معنى حديث: «ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا...»

السؤال
ما صحة هذا الحديث وما معناه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»، ثم قال: «ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه، فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطِه منها سخط»؟
الجواب

هذا الحديث في (البخاري) وهو صحيح، ففي (البخاري) عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أُعطيت بها كذا وكذا، فصدَّقه رجل»، ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] [2358]، فالحديث لا إشكال في صحته؛ لأنه في (البخاري).

وأما معناه: فالذي يبايع إمامًا لا يبايعه امتثالًا لأمر الله -جل علا-، إنما يبايعه لأمر الدنيا، إن أعطاه منها أتم له بيعته، وإن لم يعطه منها نقض بيعته، لا يبايعه إلا لذلك، فإن هذا على خطر عظيم، وفيه الوعيد الشديد: ؤ، وما أعظم هذا العذاب -نسأل الله السلامة والعافية-. قال النووي في (شرح مسلم): (وأما مبايع الإمام على الوجه المذكور فمستحق هذا الوعيد؛ لغشِّه المسلمين وإمامهم، وتسببه إلى الفتن بينهم بنكثه بيعته، لا سيما إن كان ممن يُقتدى به، والله أعلم)، والوعيد شامل بلا شك لكل واحد اتصف بهذا الوصف. وفي (فتح الباري): (وفي الحديث وعيد شديد في نكث البيعة والخروج على الإمام؛ لما في ذلك من تفرق الكلمة، ولما في الوفاء من تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، والأصل في مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل بالحق، ويقيم الحدود، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فمن جعل مبايعته لمال يعطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل فقد خسر خسرانًا مبينًا، ودخل في الوعيد المذكور، وحاق به إن لم يتجاوز الله عنه، وفيه أن كل عمل لا يُقصد به وجه الله، وأريد به عرض الدنيا فهو فاسد وصاحبه آثم، والله الموفق)، كذا في (فتح الباري). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى): (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق، وقد روى البخاري ومسلم...)، فذكر الحديث، والله أعلم.