تفسير: {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يُحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قربى}

السؤال
ما تفسير قول الله -جل علا-: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18]؟
الجواب

هذه الآية جاءت في سياق قوله -جل علا-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، فكل إنسان محاسبٌ على فعله هو، وما كان سببًا فيه، ومأجورٌ على فعله هو، وما كان متسببًا فيه، وما كان من كسبه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18]، يعني: أثقلتْ وتحمَّلتْ من الذنوب الشيء الكثير، لو بحثتْ عمَّن يَحمل عنها من ولدها أو والدها أو أخيها أو زوجها فكلٌّ مشغولٌ بنفسه، وكلٌّ يقول: (نفسي نفسي)، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} حتى أقرب الناس إليه: أُمّه المعروفة بالشفقة الزائدة الشديدة فإنها لا تستطيع أن تحمل عنه شيئًا؛ لأنها مشغولة بنفسها، {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} يعني: ولو كان من أقرب الناس إليه.

يقول الطبري في تفسيره: (يقول تعالى: وإن تسأل ذات ثقلٍ من الذنوب من يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئًا منها، ولو كان الذي سألتْه ذا قرابةٍ من أبٍ أو أخٍ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).

ويقول الإمام البغوي في تفسيره: ({وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نفس مثقلة بذنوبها غيرَها، {إِلَى حِمْلِهَا} أي: حمل ما عليه من الذنوب، {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي: ولو كان المدعو ذا قرابةٍ له: ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه. قال ابن عباس: يَلقى الأب والأم ابنه فيقول: يا بُنيَّ احمِل عني بعض ذنوبي، فيقول: لا أستطيع حسبي ما عليَّ)، والله أعلم.