مدى حاجة طالب العلم لـ(تفسير الألوسي)

السؤال
ما مدى حاجة طالب العلم لـ(تفسير الألوسي)؟
الجواب

تفسير الألوسي المسمى بـ(روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) لشهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي المتوفَّى سنة سبعين ومائتين وألف، هذا التفسير تفسيرٌ فيه جمعٌ حافل وهائل من الفوائد، وقد طُبِع لأول مرة في مطبعة بولاق سنة ألف وثلاثمائة، ثم طُبِع للمرة الثانية في المطبعة المنيرية بعد طبعة بولاق، ثم طُبِع مرةً أخرى في المنيرية أيضًا، والفرق بين الطبعتين المنيريتين أن الأولى مضغوطة، وليس فيها مساحة ولا علامات ترقيم، وليس فيها أيضًا أرقام للآيات، بخلاف الطبعة الثانية، فهي أكبر حرفًا، وفيها أيضًا أرقام الآيات، وهذا مهم جدًّا، وأما طبعة بولاق فعلى طريقتهم في الطبع من رصِّ الحروف، والحرف الدقيق المتميز القديم لبولاق، ولكن الطبعة المنيرية الأُولى فيها ما ذكرتُ، وعليها برواز في الصفحات، وحرفها مرصوص ودقيق، والثانية أكبر حرفًا، وفيها أيضًا الترقيم، فهي أميز من هذه الحيثية.

والطبعات المنيرية فيها جمال الطباعة كما هو معروف، وصفحة العنوان تكون باللون الأحمر، وهذا ما يميزها عن غيرها من المطابع، فالخطوط مميزة، وفيها جمال طباعة لا سيما عند من يستهويه جمال الطباعة، وهذا له أهله.

والتفسير كبير يقع في ثلاثين جزءًا بعدد أجزاء القرآن، وكما قلتُ آنفًا: هو مملوء من الفوائد وفيه غوص على الفوائد من الكتب التي لا يعرفها كثيرٌ من الناس، فهو تفسيرٌ حافل ومشحون بالفوائد، ولكن عليه ملاحظاتٌ كثيرة، فمذهبه ماتُريدي من حيث الصفات وباب الاعتقاد، وهو أيضًا كحاطب الليل لا يفرِّق بين المحققين وغيرهم، فيقول –مثلًا-: (قال الإمام المحقق ابن القيِّم)، بينما يقول: (قال الإمام محيي الدين قُدِّس سِرُّه)، يعني ابن عربي، وينقل عنه الطوام فيما يذهب إليه من وحدة الوجود ويعرضها من غير تعليق، وفيه أيضًا تفسير الصوفية الذي يُسمى بالتفسير الإشاري، فإذا فسَّر الآية قال: ومن باب الإشارة كذا، فيأتي بكلامٍ لا يُفهَم إلا على طريقة مَن يعتذر لابن عربي وغيره.

وعلى كل حال لو نُقِّح واختُصِر هذا التفسير وجُرِّد من هذه المخالفات ففيه فوائد في جميع الفنون، ولا توجد عند غيره. ومما ذكره من هذه الفوائد في تفسير سورة العصر قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تبحث عنه فدُلَّتْ عليه فقالت: إنها زنتْ وولدتْ وقتلتْ الولد وكذا وكذا، فقال: «لعلكِ ما صليتِ العصر»؛ لأن التفسير تفسير سورة العصر، ويَنسب ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في هذا ينقله عن تفسير الرازي؛ ولذلك قال لمَّا انتهى من النقل: (تفرَّد بذكره الإمام -بذكر هذا الكلام، يعني الرازي-، ولعمري إنه إمامٌ في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث)! يكون هذا مدحًا أو ذمًّا؟ هذا ذمٌّ شنيع، وقد عُرِف عن الرازي أنه في باب الرواية لا شيء، وبضاعته في الحديث مُزجاة. وغير ذلك من أمورٍ ذَكَرها ولطائف لغوية وأدبية وتاريخية، ويذكر قصصًا وحكايات ونكات.

فالتفسير فيه فوائد عظيمة، وفيه مثل هذه الطوام التي لو جُرِّد منها لانتفع به طلاب العلم، والمتوسط من طلاب العلم لا يُنصَح بقراءته كـ(تفسير الرازي)، لكن فيه فوائد غاص عليها الألوسي بسعة اطلاعه ووفرة كتبه، فهو مفيد من هذه الحيثية لكبار الطلاب من أهل العلم. وعلى كل حال لو جُرِّد ونُقِّح من هذه المخالفات لانتفع به طلاب العلم نفعًا كبيرًا.

ورأينا من نَسب هذا التفسير إلى محمود شكري الألوسي، وهذا خطأ؛ لأن الألوسي محمود شكري متأخر عنه حدود سبعين سنة، ومحمود شكري علامةٌ مُحقِّق في باب الاعتقاد، وله مشاركات في طبع كُتب إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشَرَح كتاب (مسائل الجاهلية)، وله مشاركات، وله أيضًا في الرد على النبهاني كتاب اسمه (غاية الأماني في الرد على النبهاني)، كتابٌ جيد ونفيس، ومفيدٌ جدًّا، والله أعلم.