دلالة قوله تعالى: {لمن اتقى} على التفضيل بين التعجل والتأخر

السؤال
في قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، قوله: {لِمَنِ اتَّقَى} هنا هل فيها دلالة على أفضلية أو أولوية للحاج؟
الجواب

هذا القيد في قوله تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: ٢٠٣] يعود إلى الجملتين، وهو مُقدَّر في الأولى، كما هو موجود في الثانية، والقيد والوصف والاستثناء إذا تعقب جملًا فالأصل أنه يعود إليها ما لم يمنع منه مانع من دليل خارجي، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ} شريطة أن يتقي الله -جل وعلا-، بمعنى أنه يرتفع عنه الإثم إذا حج متقيًا ربه في حجه، وكذلك إذا تأخر يرتفع عنه الإثم إذا حج متقيًا ربه في حجه، فإذا توفر هذا الوصف أو هذا القيد لمن حج ارتفع عنه الإثم، سواء تعجَّل في يومين أو تأخَّر، لكن لا بد من تحقق التقوى لرفع الإثم، ويكون معنى الآية بمعنى الحديث الصحيح «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [البخاري: 1521]، فالحاج إذا اتقى الله -جل وعلا- ومن مقتضيات التقوى ألا يرفث ولا يفسق، وحينئذٍ يرتفع عنه إثمه، فيعود ويرجع من حجه كيوم ولدته أمه، لا ذنب عليه، هذا معناها، وليس في الآية ما يدل على فضل التأخر على التعجل؛ لأنه -كما قلنا- كما أن التقوى مطلوبة لمن تأخَّر هي مطلوبة أيضًا لمن تعجَّل، وتفضيل التأخر لليوم الثالث إنما يؤخذ من فعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لم يتعجل، بل تأخر، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

والتقوى خلاصتها فعل الأوامر واجتناب النواهي، فمن اجتنب ما نهى الله عنه وائتمر وفعل ما أُمر به هذا هو التقي، والتقوى هي من الآثار المترتبة على العبادات إذا أُدِّيت على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فالصلاة إذا صلى المسلم كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من امتثال لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [البخاري: 631] فإن النتيجة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: ٤٥]، وما أُتي كثير من المسلمين ممن يصلي من الوقوع في الفحشاء والمنكر إلا لإخلاله بالاقتداء والائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وبقدر هذا الخلل يكون ارتكابه للمخالفات من الفواحش والمنكرات، وقل مثل هذا في الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣]، فإذا أُدِّي الصيام على ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وصان المسلمُ صيامه عما يخدشه فإنه حينئذٍ يقوده إلى التقوى، ويورث في قلبه تقوى الله -جل وعلا- وخشيته، وقل مثل هذا في العبادات كلها، والله أعلم.