فرقة المعتزلة، ووجودهم في العصر الحاضر

السؤال
ما فرقة المعتزلة، وهل لهم وجود الآن؟
الجواب

فرقة المعتزلة فرقة قديمة جدًّا، والقول بخلق القرآن من عقائد المعتزلة الذين تميَّزوا بها، وهناك تقارب في كثير من أقوالهم مع أقوال الجهمية، ويختلفون في بعض الأمور؛ لأن المعتزلة لهم أصول يسمونها: الأصول الخمسة، وقد ذكرها القاضي عبد الجبار -وهو منهم- في كتابه (الأصول الخمسة)، وشيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى) يقول: (وأصول المعتزلة خمسة، يسمونها هم: التوحيد -هذا الأول-، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

يقول شيخ الإسلام: (توحيدهم -الذي ذُكر في أول الأمر- هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات)، لماذا سموا نفي الصفات توحيدًا؟ لأنهم يقولون: إن إثبات الصفات إثبات لغير الله -جل وعلا- معه، فهو مناقض للتوحيد، هذا كلامهم، وهذا كلام باطل؛ لأن صفات الله -جل وعلا- تابعه لذاته -جل وعلا-، فهو واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله،...إلى آخره. المقصود أن هذا التوحيد الذي يُضلِّلون به الناس، ويقولون: إن مَن يُثبت الصفات يُثبت غير الله -جل وعلا-؛ لأن هذه الصفة تدل على معنى، وهذه الصفة تدل على معنى آخر، وهكذا، فهذا من ضلالهم وتضليلهم للناس. فلا شك أن ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- من الأسماء والصفات، لا بد من إثباته على ما يليق بجلاله وعظمته.

وبعد التوحيد عندهم العدل: يقول ابن تيمية: (وأما عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يَشأ جميع الكائنات، ولا خلقها كلها، ولا هو قادر عليها كلها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله، لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلِّا ما أَمَر به شرعًا، وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئته).

ثم بعد ذلك عندهم المنزلة بين المنزلتين: وهذه عقيدتهم في أهل الكبائر، ينفون عنهم الإيمان، ولا يحكمون عليهم بالكفر، فهم في منزلة بين منزلتين، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فإنهم يحكمون بتخليدهم في النار، -نسأل الله العافية-.

وبعد ذلك إنفاذ الوعيد: وهو أن الله -جل وعلا- لا يغفر لأهل الكبائر الذين توعَّدهم بالعذاب، لا بد من إنفاذه عندهم، ولا شك أن هذه الكبائر من ضمن المعاصي التي دون الشرك والداخلة في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذا من وجهة نظرهم التي تختلف عن وجهة نظر أهل السنة وعقيدة أهل السنة، فهم يرون أن الأمر بالمعروف ما هم عليه، والنهي عن المنكر يعني: فيما يخالف عقائدهم، فيزعمون أن ما يخالف عقائدهم من المنكر الذي يجب النهي عنه، والله أعلم.

ولا شك أنهم وُجدوا ويوجدون، ولكلِّ قومٍ وارث -كما يقول أهل العلم-، وكتبهم موجودة ومتداولة، وتفاسيرهم للقرآن، بل بعض شروحهم للسنة، موجودة ومنتشرة ومتداولة. فعلى طالب العلم ألَّا يُقحم نفسه في هذه الأمور التي قد لا يتخلَّص منها، كـ(الكشاف) للزمخشري، و(الفائق في غريب الحديث) له، فقد يكون فيها أشياء تعلق بذهن طالب العلم ثم لا يستطيع التخلُّص منها، وفي كتب أهل السنة غُنية عن ذلك، أما طالب العلم المتمكِّن الذي يميِّز بين الحق والباطل، فلا مانع من أن يقرأ فيها للردِّ عليها، والله أعلم.