إمكانية طلب النساء للعلم مع كثرة المشاغل

السؤال
تتساءل بعض الأخوات عن إمكانية طلب العلم مع كثرة المشاغل، ومطالب الزوج، ومشاكل الأولاد، فنرجو التوجيه حول هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب

المطلوب من الإخوة والأخوات على حدٍّ سواء التسديد والمقاربة، ولا يكون شيء على حساب شيء آخر، ولا شك أن الناس عندهم فراغ، فإذا قلنا: إن العمل يحتاج إلى ثلث الوقت، والنوم وما أوجب الله من عبادة يحتاج إلى الثلث الثاني، والثلث الثالث يحتاج الإنسان إلى أن يستجم فيه ويرتاح، ويجلس مع أولاده، ومع أقاربه، وله ارتباطات عائلية، وله سفرات، وله أيضًا نـزهات، والمرأة لها أعمال أخرى غير العمل، في بيتها مع أولادها، وفي حاجة زوجها، لكن يبقى، فلو أن الإنسان خصَّص ساعة من يومه للعلم الشرعي، ومثلما ذكرنا الآن بإمكان الإنسان وهو يتناول الشاي الذي يأخذ عند بعض الناس ساعة أو أكثر أن يضغط زر المسجل ويسمع الكلام الطيب، وبإمكانه أن يأخذ المصحف بعد صلاة الصبح ويقرأ بالتدبر والترتيل، ويستفيد فائدة عظمى، والعلم كله تحت تدبر القرآن.

فتدبِّرِ القرآنَ إن رُمتَ الهدى
 

 

 

فالعلمُ تحتَ تدبُّرِ القرآنِ
 

وإذا قُرئ القرآن على الوجه المأمور به -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- أورث القلبَ من العلم واليقين والإيمان والطمأنينة شيئًا لا يُدركه إلا من عاناه، نعم نحن نقرأ القرآن على غير الوجه المأمور به، وهمُّنا متى تنتهي السورة، ومتى ينتهي الحزب، ومتى نختم القرآن، ولذلك لا نتلذَّذ بقراءة القرآن، ولا نستفيد الفائدة المرجوة من قراءة القرآن، وإن كان يثبت لنا أجر الحروف، كل حرف بعشر حسنات، والختمة بثلاثة ملايين حسنة، وبإمكان الإنسان إذا جلس من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس أن يقرأ القرآن في سبع، فيختم ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة في كل أسبوع، في أمر في غاية اليسر والسهولة، ولا يُكلِّف شيئًا. وأجر الحروف التي هي هذه الحسنات العظيمة هذا على أقل تقدير، وإلا فالله -جل وعلا- يُضاعف إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة لبعض الناس، وجاء في بعض الآثار أن الله -جل وعلا- يُضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة [المسند: 7945]، فتصوَّر الكم الهائل هذا، فإذا قارناه بقدرات الناس قلنا: هذا خيال، ما يمكن، لكن إذا نظرنا إلى فضل الله -جل وعلا- وسعة رحمته، وأن الله -جل وعلا- يعطي آخر مَن يدخل الجنة ما يتمناه، وأيش يتمنى؟ يتمنى أرضًا مساحتها ألف متر عليها قصر مشيد! يقال له: تمنَّ، فتنقطع به الأماني وما يدري أيش يتمنى [البخاري: 806]؛ لأنه آخر شخص يدخل الجنة، فيقال له: «أترضى أن يكون لك مثل مُلكِ مَلكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربِّ، فيقول: لك ذلك، ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيتُ ربِّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله» [مسلم: 189]، إذا نظرنا إلى هذا عرفنا أن فضل الله لا يُحد، فإذا قرأنا القرآن في سبع، واعتمدنا وتوكلنا وجلسنا وحزمنا أنفسنا؛ لأن المسألة في أول الأمر تحتاج إلى جهاد، فترك النوم بعد صلاة الصبح شاق على كثير من الناس، ويحتاج إلى جهاد في أول الأمر، ثم بعد ذلك يتلذَّذ به الإنسان، بحيث لو مرض في يوم من الأيام، وصلى الصبح وخرج من المسجد لينام ما جاءه النوم إلا في وقته، وهذا شيء مجرَّب، فإذا جلس في مصلاه بعد الفجر لمدة ساعة استطاع أن يقرأ القرآن في سبع، وحصل على أجور عظيمة.

الأمر الثاني: أن هناك ساعة من آخر النهار لو اقتطعها الإنسان ما ضره، ولا ضيَّع من أعماله ومصالحه لا الدينية ولا الدنيوية شيئًا، بل هذا مما يُعينه على تيسير أمور دينه ودنياه، فيقرأ في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، بادئًا بـ(الأربعين النووية)، ثم (عمدة الأحكام)، ثم (البلوغ)، ثم يبدأ بالكتب الجوامع التي تجمع له أبواب الدين، وينظر في العلوم الأخرى، ويسمع كلام أهل العلم، ومثل ما قلنا: الأمر ميسَّر، والنماذج كثيرة جدًّا، ويأتينا أشخاص من تخصصات مختلفة، بل ومن أعمال حُرَّة، يحضرون الدروس، ويسمعون الأشرطة، وما ضاع عليهم شيء من أمور دينهم ولا دنياهم، ولو قيل بأن هذا مما يُيسِّر أمور الدين والدنيا لما بَعُد.