نصيحة تعين على الخشوع في الصلاة

السؤال
فتاة تقول: إن عمرها عشرون سنة وتقول: أريد نصيحة تعينني على الخشوع في الصلاة، وأنا أحيانًا أقول: إن الله لا يغفر لي أنا بالذات وما يستجيب دعائي، فما نصيحتكم لي؟
الجواب

هذه الفتاة من حرصها على دينها وشفقتها على نفسها وصلت إلى هذا الحد بحيث تريد أن تكون خاشعة في صلاتها ومع ذلك يبدو أنها حاولت ولم تستطع وما وُفِّقت فوصلت إلى هذا الحد الذي يشبه اليأس والقنوط حتى أنها قالت: إن الله لا يغفر لها وما يستجيب دعاءها، لاشك أن هذا قنوط من رحمة الله ومحرم، فعلى الإنسان أن يبذل ما يستطيعه من عمل، ويسأل الله -جل وعلا- أن يحقق له ما يريد ولا ييأس ولا يقنط، وعليه أيضًا أن يبذل الأسباب الجالبة للخشوع في الصلاة؛ بأن يُقبل على صلاته مفرغًا نفسه من أعمال دنياه، وأن يمتثل أنه بين يدي الله -جل وعلا-، فإذا استحضر مثل هذا الأمر فإنه بإذن الله يخشع لاسيما إذا ألقى سمعه لكلام الله -جل وعلا- سواء كان بقراءته أو بقراءة غيره كالإمام، فإذا ألقى سمعه وفرغ نفسه من شواغل الدنيا وأقبل على الله بكليته وبذل الأسباب ولجأ إلى الله وصدق اللجأ إليه فإن الله -جل وعلا- يعينه على تحقيق الخشوع ما لم يكن ثَم مانع من الموانع التي تمنع من ذلك، من انشغال القلب بأمور الدنيا أو بمشاكل الحياة، فإن الصلاة أعظم ما يتجه إليه الإنسان من صلة بينه وبين ربه، فعليها أن تقبل على صلاتها وتفرِّغ نفسها لذلك، وأن تسأل الله -جل وعلا- أن يعينها على تحقيق هذا الخشوع ولا تيأس، علمًا بأن الخشوع يختلف أهل العلم في حكمه فالأكثر على أنّه سنة ولا يبطل الصلاة، ولاشك أنّه مطلوب وهو أول ما يُفقد من الصلاة، فأول ما يفقد من الصلاة الخشوع، لكن لو لم يحصل الخشوع فالصلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، لكن ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل، والصلوات الخمس كفارة لما بينهما ما لم تغش كبيرة، والمقصود بذلك الصلاة التي تؤدى على الوجه الشرعي المطلوب، وأما الصلاة التي لا يعقل منها صاحبها إلا الشيء اليسير، العشر أو ما قاربه، أو السُدُس، أو السُبُع، أو نسب متفاوتة قلَّت أو كثُرت لاشك أن هذه تُكفر من الذنوب بقدر ما حضر القلب فيها؛ لأنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل، وشيخ الإسلام يقول: المرء الذي لا يخرج من صلاته إلا بعشرها، يقول: هذه إن كفرت نفسها فبها ونعمت، فعلى الإنسان أن يحرص على إحضار قلبه ليخْرُج من صلاته ويرجع من صلاته بأوفر حظ من الأجر، ومع ذلك إذا لم يحصل له خشوع وحصل له سهو وغفلة فإنه لا ييأس من رحمة الله، ويحرص على تكميل ذلك بالنوافل؛ لأنه إذا حصل تقصير في الفريضة كما جاء في الحديث الصحيح: «انظروا هل لعبدي من تطوع» [أبوداود: 864] ثم يُكَمَّل الفرض بهذا التطوع.

فاستشعار سجوده وركوعه وقيامه بين يدي ربه وحصر الذهن فيما هو بصدده وقطع جميع العلائق التي تعوقه عن الإقبال على صلاته مطلوب، لكن إذا لم يحصل ذلك وحصل الخلل فيما يعقله من صلاته يكمل ذلك بالنوافل التي تسد الخلل الحاصل في هذه الصلاة الناقصة، ومع ذلك إذا أُديت الصلاة بأركانها وشروطها وواجباتها فهي صحيحة مجزئة مسقطة للطلب.