الجمع بين حديث عِتبان وحديث ابن أُمِّ مكتوم -رضي الله عنهما-

السؤال
لماذا لا يكون الجمع بين حديث عِتبان وحديث ابن أُمِّ مكتوم -رضي الله عنهما- هو: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وابن أُمِّ مكتوم كانا يتحدَّثان عن صلاة الجمعة، لا عن الصلوات المفروضة، علمًا أن هذا القول قول الجماهير من أهل العلم؟
وسؤال آخر: هل لقائل أن يقول في أمر عِتبان وابن أُمِّ مكتوم -رضي الله عنهما-: التفصيل في أمر العميان، فهناك عميان كالمبصرين، فهذا يُحمَل عليه حال ابن أُمِّ مكتوم، وأما الضرير الذي ليس كالمبصر؛ فهو كحال عِتبان؟
الجواب

أما (أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وابن أُمِّ مكتوم كانا يتحدَّثان عن صلاة الجمعة)؛ فهذا القول لا أعرف مستندًا له، والأصل أنه يطلب الرخصة أن يصلي في بيته، والصلاة تعمُّ الجميع.

وأما (التفصيل في أمر العميان)؛ فلا شك أن العميان يتفاوتون تفاوتًا بيِّنًا، فمن العميان من يشتغل في هندسة الإلكترونيات، وهذا شيء لا يطيقه كثير من المبصرين، ونعرف بعضَ العميان عمدة زملائهم من المبصرين عليهم في المذكِّرات، ويشتغلون في الكهرباء، وفي السباكة، وفي الساعات، وفي السيارات أيضًا، ويعملون في دقائق الأمور، وهم عميان! وبعضهم لا يُميِّز بين الغرف في بيته: يُريد الحمام فيدخل المجلس، ويُريد المجلس فيدخل الغرفة، وهو بيته!

فلا شك أنهم يتفاوتون تفاوتًا بَيِّنًا، وهذه مواهب من الله -جلَّ وعلا-، و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]؛ أي: لا يُكلِّف الله الإنسان إلا بقدر ما أعطاه، و{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فإذا كان الأعمى ممَّن يدرك هذه الأمور؛ فلا شك أن الأمر في حقِّه أشدُّ، وإذا كان ممَّن يخفى عليه كثير من الأمور؛ فالأمر في حقِّه أسهل، والمسألة مسألة إطاقة ومشقَّة.

المقصود أن هذا أمر معتبَر، فالأعمى إذا خرج من بيته، وغلب على ظنه أنه يتعرَّض لحوادث السيارات، أو غيرها؛ فهو معذور، فإذا كان بينه وبين المسجد طريق سريع مثلًا؛ فهل يقال: اعبُر الشارع، واذهب إلى المسجد؟ مع أنه يوجَد من العميان مَن يعبُر الشوارع بأحذق من طرائق المبصرين، ومع ذلك إذا كان لا خطر عليه؛ فيعبُر، وإذا كان عليه خطر، ولو كان مبصرًا؛ فلا، وكم من شخص راح ضحيَّة لهذه السيارات في هذه الطرق السريعة.

المقصود أن التفاوت موجود، لكن الوصف الشرعي الذي يمكن أن يُعلَّق به جميع الأحوال بحيث لا يتفاوت؛ لأنه لو تُركَ تحديد الإتيان إلى صلاة الجماعة لتفاوت أحوال الناس؛ لَما انضبط الأمر، والشرع يأتي بقواعد عامة تنطبق على الجميع؛ ولذا قال لابن أُمِّ مكتوم -رضي الله عنه-: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب» [مسلم: 653] «لا أجد لك رخصة» [أبو داود: 552]، ولم يقله لعِتبان -رضي الله عنه-؛ لعلمه أو لغلبة ظنِّه أنه لا يسمع النداء، وهذا وصف شرعي مؤثِّر، وأما الأمور التي يتفاوت فيها الناس؛ فلا يُحال عليها قاعدةً عامة في الشرع. نظير ذلك: أن الأمر بالصلاة لسبع، ولم يوكَل ذلك إلى التمييز، لماذا؟ لأن التمييز يتفاوت فيه الناس، فمنهم مَن يُميِّز لأربع، ومنهم مَن يُميِّز لخمس، ومنهم مَن لا يُميِّز إلَّا إلى تسع، أو عشر، لكن السبع تجمع أكبر قدر من الناس، فأُحيل عليها، والحكم للغالب، ولو تُرِك لتمييز كل إنسان بحسبه؛ لكان الأب إذا قيل له: (لماذا لا تأمر الابن وهو ابن تسع سنين؟)، قال: (لم يُميِّز بعد)؛ لأنه يؤذي الناس عند أبواب المساجد، وقد يأتي بطفله الذي يؤذي الناس، ويعبث بالمسجد، ويُمزِّق المصاحف، وهو ابن سنتين، أو ثلاث، ويقول: (مُميِّز)! فمثل هذا لا ينضبط، فالشارع يأتي بقواعد عامة تضبط الجميع، ولا ينظر إلى الفروق الفرديَّة، إلَّا من حيث تأكُّد الأمر وعدم تأكُّده، فالذي يمكن أن يُحال عليه كقاعدة عامة هو: سماع النداء.