تمييز الأعلام الذين تتشابه أسماؤهم في كتب أهل العلم

السؤال
كيف لطالب العلم أن يميّز بين الأئمة الذين تتشابه أسماؤهم من عِلم إلى آخر كقول بعض المصنفين في كتبهم: قال الشيباني، أو قولهم: قال أبو العباس، أو قولهم: قال شيخ الإسلام، أو قولهم: قال أبو حاتم، أو قولهم: قال أبو حنيفة، وهكذا..، وهل هناك قاعدة يلتزمها طالب العلم للتمييز بين هؤلاء الأئمة في حال الالتباس؟
الجواب

الطريقة في تمييز هؤلاء أن يُنظر في القول، ويسند كل قول إلى صاحبه المتخصص فيه، فإذا كانت المسألة في الفقه وقيل: قال أبو حنيفة، فالمراد به أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب، وإذا كانت المسألة لغوية وقيل: قال أبو حنيفة، فالمراد به أبو حنيفة الدِّيْنَوَرِي، وإذا قيل: قال أبو حاتم، فإن كان في علم الرجال فهو الرازي، وإن كان في حديث فيحتمل أنه الرازي، وأقرب منه أنه ابن حبان، وإذا كانت المسألة لغوية فأبو حاتم هو السجستاني، وهكذا..، فإذا قال: قال أبو العباس، فإنه يُنظر إليه من عدة اعتبارات، فإن كانت المسألة عقدية، وهي جارية على مذهب السلف، وفي كتب من جاء بعد شيخ الإسلام، فالغالب على الظن أنه يقصد ابن تيمية، وإن كانت المسألة في الأدب أو في اللغة فالغالب أنه الـمُبَرِّد. المقصود أن مثل هذه الأمور يُنظر فيها إلى القول ومن يحتمل أن يصدر عنه من أهل العلم.

ومن الطرائف أنه في (تفسير القرطبي) مرّ قول القرطبي المفسر: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارًا يقول..، وهذه الكلمة تتردد في كتب ابن القيم، ويقصد ابن القيم بذلك شيخَ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، لكن في (تفسر القرطبي) هل يمكن أن يقال: إنه ابن تيمية، لمجرد الموافقة بالحرف مع كلام ابن القيم؟ لا يمكن؛ لأن شيخ الإسلام متأخر عن القرطبي صاحب التفسير، وهو يقصد بذلك شيخه أبا العباس القرطبي صاحب (المفهم)، والغريب أن من الباحثين في رسالة علمية من ينسب القول لشيخ الإسلام ابن تيمية وينقله من (تفسير القرطبي)؛ لهذه الكلمة "ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارًا يقول"، وفاتت الباحث وفاتت المشرف أيضًا! وهذه الكلمة موجودة ومألوفة في كتب ابن القيم. فعلى الإنسان أن يتنبه لمثل هذا، وأبعد من ذلك، بل أمر لا يخفى على صغار المتعلمين وهو قول بعض المعلقين -ممن يزعم أنه محقق- في حديث أبي موسى -رضي الله عنه- حين قال أبو موسى: الهرج بلسان الحبشة القتل. [البخاري: 7065]، فيعلق المعلق عند القائل ويترجم لأبي موسى المديني المتوفى سنة خمسمائة وثمانين! والنص في (صحيح البخاري)، والقائل الصحابي الجليل أبو موسى عبدالله بن قيس الأشعري –رضي الله عنه- راوي الحديث، فكيف يُترجم لشخص في أواخر القرن السادس، والإمام البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين؟! فعلى طالب العلم أن يتنبه لمثل هذه الأمور، فإذا خفي على الباحث مثل قول القرطبي آنف الذكر لقرب العهد -حيث إن القرطبي صاحب التفسير مات وشيخ الإسلام موجود إلا أنه لم يبلغ الحنث- لكن كيف يخفى على هذا المُعلِّق مَن أبو موسى مع بعد العهد بين البخاري وبين أبي موسى المديني؟!

و(منظومة الكبائر) أضيفت إلى نظم ابن عبد القوي (منظومة الآداب) مع أن في (منظومة الكبائر) نقلًا عن شيخ الإسلام، وابن عبد القوي مُتقدّم على شيخ الإسلام! وفيها يقول الناظم:

وزادَ حَفيدُ الْمَجدِ: أَو جا وَعِيدُهُ

بِنَفْيٍ لإِيمانٍ، وَلَعنٍ مُبَعِّدِ

(حفيد المجد) شيخ الإسلام، (زاد) أي: في حد الكبيرة. ثم بعد ذلك يتبين أن هذه المنظومة (منظومة الكبائر) للحجاوي وليست لابن عبد القوي.

المقصود أن هذه الأمور يجب أن يتنبه لها طالب العلم؛ لئلا يقع في مثل هذه المضحكات.