لا شك أن وليَّ الأمر عليه أن يُنشِّئ ولده من ذكرٍ وأنثى على مراد الله -جل وعلا-، بحيث إذا كُلِّف يكون قد تهيَّأ وأَلِف هذا الأمر؛ ولذا أُمر أن يأمره بالصلاة لسبع، وأن يضربه عليها لعشر، وهو غير مُكلَّف، وهذا من باب الأمر بالأمر بالشيء، والأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به، أو لا؟ هذه مسألة تُبحث في الأصول، ولكن من خلال النظر في النصوص ليست هناك قاعدة مطَّردة، ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع» [أبو داود: 495]، هذا أمر لوليِّ الأمر، وليس للولد، فالأمر يتَّجه إلى وليِّ أمره، بحيث لو أَخلَّ بهذا أَثِم، والصَّبيُّ لو أَخلَّ بهذا لم يأثم؛ لأنه لم يُكلَّف.
وفي مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «مُرْه فليُراجعها» [البخاري: 5251]، المأمور بهذه المراجعة المُطلِّق الذي هو عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وليس المأمور بذلك عمر.
فتأمَّل تجد المأمور في النص الأول وليَّ الأمر، لماذا؟ لأن المأمور بأمره ليس مناطًا للتكليف، فلا يتَّجه إليه الأمر. وأما في النص الثاني «مُرْه فليُراجعها» فالمأمور بأمره مناط للتكليف؛ لأنه مُكلَّف، والمراجعة إنما تكون من المُطلِّق، وهو مُكلَّف. إذن ليس هناك قاعدة تضبط جميع ما ورد في الباب، لكن إذا كان المأمور بأمره محلًّا للتكليف اتَّجه إليه الأمر، وإذا كان ليس محلًّا للتكليف فإنه لا يتَّجه إليه الأمر.
وعلى هذا فلا شك أن الإسبال محرَّم، وجاء فيه نصوص شديدة، ولو من غير خُيلاء، فإنه من غير خُيلاء في النار، لكن إذا كان مع الخُيلاء فالأمر أشدُّ: لا ينظر الله إليه، ولا يُكلِّمه...إلى غير ذلك. وعليه فالولد الصغير الذَّكر يُسبِل، أو يلبس الحرير أو الذهب، ويُقال: (إنه غير مكلَّف، فلا إثم عليه)، العلماء يختلفون في مثل هذا، فعند الشافعية ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أن له أن يلبس الذهب والحرير، ويُسبِل، ويفعل ما شاء؛ لأنه غير مُكلَّف. والجمهور على أنه يجب منعه مما حُرِّم على الذكور الشامل للكبار والصغار، «إنَّ هذين حرام على ذُكور أُمَّتي -وهو ذَكَر- حِلٌّ لإناثهم» [أبو داود: 4057 / وابن ماجه: 3595]، فيُمنع مما يُمنع منه المُكلَّف، وإذا لم يمنعه وليُّ أمره فإنه يأثم؛ لأنه مأمور بتربيته على ما جاء في النصوص، والصغير الذي لم يبلغ ولم يُكلَّف ليس عليه إثم، لكن يُؤطَر على مثل هذا؛ ليتربَّى عليه، كما يُؤطَر على الصلاة ويُؤمَر بها لسبعٍ مع التمييز، ويُضرَب عليها لعشر، والضرب لا يكون إلَّا على ترك واجب كما هو معلوم، لكن هذا الضرب إنما هو للتأديب لا للتعذيب، فيُؤدِّبه والده كما يُؤدِّب المعلم تلميذه، وكما يُؤدِّب الزوج زوجته، ولا يُزاد في هذا على عشرة أسواط كما جاء في الحديث [البخاري: 6850].