بيان ضابط التيسير في العبادات، لا سيما الحج

السؤال
نرجو تبيين ضابط التيسير في العبادات، لا سيما الحج.
الجواب

نعم وُجد مَن يُفتي، ووُجد مَن يخرج في وسائل الإعلام وغيرها ويتبنَّى التيسير والتسهيل، ولا شك أن هذه سمة هذا الدين، «الدِّين يسر، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلا غلبه» [البخاري: 39]، «مَهْ، عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يَمَل حتى تَمَلُّوا» [البخاري: 43 / ومسلم: 785]، لكن ما المراد بهذا اليسر؟

وأيضًا الدين دين تكاليف، ودين واجبات، ودين ترك محرمات، والجنة حُفَّتْ بالمكاره، فـ«الدين يسر» هو يسر نسبي بالنسبة للشرائع السابقة، {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، ومع ذلك الخروج إلى صلاة الصبح في اليوم الشديد البرد فيه مشقة، والحج فيه مشقة، والجهاد فيه إزهاق النفس، فهل نقول: إن الدين يسر، لا تحج؛ لأن فيه مشقة، والمشقة تنافي اليسر؟ لا، ففرق بين مَن يقول: (طواف الوداع قال مالك: سنة، والدين يسر) -ومعلوم أن الجمهور على وجوبه بالنسبة للحج-، وبين مَن يقول: (طواف الوداع واجب، وخُفِّف عن الحائض)، فاليسر إنما يُؤخذ من النصوص، نعم النصوص العامة تدل على أن الدين دين يسر، لكن ما هذا اليسر؟ هل المراد به التنصُّل عن الواجبات، أو المراد به ارتكاب المحرمات؛ لأن من أهل العلم مَن قال: إن هذا العمل مكروه، أو قال: ذلك العمل مستحب؟ ليس هذا المراد، بل الدين دين اتِّباع، وهو مؤطَّر ومقيَّد بنصوص عن الله سبحانه، وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا بالهوى، وليس المراد باليسر هنا أن ننظر في أقوال أهل العلم مَن خفَّف فنتْبَع، ومَن شدَّد فنترك، فهذا الذي خفَّف هذا فهمه للدليل، وتجده في مسائل كثيرة جدًّا شدَّد في مقابل مَن شدَّد في تلك المسألة، فلا ضير عليه؛ لأنه إنما يدين الله بما يؤديه إليه اجتهاده، وأنت عليك أن تدين الله بما يؤديك إليه اجتهادك، من خلال النظر في النصوص، فإذا قلتَ: (إن طواف الوداع ليس بواجب؛ لأن مالكًا قال: ليس بواجب)، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به، تكون قد عارضتَ قول النبي -عليه الصلاة والسلام- بقول مالك -رحمه الله-، لكن إذا قلتَ: (إن طواف الوداع واجب، وخُفِّف عن الحائض)، هل تكون قد عارضتَ النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، فهو الذي خفَّف عن الحائض، ففرْق بين هذا اليسر وذاك اليسر، هذا تيسير شرعي، وهذا تيسير تابع للهوى، وهو تتبُّع الرُّخص الذي نصَّ جمع من أهل العلم عليه بقولهم: (مَن تتبَّع الرُّخص فقد تزندق)، لماذا؟ لأنه يَخرج من الدين بالكلية، وما يبقى عنده شيء، فالأمور المُجمَع عليها قليلة في مقابل المسائل المُختلَف فيها، وإذا أردنا أن ننظر إلى القول الأخف في كل مسألة، فمعناه أنه ما بقي لنا شيء.