اقتناء كتب السحر والشعوذة والمجون

السؤال
أفتونا عن كتب السحر والشعوذة والمجون هل يجوز اقتناؤها؟
الجواب

لا يجوز للمسلم أن يقتني ما يضره، وأعظم الضرر ما يعود على الدين بالنقص فضلاً عن أن يعود على أصله بالنقض، فالسحر كفر مناقض لأصل التوحيد، فلا يجوز اقتناء كتبه، كما أنه لا يجوز تعلمه ولا تعليمه، فلا شك أن اقتناءها يدعو إلى النظر فيها سواء كان من قبل المقتني أو ممن يقف عليها ممن يدخل مكتبته علم بذلك أو لم يعلم، فعلى هذا لا يجوز بحال أن تقتنى هذه الكتب، بل يجب إتلافها والتحذير منها ومن ضررها، وكذلك الشعوذة فإنها ضرب من السحر، وأما كتب المجون فلا شك أن فيها ضررًا على أخلاق المسلم وتسهيلاً للمعاصي عنده وتهوينًا من شأنها، وهذا المجون موجود -مع الأسف- فيما يسمى بكتب الأدب، وكلمة (الأدب) ينبغي أن تحفظ وألّا تمتهن في كتب تشتمل على ما يناقض الأدب ويخل به، كتب الأدب سواء كانت عند المتقدمين أو المتأخرين فيها من المجون وسفاسف الأمور الشيء الكثير، ومع ذلك هي موجودة بين المسلمين ويقرؤون فيها وينظرون فيها من باب التسلية، لكن مع ذلك يتعين أن تُجرَّد هذه الكتب من المجون وسفاسف الأمور والأخبار التي يستحيا من ذكرها، وكما ذكرنا هي موجودة في المكتبات العامة والخاصة وفي بعض مكتبات طلاب العلم وأهل العلم، وأطولها وأكبرها كتاب (الأغاني)، هذا فيه من المجون وفيه من الأخبار المفتراة والأخبار الضعيفة والقصص التي نسبت لأشخاص وهم منها براء ما لا يخفى. ومع ذلك فهذه الكتب لا تخلو من فائدة، ومن ذلك وقوف الحافظ ابن حجر -رحمه الله- على معنى كلام أبي حاتم الرازي -رحمه الله- في جُبارة بن المغلِّس عندما قال فيه: (بين يديْ عدل)، فالحافظ العراقي -رحمه الله- ظن أن هذه اللفظة تعديلًا، وكان يقرؤها: (بين يديَّ عدلٌ) يعني: هو عدلٌ بين يديَّ، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- بنباهته ودقته رأى أن مثل هذا القول لا يمكن أن يقوله أبو حاتم في تعديل هذا الراوي الضعيف، وأقوال أهل العلم معروفة في تضعيفه، فبحث عن أصل هذه المسألة يقول: ففي كتاب (أدب الكاتب) وجدت ترجمة للعدل بن جزء بن سعد العشيرة وكان على شرطة تُبّع، فكان تُبّع إذا أراد أن يقتل رجلاً سلمه إلى العدل صاحب الشرطة، فقال الناس: بين يدي عدل، يعني هلك، يقول: ثم وجدت في (الأغاني) ما يؤيد هذا من قصة للقائد طاهر بن الحسين وكان في مأدبة مع بعض أولاد الرشيد، فأخذ ابنٌ صغير من أبناء الرشيد هندباة مما يوضع في الطعام كالقرع والكوسة والباذنجان وما أشبه ذلك، فضرب بها عين طاهر السليمة، وكان طاهر أعور، فاشتكاه إلى أبيه فقال: إنه ضرب العين السليمة والأخرى بين يدي عدل، يعني هالكة تالفة، فعرف الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أن هذا من سيئ ألفاظ التجريح، وانتقلت الجملة من كونها تعديلًا إلى كونها تجريحًا شديدًا، فاستفاد هذا من كتب الأدب (أدب الكاتب) و(الأغاني)، لكن لا يعني أن طلاب العلم الذين هم في فرط شبابهم ينظروا في هذه الكتب من أجل الحصول على مثل هذه الفائدة النادرة التي قد لا يوجد لها نظير، فابن حجر استفاد منها هذه الفائدة، ومع ذلك إذا كان القارئ قد بلغ الأشد وكبرت سنه وأراد أن يستجم بها فلا مانع، مع أنها لا ينبغي أن تأخذ حيزًا من سنام الوقت بحيث تطغى على ما هو أهم منها، وإنما يستفاد منها بقدر الإمكان من أجل الراحة والاستجمام، لكن الشباب لا ينبغي أن ينظروا فيها لا سيما ما يشتمل منها على المجون، ومن أسوأ ما كتب في الباب (محاضرات الأدباء) للراغب الأصفهاني، فهو أسوأ من (الأغاني) وأسوأ من (العقد الفريد) وغيرهما، ومن أنظف ما كتب في الأدب (زهر الآداب) للحصْري أو الحصَري، فإنه أخلاه من المجون، ومحققه زكي مبارك عتب عليه ونعى عليه إغفاله جانبًا مهمًا من جوانب الأدب الذي هو المجون! وقال كلامًا ساقطًا لا ينبغي أن يُلتفت إليه أو أن يُنقل.

المقصود أن مثل هذه الكتب التي فيها المجون لا شك أن فيها ضررًا على أخلاق الناس، حيث تجعل الشاب يستمرئ هذا الكلام ويهون عنده، وقد تهون عنده المعصية إذا نقلت عن فلان وعن فلان، مع أن النقل قد يكون غير صحيح كما نقل بعض الأدباء عن بعض الفضلاء أفعالاً هم منها برئاء ولا تليق بهم ألبتة، بل هي مجرد فراء عليهم، فعلى هذا ينبغي أن يهتم طالب العلم بالوحيين (الكتاب والسنة) وما يعين على فهمهما، وإن تعدى ذلك إلى كتب التواريخ مثلاً ففيها من العبرة ما فيها، وفيها أيضًا من المتعة ما فيها، وفي بعض كتب الأدب العفيف أيضًا يستفيد طالب العلم.

فالخلاصة أن كتب السحر لا يجوز اقتناؤها ألبتة، ولا خير فيها مطلقًا، بل هي ضرر محض. وإذا وجد الإنسان بين كتبه قصاصة من كتاب محرم كالسحر ونحوه فإنها تحرق، وقد يوجد شيء من الشعوذة في بعض كتب الطب، وفي بعض خواص الحيوانات، يكتبون أرقامًا ورموزًا ولعلها -كما قال بعض أهل العلم- ترمز إلى شياطين، ففي (حياة الحيوان) الشيء الكثير من هذا، في خواص الحيوانات يذكر أشياءَ ويذكر أرقامًا وحروفًا وطلاسمَ كلها شعوذة، فينبغي أن يُجرَّد هذا الكتاب من هذه الأشياء، والكتاب من أوسع ما ألف في حياة الحيوان، وفيه نفع، فيه أسماء حيوانات وفيه أحكامها كحكم أكلها وحكم اقتنائها وقد لا يوجد مفصلاً في كتاب آخر، فيستفيد منها طالب العلم ولا يلتفت إلى هذه الخواص التي يذكرها مع ذكر كل حيوان، مثل: رأس الهدهد إذا وضع تحت الوسادة ماذا يصنع، ورأس كذا ماذا يفعل! هذه كلها خرافات، لا يجوز اعتقادها ولا الاعتماد عليها.