تخفيف الإمام صلاة التراويح؛ ترغيبًا للمأمومين في الصلاة

السؤال
أنا إمام مسجد، فهل لي أن أُخفِّف صلاة التراويح؛ ترغيبًا للمأمومين في الصلاة؛ لأنني إذا أطلتُ تَرَك بعضُهم الصلاة معي؟ وهل حديث: «من أمَّ قومًا فليُخفِّف» عامٌّ للفرض والنفل، أم خاصٌّ بالفرض؟
الجواب

الأصل أنه سيق في الفرض، لكن ينبغي ملاحظة المأمومين ومراعاة أحوالهم؛ لأن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة، فتُراعى أحوالهم، وتُؤلَّف قلوبهم على العبادة، ويُتخوَّلون بها، لكن كما قال الشيخ سعد بن عتيق -رحمة الله عليه-: (الحديث ليس فيه حجة للنقَّارين)، يعني: حديث «أيكم أمَّ الناسَ فليُخفِّف» [البخاري: 90]، ومع الأسف أنه يوجد من الأئمة مَن يكفيه أن يقول الناس: (فلان أول مَن يطلع من المساجد)! ويكفيه أن يصلي خلفه عشرة صفوف؛ لأنه أول مَن ينصرف من الصلاة، وهذا ليس بهدف، بل على الإمام أن يصلي صلاة تُؤتي ثمارها، وتترتَّب عليها آثارها، وعليه أن يعظ الناس بالقرآن، ويستحب أهل العلم أن يَسمع الناس القرآن كاملًا، وقد انتهى رمضان العام الماضي وشخص ما بلغ سورة المائدة، قرأ خمسة أجزاء في شهر، وهذه قرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة [مسلم: 772]، فلا هذا، ولا ذاك، لا تُمِل الناس، ولا تنقر الصلاة، وتُذهِب لُبَّها وخشوعها، وتُضيِّع أثرها على مَن جاء ليصلي خلفك؛ لأن القرآن من أعظم ما يوعَظ به الناس، فإذا قرأتَ قراءة تُؤثِّر في الناس ترتَّبت الآثار على الصلاة، فتوسَّط في أمرك، لا تُمِل الناس بالتطويل، ولا تنقر الصلاة.

وإلى وقت قريب قبل ثلاثين سنة أنا صليتُ وراء إمام -ما زال موجودًا، وهو الآن من هيئة كبار العلماء-، قرأ في ليلةٍ خمسة أجزاء في صلاة التهجد، والآن بصعوبة يقرؤون جزأين في صلاة التهجد، ويقول: (يَمَل الناس)! كم الليالي التي فيها تهجد؟ هي تسع ليالٍ أو عشر، لا أكثر، فينبغي أن تُستغل مثل هذه الليالي، والملاحظ أن الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- في القيام هو القلب وليس البدن، فما تقول: (هذا شيخ كبير ما يستطيع القيام، وهذا شاب نُطوِّل عليه الليلة ونُعوِّده ونُمرِّنه على طول القيام)، لا، بل الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وأنا أدركتُ شيخًا جاز المائة، ويصلي صلاة التهجد خلف شخص صوته غير مشجِّع، فلما صلى في ليلة من الليالي -وقد اعتاد أن يصلي في كل تسليمة بجزء من القرآن- خفَّف في التسليمة الأخيرة؛ لأنه سمع مسجدًا يُؤذَّن فيه الأذان الأول، والعادة أنه إذا سُمع الأذان أنهم يكونون قد انتهوا من الصلاة، فظنَّ أنه تأخَّر، فلمَّا سلَّم هذا الإمام -واسمه عبد الله-، اتَّجه إليه هذا الشيخ الكبير باللوم، يقول: (يا عبد الله، لمَّا جاء وقت اللزوم ضيَّعتَ صلاتنا!)، وتجد الشاب ينظر الساعة، وإذا سجد الإمام قال: (الحمد لله راحتْ ركعة)، وإذا سلَّم قال: (الحمد لله راحتْ تسليمة، انتهينا، ما بقي إلا القليل)، وهو شاب! وسيخرج ويقف عند باب المسجد ساعة يتكلَّم، فالذي يتعامل حقيقة هو القلب، وليس البدن، فعلى الإنسان أن يُلاحظ هذه الأمور، والله المستعان.