مَن يجتهد في أول رمضان، ثم يضعف في نصفه، وينشغل في آخره عن القيام

السؤال
نريد نصيحة للذين يجتهدون في أول رمضان، ثم تَخِف عبادتهم في نصف رمضان، وينشغلون في العشر الأواخر بشراء الملابس والتجهيز للعيد، ويتركون صلاة القيام؟
الجواب

على الإنسان أن تكون أموره متوسطة، فيتوسَّط في أموره كلها؛ لأن بعض الناس يجتهد اجتهادًا لا يستطيع الاستمرار عليه، ثم يَمل، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «اكلفوا من العمل ما تُطيقون» [البخاري: 1966]، «عليكم من العمل ما تُطيقون، فإن الله لا يَمَل حتى تَمَلُّوا» [البخاري: 43 / ومسلم: 785]، فالإنسان عليه أن يأتي بما يستطيع الاستمرار عليه، فإذا كانت قراءته للقرآن -مثلًا- أنه يقرأ في اليوم خمسة أجزاء، ويختم كلَّ ستة أيام، أو يقرأ أربعة ونصفًا، ويختم في سبعة أيام، وهو يستطيع أكثر من ذلك، لكنه لا يضمن الاستمرار عليه، فإنه يلزم ما يغلب على ظنِّه أنه يستمر عليه؛ لأن الانقطاع عن العمل الصالح نكوص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- «إذا عمل عملًا أثبتَه» [مسلم: 746]، ولا شك أن ترك العمل باعثه الملل، وفي الحديث الصحيح المخرَّج في (البخاري) وغيره: «فإن الله لا يَمَل حتى تَمَلُّوا»، يعني: لا يَقطع الأجر حتى تنقطع الأعمال الصالحة، والملل المنسوب إلى الله -جل وعلا- هنا هو من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير.

فهؤلاء الذين اجتهدوا في أول الشهر، والمسألة شهر واحد، فعلى الإنسان أن يأطر نفسه على الازدياد من الأعمال الصالحة، وأن يستمر عليها، ويثبت عليها، نعم قضاء الحوائج التي لا بد له منها بحيث لا يقوم مقامه غيره فيها، مثل هذا حينئذٍ يقوم بأعماله وأعمال أهله، ويشتري حاجاته وحاجات أهله، لا يُمنع من ذلك، لكن لا يكون ذلك على حساب العبادة، فهناك أوقات أخرى في غير وقت القيام، وهو يقول: (يشتغلون في العشر الأواخر بشراء الملابس والتجهيز للعيد، ويتركون صلاة القيام).

وجاء في الحديث «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [البخاري: 37]، فإذا ضُم إلى ذلك «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [البخاري: 35]، وهي أيضًا خير من ألف شهر، وإذا أُضيف إلى ذلك: «مَن صام رمضان، إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [البخاري: 38]، هذه أجور لا يُفرِّط فيها إلا محروم، فكيف تَمُر مثل هذه النصوص على الإنسان ولا تؤثِّر فيه؟ وكيف يهنأ بنوم، أو بذهاب وإياب، أو بتنزُّه، أو بخروج إلى أسواق، والناس يحصلون على هذه الأجور العظيمة، وهو محروم منها؟! هذا لا شك أن الران قد غطَّى على قلبه، وإلَّا فمثل هذه الأيام المفترض أن تُستغل فيها الأنفاس، لا سيما الليالي العشر، التي تُرجى فيها ليلة القدر، ليلة واحدة تُعادل عبادة أكثر من ثمانين سنة، وهل لأحد أن يقول: الخبر صحيح، أو غير صحيح؟ الخبر في القرآن المحفوظ المصون من الزيادة والنقصان.

على كل حال على الإنسان أن يجتهد، وأن يستمر، وإذا خرج رمضان أيضًا عليه أن يلزم العبادة؛ لأن لزومه للعبادة دليل على قبول عبادته في الشهر، وأما إذا عاد بعد رمضان إلى ما كان يزاوله من المحرمات أو تركٍ للواجبات قبل رمضان، فرمضان لم يُحقِّق الأثر، فتجد بعض الناس يجتهد، ويعتكف في العشر الأواخر، ويُطبِّق السنة، ويحفظ وقته، ثم بعد ذلك إذا أُعلن الشهر مغرب ليلة العيد خرج من المسجد، وانشغل بما كان يعمله قبل الاعتكاف، وقد تفوته صلاة العشاء! فهل مثل هذا الاعتكاف وقع موقعه؟ هل أثَّر في نفس المُعتكِف الأثر الذي ينبغي لمثله؟ الاعتكاف تربية للنفس، وترويض لها على العبادة، فإذا كان هذا واقع مَن اعتكف: تفوته صلاة العشاء، أو ينام عن صلاة الفجر، فهذا اعتكافه ما حقَّق الأثر المرتَّب عليه.