مفارقة شارب السجائر للجماعة في المسجد

السؤال
أحيانًا في صلاة الجماعة أشمُّ رائحة السجائر تنبعث من الشخص الذي بجواري، وأكون طيلة وقت الصلاة متضايقًا، فهل يجب على مَن ابتُلي بشرب السجائر أن يفارق الجماعة، وأن يُصلي في بيته؟ وما نصيحتكم له؟
الجواب

لا شك أن هذا الدخان مُنتِن وله رائحة كريهة يتضايق منها المعافى، وتؤذيه أذىً يُعادل بل قد يزيد على أذى ما ينبعث ممن أكل ثومًا أو بصلًا، ممن أُمِر باعتزال المُصلَّى، وعلى هذا لا يجوز له أن يشرب هذا الدخان، بل هو مُحرَّمٌ في كل حال؛ لما قرره الأطباء من أذاه وضرره بالصحة، لكن إذا ابتُلي كمن احتاج إلى أكل الثوم والبصل لحاجة فإنه لا يجوز له أن يحضر الجماعة فيؤذيهم برائحته، لأنه أُمِر باعتزال المُصلى، وأَمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بسحبه، وسمَّى النبي –عليه الصلاة والسلام– شجرة الثوم والبصل بالخبيثتين: «مَن أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين...» [سنن النسائي الكبرى: 6647 / ويُنظر: مسلم: 565]، ولما قال الناس: "حُرِّمتْ، حُرِّمتْ"، وبلغه ذلك -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها» [مسلم: 565]، هذا وهما حلال في الأصل وذاك مُحرَّمٌ -أعني: الدخان-؛ لما يترتَّب عليه من ضرر بالغ في الصحة، لكنه يُشارك الثوم والبصل بِقُبح الرائحة الذي هو سببٌ في منع المزاوِل لهذه الأشياء من قربان المُصلَّى والصلاةِ مع النَّاس.

وليس في هذا المنع رخصة في ترك الجماعة، وإنما هو عقوبة وتعزير لمن أكل أو زاول هذه الأشياء؛ لأن الحرمان من الصلاة مع المسلمين لا شك أنه تعزير وليس برخصة. فعلى الإنسان أن يتقي الله –جلَّ وعلا-؛ لأنه مُطالبٌ بصلاة الجماعة، وهي واجبة عليه؛ لأنه مُكلَّف: ذكر حُر... تلزمه صلاة الجماعة، ولا يجوز له أن يستعمل ما يمنعه من قربانها في وقتها.

أما إذا استعملها في وقتٍ ليس بوقت صلاة، وأتبعها بما يُخفِّف رائحتها، فإذا جاء وقت الصلاة فإذا الرائحة قد زالتْ أو اضمحلَّتْ حتى لا تكاد تُوجد، فهذا لا مانع منه ولا بأس به؛ لأن الثوم والبصل حلال، ويُستعملان عِلاجًا لبعض الأمراض، فحينئذٍ إذا استعمله للحاجة وجاء وقت الصلاة والرائحة موجودة فإنه يُصلي في بيته، لا يُصلي في المسجد، ويحرص مع ذلك على الجماعة فيُصلي بمن في البيت، والله أعلم.