الحج بمال حرام

السؤال
حججتُ بمال حرام فهل حجّي مقبول أو أُعيده؟
الجواب

إذا حج المسلم بمال مُحَرَّم فحجه مسقط للطلب، باعتبار أن النهي يعود إلى أمر خارج عن ذات العبادة، فحجه صحيح إذا أداه كما شرعه الله وفَعَلَه نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه آثم لِمَا حج به من كسب حرام، وعليه –حينئذ- التوبة إلى الله -جل وعلا-، والعزم على التخلص من هذا المال الحرام، وأما القبول حيث يقول: (هل هو مقبول)؟

فإن كان المراد بالقبول: الصحة، فكما تقدم الحج صحيح، وإن كان المراد بالقبول: ترتب الثواب على العبادة، فلا، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧]، فجاءت النصوص في الكتاب والسنة بِنَفْيِ القبول، ويُقصد به أحيانا عدم الصحة، كما إذا عاد النهي الذي من أجله نُفِيَ القبول إلى ذات العبادة أو شرطها -يعني: سواء كان عائدًا إلى ذات العبادة بجملتها، أو بجزئها المؤثِّر: كالركن أو الشرط الذي له أثر في صحتها- فإنها حينئذٍ تبطل مع التحريم، كحديث: «لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ» [البخاري: 135]، «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» [أبو داود: 641]؛ لأن هذا يعود إلى الشرط. أما إذا عاد النهي إلى أمر خارج عن ذات العبادة وشرطها، فإن العبادة تصح مع التحريم، كما لو صلى وبيده خاتم ذهب، أو على رأسه عمامة حرير، فإن صلاته حينئذٍ صحيحة مع الإثم. وأيضًا يُراد بنفي القبول نفي الثواب المرتب على العبادة، كما في قــوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «لا يقبل الله صلاة عبد آبِقٍ» [يُنظر: مسلم: 70]، و«لا يقبل الله صلاة مَن في جوفه خمرٌ» [يُنظر: الترمذي: 1862 / والنسائي: 5668]، وما أشبه ذلك، فنفي القبول هنا رُتِّبَ عن أمور خارجة عن ذات العبادة وشرطها، ولا يُراد به حينئذٍ نفي الصحة المسقطة للطلب؛ لأننا لو قلنا: إن المراد نفي الصحة في آية {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} لأصبح مفهوم الآية: أن الله لا يتقبل من غير المتقين كالفساق! ولا يُراد بهذا نفي الصحة؛ لأن الإجماع بين أهل العلم قائم على صحة عبادات هؤلاء الفساق، فإنهم لا يُطالَبون بإعادتها مرة أخرى وإن حُرِمُوا الثواب المرتب عليها؛ لأنهم يتلبسون بمعاصٍ أثناء هذه العبادات. وهذا خلاف قول الظاهرية: إن كل نهي يقتضي الفساد.