حديث اختصام الصحابة -رضي الله عنهم- في فضل الهجرتين الأولى والثانية

السؤال
أود أن أسمع منكم الحديث الذي فيه اختصام الصحابة -رضي الله عنهم- في فضل الهجرتين الأولى والثانية، ثم حكم النبي –صلى الله عليه وسلم- بينهم؟
الجواب

روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي بُردة، عن أبي موسى –رضي الله تعالى عنه- قال: بلغنا مخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رُهم، إما قال: بضعٌ، وإما قال: في ثلاثةٍ وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي -يعني: شكَّ في عددهم- فركبنا سفينةً، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدِمنا جميعًا، فوافقنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حين افتتح خيبر، وكان أناسٌ من الناس يقولون لنا -يعني: لأهل السفينة-: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدِم معنا –يعني: من الحبشة- على حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه؟ –يعني: جاءت من الحبشة، وجاءت من طريق البحر- قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منكم، فغضبتْ وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله –يعني: من أجله وفي سبيله- وفي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وايم الله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا، حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن كنا نُؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأسأله، والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه –يعني: لا أزيد ولا أنقص-. فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال: «فما قلتِ له؟» قالت: قلتُ له: كذا وكذا، قال: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم -أهل السفينة- هجرتان». قالت: فلقد رأيتُ أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالًا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌّ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيتُ أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. [4230 - 4231].

هذا الحديث الذي جاء في فضل الهجرة إلى الحبشة، واختصم فيه عمر من جهة، وأسماء بنت عُميس ومن معها من جهة -رضي الله عنهم جميعًا-، وحَكم النبي –عليه الصلاة والسلام- بأن مَن معه من الصحابة -رضي الله عنهم- لهم هجرةٌ واحدة، ولمن هاجر إلى الحبشة وجاء مع هذه الحملة في السفينة البحرية هجرتان، والحديث في الصحيح، والله أعلم.