الفرق عند أهل الحديث بين مجلس التحديث، ومجلس الإملاء

السؤال
ما الفرق عند أهل الحديث بين ما يُسمونه مجلس التحديث، ومجلس الإملاء؟
الجواب

الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، وهو أعلى طرق التحمل، ثم بعد ذلك القراءة على الشيخ التي اصطلحوا على تسميتها بالعرض، وهذان الطريقان مجمعٌ على صحة ما تُلقِّي بهما.

السماع من لفظ الشيخ هو الأصل، وقد كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يُلقي الحديث والصحابة يستمعون، وينقلون عنه، ويقول الواحد منهم: (سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم–)، أو يقول: (حدَّثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق)، أو يقول: (قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-)، هذا الأصل في الرواية.

والعرض -الذي هو القراءة على الشيخ- يلي طريق السماع، ويدل له حديث ضمام بن ثعلبة –رضي الله عنه- الذي جاء إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- يَعرض ما سمعه عليه، والرواية بطريق العرض حصل عليها الإجماع من قِبل أهل العلم، وإن وُجِد خلاف شاذ انقرض وانتهى.

نأتي إلى الرواية بعد انتشار العلم وكثرة الناس وكثرة الراغبين في حضور مجالس التحديث، فبعد ذلك يصعب على المُحدِّث أن يُسمِع جميع مَن طَلب الرواية أو يجعله يعرض عليه ما عنده، فأجازوا طرقًا من باب الحاجة: كالإجازة، والمناولة، والمكاتبة، والوجادة، والإعلام، والوصية، طُرق التحمل الثمانية معروفة عند أهل العلم، وفي بعضها خلافٌ قوي، لكن ما ذكرناه من السماع من لفظ الشيخ والعرض على الشيخ هذان الأمران مجمعٌ عليهما.

نعود إلى السماع من لفظ الشيخ، والأصل فيه -كما قلتُ- أن الشيخ يُحدِّث ومَن جاء يرغب في الحديث عنده يسمع منه ويتلقَّى بهذا الطريق، والشيخ أحيانًا يُلقي على طلابه من حفظه، وأحيانًا يُملي عليهم إملاءً من كتابه، ولا شك أن الحفظ قد يعتريه ما يعتريه من نسيان أو ذهول، وهذا يختلف باختلاف الشيوخ من حيث الضبط والإتقان، ولكن القراءة من الكتاب والإملاء على الطلاب من الكتاب قد يُؤْمَن منه هذا الأمر وهذا الخلل الذي قد يتطرَّق إليه، ولكن المسألة مفترضة في الأئمة الحُفاظ المتقنين.

قال بعضهم: إن أعلى وجوه السماع الإملاء؛ لما يترتب عليه من تحرُّز الشيخ والطالب؛ لأن الشيخ يُملي والطالب يكتب، والشيخ يُملي والكلام أمامه بين عينيه، والطالب يكتب ويُلقي بسمعه ووعيه لما يسمع من الشيخ ويدونه، قالوا: إنها أعلى هذا النوع الذي هو السماع، فأعلى طرق التحمل مطلقًا على هذا يكون الإملاء؛ لما يلزم عليه من تحرُّز الشيخ والطالب، ولما يمتاز به ضبط الكتاب على ضبط الصدر؛ لأن ضبط الصدر قد يعتريه شيء من النسيان، والذهول، والغفلة، والطالب إذا كان الشيخ يُلقي إلقاءً فقد لا يكون من التيقُّظ مثل ما لو كان الشيخ يُملي عليه إملاءً، مع أنه قد يُقال من جهةٍ أخرى: إن الشيخ إذا كان يُملي والطالب يكتب فقد ينشغل بكتابته ويكون الشيخ أسرع منه، فيفوته بعض الكلمات.

 على كل حال كل شيء له مميزاته وله خصائصه، وهذا يختلف أيضًا باختلاف الشيوخ واختلاف الطلاب، وعلى كل حال كلاهما طريقٌ مُعتبر من طرق السماع من لفظ الشيخ، على أنه وإن كان الجمهور يفضلون الرواية بطريق السماع من لفظ الشيخ على العرض، إلا أن بعضهم قال: إن العرض أفضل من السماع من لفظ الشيخ، قالوا: لأن الشيخ لو أخطأ لم يتهيَّأ للطالب أن يرد عليه، بخلاف ما لو أخطأ الطالب فإن الشيخ لن يتردَّد في الرد عليه.

وعلى كل حال هذه أمور وتفريعات مذكورة في كتب المصطلح فلا نُطيل بذكرها، وأما بقية طُرق التحمل من الإجازة وما بعدها فلها مجالاتٌ أخرى غير هذا البرنامج، والله أعلم.