المقصود في قول الله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها}

السؤال
أسمع الوعَّاظ بعد خروج شهر رمضان يكثرون من ذكر قول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا}، فمن المقصودة في هذه الآية؟
الجواب

في (تفسير الطبري) يقول: (يقول الله -تعالى ذكره- ناهيًا عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وآمرًا بوفاء العهود، وممثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه، وناكثته من بعد إحكامه: {وَلا تَكُونُوا} أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بذلك العهود والمواثيق {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ}، يعني من بعد إبرام. وكان بعض أهل العربية يقول: القوة ما غُزِل على طاقة واحدة ولم يُثن، وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة).

 وفي (تفسير البغوي) يقول: (ثم ضرب الله مثلاً لنقض العهد، فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} [النحل: 92]، أي من بعد غزله وإحكامه، قال مقاتل والكلبي: هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش، يقال لها: ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم...وكانت بها وسوسة، وكانت اتخذت مغزلاً...وكانت تغزل الغزل من الصوف والشعر والوبر، وتأمر جواريها بذلك، فكنَّ يغزلنَ من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار أمرتهنَّ بنقض جميع ما غزلنَ، فكان هذا دأبها، ومعناها أنها لم تكفَّ عن العمل، ولا حين عملتْ كفَّتْ عن النقض، فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد، لا كففتم عن العهد ولا حين عاهدتم وفَّيْتُم به).

نعود إلى موضع السؤال: وهو إكثار الوعاظ بعد خروج رمضان من ذكر قول الله -جل وعلا-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92] يعني: أنتم عملتم الأعمال الصالحة في رمضان، وتعبتم عليها، وصمتم وحرمتم أنفسكم الطعام والشراب، وقمتم بالليل وسهرتم عليه وتعبتم في ذلك، ثم بعد ذلك تنقضون هذا العمل بفعل المعاصي والجرائم والمنكرات بعد خروج رمضان! هذا أشدُّ من عمل المرأة التي تنقض غزلها؛ لأن نقض الغزل صحيح أنه ضياع للوقت، وفيه أيضًا حُمق وخلل في العقل والتصور، لكن نقض العمل الصالح الذي يُنجي من عذاب الله ويقرِّب إليه وإلى جناته هذا أشد بلا شك؛ لأن الخسارة فيه أعظم، والله أعلم.