نقل الحديث عن طريق المخطوطات، ومدى عدالة وضبط مَن نقلوها

السؤال
كتب السُّنَّة نُقِلتْ لنا سماعًا، وكتابةً وذلك عن طريق المخطوطات، وسؤالي هو: أين عدالة وضبط مَن نقلوا إلينا هذه الكتب؟ ومَن يَضمن لنا عدم تحريف المخطوطات؟
الجواب

الرواة إلى أصحاب الكتب تمَّ نَقْدُهم، وعُرف الثقات منهم من الضعفاء، وقُبلتْ روايات الثقات ورُدَّتْ روايات الضعفاء، وتُرك منها ما يصلح للاعتبار والاختبار ويترقَّى بطرقٍ أخرى، ومنها ما لا يصلح لذلك، ومُيِّز بينها تمييزًا دقيقًا، فالعلماء لم يقصِّروا في ذلك، ولما سُئل بعضهم عن الموضوعات قال: (تعيش لها الجهابذة)، فلا إشكال عندنا من الأئمة أصحاب الكتب وما بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلُّ ما يُحتاج إليه من الدين تمَّ حفظه وضبطه ونَقْده، وإثباته أو نفيه، هذا ما عندنا فيه إشكال.

أما مَن دون هؤلاء الأئمة فقد رُويت الكتب بالطرق المتعدِّدة، فالبخاري على سبيل المثال روى عنه صحيحه أكثر من تسعين ألفًا، وثبتت الروايات المعتمدة للصحيح، وتُتداول في الشروح بالحرف، وما تُرِك الأمر عبثًا.

يبقى كتب أخرى ليست بمنزلة الكتب الستة في الضبط والإتقان، وتوجد لها مخطوطات، فالمخطوط الواحد في الغالب إذا كان مضبوطًا متقنًا مُقابَلًا؛ لأنه لا بد من مقابلة الكتاب إذا نُسِخ، والمقابلة تعني: أن يُعرَض على الأصل فيُقرَأ، ويُقابل بهذا، ويُنظر في الفروق بينهما، وتُذكر الفروق، وكتابة الحديث وضبطه ونقله وأيضًا مقابلته والاهتمام بهذا مَحلُّ عناية عند أهل العلم، ولها حيِّز كبير من كتب مصطلح الحديث، ولذا يقولون: (الكتاب إذا نُسخ ولم يُقابَل، ثم نُسِخ ولم يُقابَل، خرج أعجميًّا)، لكن إذا قوبل، وذُكر الفرق بالحرف، وكانت عادتهم أنهم يضعون دوائرَ بين كل حديثين، وإذا قُوبل الحديث وضعوا نقطةً في واحدة من هذه الدوائر، ثم بعد ذلك إذا قُوبل ثانيةً وضعوا نقطة ثانية، وهكذا.

وقد يوجد نُسَخٌ غُفْلٌ ما عليها مقابلة هَمُّ أصحابها التجارة؛ لترويج الكتب وترويج خطوطهم، ويتكسَّبون من ورائها، هذه عند النشر أو عند الطبع تُقابَل كنسخةٍ من النسخ قد يستفاد منها، وإلَّا فالمعوَّل على النسخ المقابلَة، وإذا وُجد أكثر من نسخة وقوبلتْ ظهرتْ الفروق، والحمد لله الدين محفوظ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، والله أعلم.