التثاقل عن أداء الصلاة

السؤال
إذا أحس الإنسان بشيء من التثاقل عن أداء الصلاة هل يكون بذلك منافقًا؟
الجواب

جاء في وصف المنافقين في كتاب الله -جل وعلا- من قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: ١٤٢]، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء» في (البخاري) [657] وغيره، ولا شك أن من هذه صفته من المسلمين ففيه شبه منهم، لكن يفارقهم بذكره لله -جل وعلا- وبعزمه على الصلاة ولو ثَقُلتْ عليه؛ لأن الفرق بين المسلم والمنافق أن المسلم وإن تثاقل أو ثقلت عليه لمُعارِض يراه فإنه في قرارة نفسه أنه سيصلي بحضرة أحد أو بخلوة، أما إذا كان لا يصلي إلا إذا رآه الناس فإنه ولو ادَّعى الإسلام فإنه من المنافقين {يُرَآؤُونَ النَّاسَ}، فالفرق بين المسلم الذي يحصل له شيء من هذا الثِّقَل وبين المنافقين أن المنافق لا يُصلي إلا إذا رآه الناس وكان بحضرتهم {يُرَآؤُونَ النَّاسَ}، أما المسلم فهو عازم على الصلاة وإن كان عنده شيء من التكاسل أو التثاقل لوجود معارِض أو ما أشبه ذلك، لكنه في قرارة نفسه أنه سوف يصلي سواء حضره أحد أو رآه أحد أو لم يره، ففي هذا يخالف المنافقين ولا يكون منافقًا بذلك. لكن مع الأسف أن حال كثير من المسلمين وجود شيء من التثاقل؛ لوجود التشبُّث بهذه الدنيا والملهيات والمشغلات، فحال كثير منهم إذا قام إلى الصلاة كأنه يطلب الراحة منها، خلافًا لما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول: «قم يا بلال، فأرحنا بالصلاة» [أبو داود: 4986]، وإذا حَزَبَه أمرٌ فزع إلى الصلاة [أبو داود: 1319]، فهي راحته وأنسه، وكثير من المسلمين مع الأسف يريد أن يتخلَّص منها، وقد يصرِّح بعضهم بذلك ويقول: (دعونا نصلي؛ لنرتاح ونتفرَّغ إلى كذا)! لا شك أن مثل هذه الألفاظ شنيعة وقبيحة على خلاف ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان المسلم في قرارة نفسه أنه يصلي وعازم على الصلاة رآه الناس أو لم يروه بهذا يختلف عن المنافقين، ولكن ليحرص أن تكون الصلاة قُرَّة عينه كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيُمرِّن نفسه ويدرِّب نفسه على ذلك، ويكون قلبه معلَّقًا بها سواء كانت فريضة في المساجد «قلبه معلَّق في المساجد» [البخاري: 660]، فيكون أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أو نافلة في بيته وفي خلوته وعند فراغه وفي جوف الليل الآخر، فلا شك أن هذا خير عظيم للمسلم إذا رُزِق التلذُّذ بهذه العبادة ورُزِق الأنس بالله -جل وعلا- والانكسار بين يديه ولذة مناجاته، فهذا أُنس، ولا شك أنه وصْف عباد الله الصالحين وخيار عباده، والله المستعان.

ومرحلة التلذُّذ بالعبادة تحتاج إلى جهاد، ولا شك أن الجنة حُفَّتْ بالمكاره، وكل العبادات في بداية الأمر فيها شيء مما تكرهه النفس؛ لأنها خلاف ما ترتاح إليه النفوس، لكن مع ذلك فمع الوقت ومع المِران يوجِد الله -جل وعلا- هذه الرغبة وهذا الأُنس في نفس العبد، وجاء عن بعض السلف أنهم كابدوا قيام الليل عشرين سنة ثم تلذَّذوا به عشرين سنة؛ لأن الله -جل وعلا- إذا علم من المسلم صدق النية أعانه، وإذا تجاوز مرحلة المجاهدة تلذَّذ، ونحن نرى من أهل العلم من يبذل كل وقته لله -جل وعلا-، من عبادة إلى عبادة، ومع ذلك لا يشعر بأي ملل ولا تعب ولا قلق؛ لأنه تجاوز مرحلة المجاهدة إلى مرحلة التلذُّذ، وهذا يأتي بهذه المجاهدة مع طول الوقت والممارسة وصدق النية والإخلاص لله -جل وعلا-، وإذا علم الله -جل وعلا- صدق النية أعان العبد على ذلك.

ولا شك أن للذنوب أثر في تثاقل العبد، وأنها تُقيِّد عن العبادة، وابن القيم -رحمه الله- له كلام كثير في هذا المعنى في مؤلفاته كـ(مدارج السالكين) و(الجواب الكافي) و(طريق الهجرتين) وغيرها من كتبه.