معنى قول الله تعالى: {فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}

السؤال
يقول الله -عز وجل-: {فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، ما شرح هذه الآية؟ وما المقصود بـ{أَحْسَنَهُ}؟
الجواب

جاء في (تفسير الحافظ ابن كثير) في تفسير قوله -جل وعلا-: {فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17-18] (أي: يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تعالى لموسى حين آتاه التوراة: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145]).

وفي (تفسير الطبري): (يقول جل ثناؤه لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين، فيتبعون أرشده وأهداه وأدله على توحيد الله، والعمل بطاعته، ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد ولا يهدي إلى سداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)، ثم ذكر أقوال المفسرين في ذلك من الصحابة والتابعين.

وفي قوله -جل وعلا-: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (أَحْسَن) بناؤها أَفْعَل تفضيل، ومقتضى أفعل التفضيل أن يوجَد اثنان يشتركان في وصف، يكون أحدهما أرجح في هذا الوصف من الآخر، فعندنا أمران كلاهما حَسَن، يشتركان في وصف الحُسن، وأحدهما أرجح –أحسن-، والثاني حَسَن لكنه دونه في الحُسن، ومقتضى الصيغة أنه يَتَّبع الأحسن –الأرجح- ويترك الثاني الموصوف بالحُسن، وهو حَسَن فيتركه! لكن أفعل التفضيل هذا هو الأصل فيها، وقد ترد على غير بابها، فقد ترد أفعل التفضيل في اللغة وفي النصوص على غير بابها، فيكون المقابِل للأفعل لا يُشاركه في الوصف، كما في قوله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24]، فأهل الجنة أحسن مقيلًا وخير مستقرًا من أهل النار، لكن هل فيما أُعد لأهل النار خيرٌ أو حُسنٌ؟ ليس فيه، إذن أفعل التفضيل حينئذٍ ليست على بابها. وهنا يأخذون الأحسن ويأخذون الحَسَن، وعلى كل حال إذا ضاق الوقت على الحَسَن والأحسن يُقدَّم الأحسن، لكن إذا كان في الوقت سعة فإنه يؤخَذ بالأحسن والحَسَن أيضًا، وهذا مستعمَل حتى في العلوم، فحينما يقول المحدثون: (هذا الحديث أصح شيء في الباب) قد لا يكون صحيحًا أصلًا، لكنه أَمْثَل مما سواه، فيستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، وإذا قالوا: (فلان أوثق من فلان)، فهو أرجح منه، وقد يكون الاثنان كلاهما ضعيف، لكن المفضَّل أوثق منه، بمعنى أنه أقوى، وهكذا إذا قالوا: (أضعف)، وإذا قالوا...إلى غير ذلك من الأمور التي لو ذهبنا نستطرد بذكرها لطال الكلام، ولكن هذا يكفي.