تقوية الحديث الضعيف بالآية القرآنية

السؤال
هل الحديث الضعيف يقوى بالآية القرآنية؟
الجواب

الحديث الضعيف هو الذي لا تجتمع فيه شروط القبول، بل تتخلَّف جميعها أو بعضها، ولو تخلَّف شرطٌ واحد ضَعُف الخبر. والأحاديث الضعيفة مراتب:

منها: ما ضعْفه خفيف ينجبر، ويرتقي بالشواهد والمتابعات ويصلح للاحتجاج.

ومنها: ما ضعفه شديد، ومثل هذا لا ينتفع بكثرة الطرق والشواهد، هذا المقرر في الجملة عند أهل العلم.

ونقل الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح عن أبي الحسن بن القطان صاحب (بيان الوهم والإيهام) وهو أحد الأئمة النقاد بأن الضعيف لا يُحتج به كله -ومقصوده في الأحكام والعقائد ونحوها، بخلاف الفضائل فإنه يُعمل بها عند ابن القطان-، ويُتوقف عن العمل به في الأحكام، يقول: (إلا إذا كثرتْ طرقه، وعضده اتصال عملٍ أو موافقة شاهدٍ صحيح -يعني من السُّنَّة-، أو ظاهر القرآن -يعني موافقة ظاهر القرآن-)، هذا ما نقله الحافظ ابن حجر عن أبي الحسن بن القطان.

وبهذا يُجاب على السؤال من خلال كلام ابن القطان أن الخبر الضعيف يقوى ويتقوَّى بظاهر القرآن، مع أن جمهور أهل العلم لا يرون ذلك، فيبقى الخبر ضعيفًا، والاحتجاج بما عداه مما قوَّاه في نظر ابن القطان، يعني لو وجدنا خبرًا ضعيفًا شديد الضعف، ووجدنا له شاهدًا في (البخاري)، قلنا: المعوَّل على ما في (البخاري)، والثاني وجوده مثل عدمه، وهنا قد يُقال: إن المعوَّل على ما دل عليه القرآن، والشاهد إذا لم يكن ضعفه منجبرًا فإن وجوده كعدمه، هذا ما يقول به أكثر أهل العلم.

والسيوطي له طريقة في جبر الأحاديث الضعيفة وإن اشتد ضعفها بكثرة الطرق، ولذا يقول عن شديد الضعف:

 

......................................
 

 

بَلْ رُبَّمَا يَصِيرُ كَالَّذِي بُدِي
 

 

يعني من خفيف الضعف وأنه يقبل الانجبار، "بل ربما يصير": الضعيف شديد الضعف، "كالذي بُدي": يعني به من الضعف المنجبر، ولذا تجدون في تصحيحاته وتحسيناته ما هو من هذا النوع، يعني ما في مفرداته ما هو شديد الضعف.

وعلى كل حال النظر في الجابر إذا كان الضعف شديدًا والمعوَّل عليه، والضعف الشديد وجوده مثل عدمه، نعم قد يضبط الضعيف وإن كان ضعيفًا شديد الضعف كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الشيطان: «صدقك وهو كذوب» [البخاري: 2311]، فشديد الضعف قد يضبط، لكنه خلاف الأصل، وروايته مردودة مع وجود هذا الاحتمال، كما أن رواية الثقة الأصل فيها القبول وإن طرأ احتمال الغلط عليه؛ لأنه ليس بمعصوم، فالمسألة مسألة غلبة ظن وتطبيق قواعد، وعلى كل حال هذا القول الذي قاله ابن القطان نقله السيوطي في (التدريب) عن أبي الحسن بن الحصار، قال: (قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذابٌ بموافقة آيةٍ من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة، فيحمله ذلك على قبوله والعمل به).

واعتذر عبد الحق في (الأحكام الوسطى) عن إيراده بعض الأحاديث الضعيفة بقوله: (أو يكون حديثٌ تعضده آيةٌ ظاهرة البيان من كتاب الله تعالى، فإنه وإن كان معتلًّا أكتبه؛ لأن معه ما يقويه ويُذهِب علته).

 وكذلك ابن رجب في شرح حديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به» [السنة لابن أبي عاصم: 15]، قال: (تصحيح الحديث بعيدٌ جدًّا -يعني من حيث الإسناد-...وأما معنى الحديث فهو أن الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعةً لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأوامر والنواهي وغيرها، فيُحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه، وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} -يعني كراهية- {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65])، فلا بُد أن يكون الهوى تبعًا لما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما دلَّت عليه هذه الآية، والحكم مأخوذٌ من هذه الآية، وأما الحديث فهو ضعيف، فمَن يقول: إن الضعيف يترقَّى بمثل هذا، يَقبل مثل هذا الحديث، ومَن يقول: وجوده مثل عدمه -لا سيما إذا كان الضعف شديدًا- يبقى الاحتجاج بالآية، والحديث لا يُلتفت إليه، وهذا عمل كثير من الأئمة، يطرحون الأحاديث، وجمهورهم يتساهل به في الفضائل لا سيما إذا كان ضعفه غير شديد ولو لم يُوجد له شاهد، فيتساهلون في فضائل الأعمال، وفي المغازي، وفي السير، وفي غيرها من الأبواب، حتى في التفسير عند الإمام أحمد وغيره، وأما الأحكام والعقائد فلا بُدَّ لها مما يثبت إسناده ويصح أو يحسن على الأقل.

والإمام الشافعي عنده المرسل ضعيف، لكنه يتقوَّى بأن يشهد له حديثٌ صحيح، أو مرسلٌ يأتي من غير طريقه، أو ظاهر القرآن، يعني بمثل ما قالوا، فكون الخبر يأتي بمعناه شيءٌ صحيح تركن إليه النفس وتطمئن إليه وتجزم به يدل على أن له أصلًا في الجملة، بخلاف ما لو عَري عن ذلك كله مع ضعف إسناده أو شدة ضعفه، هذا أمرٌ آخر، والله أعلم.