معنى قول الله تعالى: {قال إنما أوتيتُه على علم بل هي فتنة}

السؤال
ما المراد بالعلم والفتنة في هذه الآية المباركة {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}؟
الجواب

في قوله -جل علا- في هذه الآية الكريمة: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا} [الزمر: 49] هذه عادة الإنسان، إذا مسَّه الضيق والشدة والكرب عرف ربَّه ولَجأ إليه، فإذا انكشف هذا الضر نسب ذلك إلى نفسه وقال: (هذا بسبب علمي، وأنا مستحقٌّ لهذا)، ونسي ما سبق من حاجته وافتقاره إلى الله. والإنسان غير المسلم يُخلص في الشدة ويُشرك في الرخاء، كما في هذه الآية، ولذا من قواعد الإمام المجدِّد في القاعدة الرابعة من (القواعد الأربع) قال: (إن مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائمًا في الرخاء والشدة). والعلم المشار إليه في الآية {عَلَى عِلْمٍ} أي: على علمٍ من الله أني له أهل، أو على معرفتي بأسباب هذه الأمور، وبعلمي وخبرتي حصل لي هذا الخير، ونسي الله -جل علا- الذي هو المعطي والمانع. وبعض الناس في دراسات الجدوى الاقتصادية قد يَقرب أو يحصل منه شيء من هذا، فإذا درس الجدوى ونجح المشروع الاقتصادي قال: (هذه خبرتنا ومعرفتنا)، وينسى أن كثيرًا ممَّن تصدى لهذه الأعمال التجارية، ودرس دراسات أوْعَب مما فعل، واستعان بالخبراء: أخفق في تجارته، فأين الخبرة؟! هذا ما يقوله ذلك الذي حكى الله عنه: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78].

وأما الفتنة في قوله: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} [الزمر: 49]: هذه النعمة التي حصل عليها وزعم أنه استحقَّها بخبرته ومعرفته ودرايته هي في حقيقتها إن لم يستعملها فيما يرضي الله -جل علا- فتنة واستدراج له، وإذا كان الله يُنعم على الإنسان ويُغدق عليه من النعم وهو يتمادى في غيِّه وضلاله فلا شك أن هذه فتنة، فمثل هذا الذي أنعم الله عليه وكشف عنه الضر يجب عليه أن يشكر الله على هذه النعمة، وينسبها إلى مُسديها ومُوليها، وهو الله -جل علا-، ولا ينسبها إلى نفسه، والله المستعان.