهل السنة والجماعة، وكتب الفقه التي مبناها على الدليل، وهكذا. المقصود أنه لا بد من تكثيف الدروس، ولا بد من إزالة المانع من القبول عن أهل العلم؛ لأنه قد يوجد دروس -وفي بعض المناطق فيها كثافة-، ومع ذلك يوجد حائل بين قبول هؤلاء من أهل العلم، وهو التزهيد في العلم، والتزهيد بأهل العلم، لا سيما الكبار الراسخين منهم، فوُجِد مَن يطعن فيهم، ووُجِد مَن يُقلِّل من شأنهم، وهذا من موانع القبول من أهل العلم، فلا بد أن تُزال هذه الموانع، وتُكثَّف الدروس، والدروس في مكة والمدينة والرياض وغيرها من المدن الكبيرة موجودة وكثيرة، ولله الحمد، لكن بعض البلدان وجدنا فيها قِلَّة، ووجدنا حاجة وعوزًا، وإذا كلَّمنا بعض القضاة أو بعض الأساتذة في الجامعات تذرَّعوا بأنه لا يوجد طلاب، وفي منطقة من المناطق كلمتُ رئيس المحاكم في الموضوع، فقال: (أنا جلستُ للتدريس أول ما جئتُ، فجلس عندي عشرة أشخاص، فجاء رمضان وأوقفنا الدرس، فلما أفطرنا أعدنا الدرس، فبدلًا من أن يكونوا عشرة، ما حضر إلا خمسة، واستمر الدرس على خمسة إلى أن جاء الحج، فلما رجعنا من الحج ما جاء إلا واحد)، هو يريد أن يَصرف الله له وجوه الناس من أول الأمر، وهذا ليس بصحيح، فالسُّنَّة الإلهيَّة الجارية أنه لا بد من اختبار الشخص هل يصبر ويحتسب أو لا، فأنت لا بد أن تصبر وتحتسب، وهذا الشخص الذي جاءك بعد الحج، ألستَ بحاجة إلى العلم واستذكار العلم؟ كثير من المشايخ يدفعون رواتبَ لمن يقرأ عليهم، فأنت دع هذا يقرأ عليك مجانًا، واصبر واحتسب، وأبشر.

والشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- لما انتقل من المدينة إلى الرياض، ورتَّب دروسًا في الرياض-وأنا من أوائل الحضور-، ما حضر إلا عشرة في ذلك الوقت، وهو الشيخ ابن باز، واستمر الأمر إلى رأس القرن: من خمس وتسعين وثلاثمائة وألف، إلى أربعمائة وألف ما وصلوا العشرين، ثم بعد الأربعمائة اتَّجه الناس إلى الشيخ، وصار المكان لا يستوعب، وكثير من الشيوخ على هذا، فالشيخ ابن غديان ما كان عنده أحد، ثم اتَّجه الناس إليه، والشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- مرَّة جاء إلى الدرس وما وجد أحدًا في المسجد، ووجد كتابًا في الحلقة، فتقدَّم إلى الصف، وأخذ مصحفًا وجلس يقرأ القرآن، وجاء الطالب صاحب الكتاب ووجد الشيخ يقرأ، فاستحيى أن يقول للشيخ: نريد أن نقرأ، فأخذ كتابه وانصرف، ثم ماذا كانت النتيجة لما صبر الشيخ وصابر؟ ازدحم الناس عليه، وتوافدوا عليه من جميع الأقطار، فيُغالط الإنسان نفسه أنه من أول ما يبدأ سيأتونه الناس، وهذا ليس بصحيح، بل لا بد أن تُختبَر وتُمتحَن، وتتجاوز هذه المرحلة، حتى أنت لا بد أن تُجاهد نفسك؛ لأن الجلوس للتدريس ليس بالسَّهل، وليس المراد أن الإنسان يَحضُر وهو ما حضَّر ولا راجع الدرس، فهذا لن ينتفع، ولن ينفع، إلا من خلال ما يُقرَأ في الكتاب، لكن على المعلِّم وعلى الشيخ الذي يريد أن ينفع الناس أن يُحضِّر للدرس قبل الحضور، ويهتم به، ويتعب عليه، فإذا انتفع الطلاب به، وتناقلوا الفوائد، واشتهر بذلك، حضر الناس عنده، أما شخص يَحضُر ليُقرَأ عليه، فهذا لن يأتيه أحد، ولن ينتفع، ولن ينفع، فلا بد من الاهتمام بالدروس، ولا بد من الصبر، فالمسألة مسألة امتحان وتجاوز، وسوف يجد صعوبة في أول الأمر، ثم بعد ذلك يُسهَّل عليه ويتلذَّذ به، كما هو شأن سائر العبادات، كما قيل في قيام الليل: (جاهدنا أنفسنا على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذَّذنا به عشرين سنة)، والله المستعان.