أهمية حفظ المتون لطالب العلم، وتصرُّف مَن عجز عن الحفظ

السؤال
هل حفظ المتون مهمٌّ لطالب العلم، ومن أعياه ذلك هل يكتفي بالنظر ودراسة كتب العلم؟
الجواب

لا علم إلا بالحفظ؛ لأن العلم دين، وديننا دين نصوص.

العلمُ قالَ اللهُ قالَ رسولُهُ
 

 

..........................
 

ومثل هذا لا يمكن الحصول عليه إلا بالحفظ، وقبل سبعين أو ثمانين سنة لما جاءت النظريات التربوية من الغرب والشرق إلى بلاد المسلمين أشاعوا بين الناس أن الحفظ يُبلِّد الذهن، وأن العبرة بالفهم، وهذا كله صدٌّ عن تعلُّم العلم الشرعي، نعم علومهم التطبيقية ما تحتاج إلى حفظ، وإنما تحتاج إلى معاناةِ عملٍ يدويٍّ أو ذهنيٍّ، أما علمنا فلا بد فيه من الحفظ، لكن قد يقول قائل: (أنا جربتُ الحفظ وعجزتُ)، والناس يتفاوتون، فمنهم مَن يستطيع أن يحفظ خمس أو عشر ورقات في ساعة، ومنهم مَن لا يستطيع أن يحفظ إلا عشر كلمات، ومنهم مَن لا يستطيع ألبتة، يحفظ اليوم عشر كلمات أو سطرًا أو سطرين، ثم يُردِّدها بقية اليوم، ثم إذا أصبح وإذا ما حفظه لا يوجد منه شيء، مثل هذا عليه بمعاناة العلم، كيف معاناة العلم؟ مثلًا: عندك هذا المتن عجزتَ أن تحفظه، امسك الجمل جملةً جملةً، فاكتب الجملة الأولى وراجع عليها الشروح، وراجع عليها كتب الغريب، وكتب المُشكِل، وكتب كذا، إلى أن يستقر العلم في ذهنك، فبالمعاناة ينحفر القلب فيدخل فيه العلم. ومن أوضح الأمثلة على هذا: جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي، قاما بتأليف (تفسير الجلالين)، المحلي يقولون: ذهنه يثقب الفولاذ، يعني: عنده فهم قوي جدًّا جدًّا، وحفظه لا شيء، والسيوطي يقولون: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ولو وجد غيرها لحفظ، لكن ما وجد إلا هذا العدد، فهذا غاية في الحفظ، وذاك غاية في الفهم، واجتمعا على تأليف هذا التفسير الذي سُمِّي (تفسير الجلالين)، والسيوطي صار عالمًا وبحرًا من بحور العلم بالحفظ، لكن الثاني كيف صار إمامًا من أئمة الشافعية، وكبيرًا مُقدَّمًا عندهم؟ صار بالمعاناة، إذا أمسك كتابًا بادر بشرحه. والآن طالب العلم بإمكانه أن يجمع من العلوم الشيء الكثير، وإن كانت حافظته ضعيفة، فمثلًا: قد يقول طالب علم: (أنا قرأتُ "تفسير ابن كثير"، والآن لو أعصر ذهني لأكتب صفحة من خلال التفسير كله ما قدرتُ)! نقول: امسك التفسير مرة ثانية واختصره ويثبت في ذهنك الشيء الكثير، فالاختصار من وسائل التحصيل، كذلك الشرح لهذه المختصرات الصغيرة، اشرح فالشرح من وسائل التحصيل، وهذا شرحٌ ضع عليه حاشية، أو اكتب عليه نُكتًا، يعني: انقل من كتاب إلى كتاب، هذه معاناة العلم، ولا يعني هذا أنك تكتب لتُؤلِّف وتنشر للناس، وإنما تعاني العلم من أجل نفسك، ومن أجل أن يثبت في ذهنك.