درجة حديث: «لا تنتفوا الشيب فإنه نور المؤمن»

السؤال
ما صحة حديث: «لا تنتفوا الشيب فإنه نور المؤمن»؟
الجواب

هذا الحديث مخرج في (سنن أبي داود) [4202]، و(الترمذي) [2821] من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إلا أنه بلفظ: «نور المسلم»، والذي في السؤال: "نور المؤمن"، وعلى كل حال إذا أطلق هذا دخل فيه هذا، وما جاء من طريق هذه السلسلة "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى ردَّ جميع ما جاء في هذه السلسلة؛ بناء على أن المراد بالجد: جد عمرو، فهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا كان الضمير في (جده) يعود على عمرو كالضمير في (أبيه)، فإن محمدًا الذي هو جد عمرو، تابعي، وحينئذٍ يكون الخبر مُرسلًا، وهو من أقسام الضعيف، فيُرَد ما جاء بهذه السلسلة، وهذا قول معروف عند أهل العلم. وإذا كان الضمير في (جده) يعود على الأب الذي هو شعيب فجده عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-، فيكون الخبر موصولًا وليس بمرسل، إلا أنه يُنظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمرجّح أنه سمع منه، وجاء التصريح في عدة أحاديث بالجد، ففيها: "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو"، وعلى كل حال هذه السلسلة الخلاف فيها عند أهل العلم معروف ومشهور، والذي يُرجحه جمع من أهل التحقيق والتحرير أن ما يُروى بهذه السلسلة إذا صح السند إلى عمرو أنه يُتوسط فيه، فيكون من قبيل الحسن؛ للخلاف الذي أشرنا إليه.

وهذا الحديث حسنّه الترمذي، لعله للخلاف المذكور، فتوسَّط فيه، كما هو قول جمع من أهل العلم وأنه يتوسط فيها، فلا تكون من درجة الصحيح؛ لأن الخلاف مُعتبَر، ولا يُنزل بها عن درجة الحسن؛ لأن القول الثاني له وجاهته، لا سيما وقد جاء التصريح بالجد في عدة أحاديث.

نعود إلى تحسين الترمذي -رحمه الله-، فقد حَسَّن هذا الحديث، ولا شك أن الترمذي قد يُحسّن ما في سنده انقطاع، وقد يُحسّن ما في سنده راوٍ ضعيف، لكنْ ضَعْفُه ليس بشديد، حتى قال بعضهم: إن ما يَحكم عليه بالحسن فقط دون الصحة لا يرتقي لدرجة الحسن المصطلح عليه، المندرج في حيز القبول، وعلى كل حال الإمام الترمذي إمام من أئمة هذا الشأن، ولا شك أن له قيمته ووزنه بين أهل العلم، إلا أن بعضهم يرميه بالتساهل، وفي حدِّه للحديث الحسن ما يفيد أنه لا يُخرج منه ما ضَعْفهُ مُحتمل، إما لضعفٍ يسير في راويهِ أو لانقطاعٍ، ولذا حدَّ الترمذي الحسن كما يقول الحافظ العراقي:

...وَقَالَ (التّرمِـــذِيُّ): مَا سَـــلِمْ

مِـنَ الشُّذُوْذِ مَــعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ .

بِكَـذِبٍ وَلَـمْ يَكُنْ فَـــرْداً وَرَدْ

................................ .

ولعل الترمذي حينما حدَّ الحسن في (علل جامعه) بما اشتمل على الشروط الثلاثة، أنه يقصد الحسن لغيره، وأن يُروى من غير وجه، ولا يقصد بذلك الحسن لذاته، إنما يُروى من أكثر من وجه يعضد بعضها بعضًا، وإلا فكون الراوي الذي يشترطه الترمذي للحسن لا يُتهم بالكذب، لا ينفي ما دون الاتهام بالكذب من أسباب الضعف، مع أنه لم ينص على الاتصال، وواقع كتابه يشهد بأنه حَسَّنَ أحاديث فيها انقطاع.

على كل حال المسألة معروفة عند أهل العلم، فَجَمْعٌ من أهل العلم يرون الترمذي متساهلًا، وأنه لا بد أن يُتَعَقَّب ويُحكم على كل حديث حَكَم عليه بما يليق به، ومنهم من يرى أنه معتبر، وبالغ الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- فقال: إن تصحيح الترمذي معتبرٌ وتوثيقٌ لرجاله، فإذا صحّح حديثًا فإن رواة هذا الحديث كلهم ثقات ولو من وجهة نظر الترمذي، وكونه معتبرًا عند الشيخ أحمد شاكر فهذا يعني أنه أيضًا يرى أنهم ثقات، وأحمد هو الآخر معروف بتساهله، وقد وَثَّقَ جمعًا من الرواة جماهيرُ أهل العلم على تضعيفهم، وعلى كل حال لهما عناية بهذا الشأن ولهما جهودهما المميزة، لا سيما الإمام الترمذي الذي في مصافّ الكبار، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- له جهود يُشكر عليها.