كثرة التحقيقات والطبعات لكتاب واحد

السؤال
هل كثرة التحقيقات وتعاقبها على كتاب واحد من كتب الحديث يُعتبر من تلاقح الأفكار ومن الأمور التي تخدم كتب الحديث، أم الأفضل الاقتصار على التحقيقات السابقة لتلك الكتب؟
الجواب

يلاحظ في السنوات الأخيرة كثرة المطبوعات وكثرة النشر للتصانيف، ولا يقتصر ذلك على تعدد المؤلفات بل تعدى ذلك إلى تعدد الطبعات لمؤلَّف واحد -وأظن هذا هو المسؤول عنه-، بحيث يجد طالب العلم في المكتبة لكتاب واحد طبعات متعددة فيحتار فيما يختار، مع أن بعضهم واكب هذه الطبعات فاقتنى الطبعة الأولى، ثم خرجتْ طبعة أخرى مَزيدة ومنقَّحة فاقتناها، ثم خرجت طبعة ثالثة فيها زيادات وفيها ضبط وفيها وقوف على بعض النسخ التي لم يقف عليها المحققون من قبله فيحتار طالب العلم، وإن اشترى الجميع أُرهق ماديًا؛ لأنها تحتاج إلى أموال، وأيضًا تحتاج إلى مكان. وكونه يجمع الطبعات هذا أمر طيِّب؛ لأن في كل طبعة من المزايا ما لا يوجد في الطبعات الأخرى، ولا يطَّرد أن تكون الطبعة الأخيرة أفضل من التي قبلها، وإلا لقلنا: إنه يَكتفي بالطبعة الأخيرة ويترك ما عداها، لكن قد يكون في الطبعات السابقة ما هو أفضل من الطبعات الحديثة، لا سيما الطبعات القديمة التي توافر على تصحيحها لجان من أهل العلم، ففي المطابع المعتبرة مثل بولاق يُشكَّل لجنة كاملة من كبار أهل العلم للنظر في هذا الكتاب وفي تصحيحه وتصويبه والتعليق عليه، وإن لم يُبيِّنوا فروق النسخ في الحواشي، نعم قد يقف المحقق المتأخر على نسخ لم يقف عليها من تقدَّم فيُضيف من التصحيح والتصويب والتعليق ما لا يوجد في الطبعات السابقة، فلا شك أن طالب العلم يقف حيرانَ، وعلى أهل الخبرة والمعرفة أن يُبيِّنوا في كل كتاب أنفس الطبعات، هذه مسؤوليتهم؛ لئلا يضيع طالب العلم بين هذه الطبعات ولا يستطيع أن يوفِّق بينها، ولا يستطيع أن يجمعها جميعًا، فيُرشَد ويوجَّه إلى أفضل الطبعات فيقتنيها ويقتصر عليها.

وعلى كل حال مَن واكب هذه الطبعات واشترى الطبعة الأولى وقرأ فيها وأفاد منها ثم خرجت طبعة ذَكَر له أهل الخبرة أنها أفضل منها فيقتني هذه الطبعة الأفضل ويترك الأولى، ما لم يكن له عليها تعليقات، وحضر فيها دروسًا –مثلًا- وعلَّق عليها من قِبَل أهل العلم فهذه يحتفظ بها، أما إذا لم يحضر بها دروسًا ولا علَّق عليها ولا قرأها فله أن يتصرَّف فيها ويقتني الطبعة الأفضل، وإذا كان من أهل اليسار والغنى وعنده مكان يستوعب فوجود الكتب لا شك أنه خير، وإن كان في الجملة له آثاره، كما ذكر ابن خلدون أن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، فإذا لم يتولَّها بنفسه؛ لأنها تحتاج إلى تنظيف وإلى ترتيب وتحتاج إلى كلفة إذا كثُرت، لكن إذا ولَّى ترتيبها غيره، وجعل فيها من يَخدمه في هذا الباب ويُحضر له ما أراده من الكتب فكثرة الكتب ووجودها خير. وإن قال بعضهم: (إنه يُكتفى بالأجهزة الحاسوبية وما أُدخل فيها من الموسوعات وآلاف الكتب)! لا شك أن هذا يُقرِّب ويُيسِّر في الأسفار وفي البعد عن المكتبة وعن البيت وإلَّا فالكتاب الورقي لا يُمكن أن يُستغنى عنه.