حفظ كتاب (تهذيب بلوغ المرام) بالنسبة لمن حفظ (عمدة الأحكام)

السؤال
ما رأي فضيلتكم في حفظ كتاب (تهذيب بلوغ المرام) بالنسبة لمن حفظ (عمدة الأحكام)، مع العلم أن جامعه وهو الشيخ: خالد الباتلي، أضاف زوائد (عمدة الأحكام) إلى (البلوغ)، وهذَّب تخريجات (البلوغ)، وغيَّر ترتيب بعض الأحاديث، واستدرك بعض الأوهام في النقل والعزو على الحافظ ابن حجر، وقال: (وحاصل الأمر أن مَن يحفظ هذا التهذيب فقد حفظ أحاديث (العمدة) و(البلوغ)، مع تقريب تخريج الأحاديث وتيسير ضبطها، فحفْظ هذا التهذيب أيسر من حفظ (البلوغ)، مع ما تضمنه من زوائد أحاديث (العمدة)، وغير ذلك مما سبق)؟
الجواب

الأصل في ترتيب الكتب حسب طبقات المتعلمين: من المبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المتقدمين، أن يُبدأ على طريقة أهل العلم وما رتَّبوه وما نظَّموه لهذه الطبقات من المتعلمين، فيبدأ طالب الحديث بـ(الأربعين النووية)؛ لكونها أحاديث جوامع وقواعد من قواعد الدين، فيبدأ بها فيحفظها، ثم يحفظ (العمدة)؛ لأنها من الأحاديث المتفق على صحتها، وإن حصل خلل يسير في هذا الشرط من المؤلف، ولكن الأصل أنه من أصح ما أُلِّف للطلاب؛ لأن الأصل أن شرط المؤلف أنها من أحاديث الصحيحين، ثم بعد حفظ (العمدة) يحفظ (البلوغ) أو (المُحرر)، وإذا حفظ (البلوغ) أخذ زوائد (المُحرر) من الأحكام والكلام على علل الأحاديث والرواة، وإن حفظ (المُحرر) أخذ زوائد (البلوغ) من الأحاديث الزائدة على (المُحرر).

هذه هي الطريقة عند أهل العلم، وكوني أحفظ متنًا لا تكرار فيه هذا ليس من مناهج أهل العلم، فالتكرار مقصود عندهم، والاختصار خلاف الأصل؛ ولذا تجد العلوم تتكرَّر من مرحلة إلى مرحلة، ما قالوا: إن من حفظ (المُقنِع) لا ينظر في (العمدة)؛ لأنه محتوٍ لها وزيادة، فلهم نظرة في تكرار هذه المعلومات وهذه المسائل في ذهن الطالب بما فيها من أوهام على قِلَّتها؛ لأن طالب العلم إذا حفظ بما في ذلك من وهمٍ يسير ونُبِّه عليه وانتبه له ضبطه وأتقنه فلم ينسَه، والأوهام لا بُد منها في مصنفات البشر، فالحافظ ابن حجر انتقد صاحب (العمدة) في زيادة «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين...» [البخاري: 510] فكلمة «من الإثم» هذه انتقدها ابن حجر على صاحب (العمدة)، وقال: (إنه ما رواها إلا الكشميهني وليس من الحُفَّاظ)، ووقع فيها في (البلوغ)، فكلٌّ مُستدرِك ومُستدرَك عليه، لكن هذه ليست هي الأصل، بل الأصل الضبط والإتقان، وكون مثل هذا الوهم يُوجد في محفوظ الطالب مع تصحيحه أفضل؛ لئلا ينساه؛ لأنه لو لم تَمر عليه، ثم وردت عليه فيما بعد فكيف يحفظها ويفهمها؟

ولذلكم رُتِّبت الكتب بما فيها من تداخل على حسب طبقات المتعلمين، وإلا لقلنا: طالب الفقه لماذا يقرأ (العمدة)؟ لماذا يقرأ (المُقنع)؟ لماذا يقرأ في (الكافي) -مثلًا-؟ يكفيه (المُغني)؛ لأنها كلها في جوفه! هذه ليست بطريقة، التدرُّج عند أهل العلم مطلوب، وطالب العلم مثل الذي يصعد سلمًا لا يستطيع أن يصل إلى النهاية قبل أن يبدأ في البداية، والبداية موجودة في جوف النهاية، وفي جوف ما فوقها من الكتب ولو دون النهاية، فهي معروفة.

وتكرار المعلومات أمرٌ مقصود عند أهل العلم، فتجد المسألة تَرِد في التفسير، وتَرِد بنفسها في الحديث، وتَرِد بنفسها في الفقه، وغير ذلك من العلوم، ما قالوا: ننخل هذه الكتب والمؤلفات ونستخرج التكرار؛ لأن الطالب يُفيده التكرار كثيرًا، وتقليب المعلومات والنظر في المسائل من أكثر من وجه ومن أكثر من زاوية يُفتِّق ذهن الطالب ويفتحه لما أمامه، وهذا ليس من العبث أن يؤلِّف العلماء هذه الكتب المتداخلة ويفرضونها ويقرِّرونها على طلاب العلم.

فعلينا أن نسلك ما سلكه أهل العلم، ونأخذ العلم عن أهله، ونطالع الشروح، وإذا كان هناك أشياء عليها ما يُلاحظ فكلٌّ يؤخذ من قوله ويُرد إلا محمد -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.