الاستفادة من القراءات الشاذة في الأحكام

السؤال
ما القول الراجح عند العلماء حول الاستفادة من القراءات الشاذة في الأحكام؟ وهل القراءات الشاذة التي لا تُوافق الرسم العثماني، أو لا توافق وجوه اللغة العربية تُعتبر كأحاديث الآحاد، فتأخذ نفس الحكم عند مَن يأخذ بها في الأحكام، وعند مَن لا يأخذ بها؟
الجواب

القراءات السبع المتواترة هذه محل إجماعٍ واتفاق بين المسلمين على قبولها ولزوم العمل بها والقراءة بها، ويشترطون لها شروطًا، ففي كتاب (النشر في القراءات العشر) لابن الجزري: (كل قراءةٍ وافقت العربية ولو بوجهٍ، ووافقتْ أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردُّها، ولا يَحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختلَّ ركنٌ من هذه الأركان الثلاثة أُطلِق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة).

والقراءة الشاذة التي لا تشتمل على هذه الأركان أو على بعضها يختلف فيها أهل العلم:

- فمنهم مَن يردُّها جملةً، فإنها إذا لم تصح قرآنًا -وهي منقولة على أنها قرآن- لا تصح غيرَ قرآن.

- ومنهم مَن يرى أنها إذا صحَّتْ عن الصحابي، ولم تنطبق عليها أركان القراءة المعتبرة، فإنه يكون حكمها حكم الخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، فيلزم العمل بها، ولا تثبت قراءةً.

وابن العربي يقول: (والقراءة الشاذة لا ينبني عليها حكم؛ لأنه لم يثبت لها أصل).

وفي كتاب (روضة الناظر) لابن قدامة يقول: (فصلٌ: في حُكم الاحتجاج بالقراءة الشاذة: فأما ما نُقِل نقلًا غير متواتر كقراءة ابن مسعود –رضي الله عنه-: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" فقد قال قومٌ: ليس بحجة؛ لأنه خطأٌ قطعًا -لأنه نُقِل عن ابن مسعود، وإن كان بسندٍ صحيح على أنه قرآن، فلم يثبت قرآنًا، فينتفي الحكم مع انتفاء الحكم بعدم قرآنيته-؛ لأنه واجب على الرسول –عليه الصلاة والسلام- تبليغ القرآن طائفةً من الأمة تقوم الحجة بقولهم، وليس له مناجاة الواحد به، وإن لم ينقله على أنه من القرآن احتمل أن يكون مذهبًا –يعني: يكون رأيًا لابن مسعود-، واحتمل أن يكون خبرًا -إذا أضافه إلى النبي عليه الصلاة والسلام-، ومع التردُّد لا يُعمَل به.

والصحيح: أنه حُجة؛ لأنه يُخبر أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يكن قرآنًا فهو خبر، فإنه ربما سمع الشيء من النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسيرًا فظنَّه قرآنًا، وربما أبدل لفظةً بمثلها؛ ظنًّا منه أن ذلك جائز، كما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يُجوِّز مثل ذلك، وهذا يجوز في الحديث دون القرآن).

نعم القرآن لا تجوز روايته بالمعنى بحال، وهذا محل اتفاقٍ بين أهل العلم، وأما الحديث فتجوز روايته بالمعنى عند جمهور أهل العلم، شريطة أن يكون الراوي بالمعنى يعرف معاني الألفاظ، ويعرف ما يُحيل المعاني بحيث يتقيه، فيعرف هذا وهذا: يعرف المعاني فيضبط هذه المعاني ويُتقنها، ولا يأتي بلفظٍ بديلٍ عن اللفظ الأصلي إلا وهو يقوم مقامه، ويعرف أيضًا ما يُحيل المعاني؛ ليتقيه.

وعلى كل حال مسألة الرواية بالمعنى بالنسبة للسُّنَّة معروفة، ويقول بها جمهور أهل العلم، ونفى ذلك وأنكره ابن سيرين ونزرٌ يسيرٌ من أهل العلم، ولكن مَن نظر في كُتب السُّنَّة بما فيها الصحيحان وجد أن الحديث الواحد من مَخرجٍ واحد يُروى على أوجه وبألفاظ متعدِّدة، مما يدل على أن هذا ضَبَط هذا اللفظ، وذاك لم يَضبط اللفظ وعبَّر عنه بما يُرادفه، وهذه مسألةٌ مقرَّرةٌ عند أهل العلم، والله أعلم.