الاقتصار على(الموطأ)، و(بداية المجتهد)، و(النحو الواضح) بعد حفظ القرآن

السؤال
ما رأي فضيلتكم في الاقتصار على كتاب (الموطأ)، و(النحو الواضح) لِعَليّ الجارم ومصطفى أمين، و(بداية المجتهد) لابن رشد، والعناية بهم بعد حفظ القرآن؟ وهل هناك كتاب أفضل من (الموطأ) في الحديث يمكن حفظه والاقتصار عليه؟
الجواب

السائل يسأل عن (الموطأ)، والذي يظهر من سؤاله وجمعه بين (الموطأ) و(النحو الواضح) و(بداية المجتهد) أنه مبتدئ، أو في حُكْم المبتدئ من طلاب العلم، مثل هذا صُنِّفَ له كتبٌ تناسب فهمه ومستواه العلمي، فللمبتدئين أَلَّفَ أهل العلم كُتبًا في سائر الفنون تناسب مستواهم وتحصيلهم العلمي، فالمبتدئ في علم الحديث مثلًا لا يليق به ولا يحسن أن يتطاول على الكتب المسندة كـ(الموطأ)، فالأجدر به أن يحفظ (الأربعين)، ثم (عمدة الأحكام)، ثم (بلوغ المرام)، ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب الأصيلة المُسندة، فلا مانع من ذلك بعد حفظ هذه الكتب ومطالعة شروحها وحضور الدروس التي تَشرح هذه الكتب، فإذا بدأ بـ(الأربعين النووية) ثم (العمدة) ثم (بلوغ المرام) له أن يقرأ في هذه الكتب المسندة ويستفيد منها -إن شاء الله تعالى-.

أما بالنسبة لكتاب (النحو الواضح) فهو كتاب من مؤلفات المعاصرين، واعتُني به وقُرر على كثير من المعاهد العلمية، وهو كتاب مرتَّب ومنظم وفيه أمثلة، وقواعد، وشرح للقواعد، وتمارين، وما أشبه ذلك، ويصاحبه أيضًا حَلٌّ لهذه التمارين التي في هذا الكتاب في كتاب مستقل، وهو نظير كتاب (البلاغة الواضحة). على كل حال العلماء رتبوا لمن أراد علم العربية كتبًا يَتدرج فيها طالب العلم، فيقرأ مثلًا بداية بـ(الآجرُّومية)، وهذا كتاب مختصر وواضح ومرتب ومبارك، انتفع به الناس منذ تأليفه إلى يومنا هذا، والناس لا يزالون ينتفعون به، وشروحه لا تُعد ولا تُحصى، ولا تزال العناية به عند أهل العلم في جميع الأقطار، فالمبتدئ من طلاب العلم إذا أراد البداية في علم العربية عليه أن يبدأ بـ(الآجرّومية)، ويقرأ في شروحها ويسمع ما سُجِّل عليها، ويحضر الدروس التي تعتني بها، ثم بعد ذلك إذا أنهى هذا الكتاب المختصر يبدأ بـ(قَطْر الندى) لابن هشام، وعليه شروح للمؤلف وغيره، وإن قرأ في (كافية ابن الحاجب) بدل (القَطْر)، فهذا لا شك أنه معتمَد في كثير من الأقطار، ثم بعد أن يتجاوز مرحلة المتوسطين يقرأ في (ألفية ابن مالك)، نظير ما قلناه في علم مصطلح الحديث: يقرأ في (النخبة)، ثم (اختصار علوم الحديث) لابن كثير، ثم (ألفية العراقي).

(بداية المجتهد) كتاب متين جدَّا لا يُناسب المبتدئين ولا المتوسطين من طلاب العلم، بل يُناسب المنتهين، ويُمَرِّن الطالب على الاجتهاد، فيذكر أقوالَ أهل العلم ومأخذ كل قول، ويربيه ويُمَرِّنه على الترجيح بين هذه الأقوال، فهذا الكتاب يناسب المنتهين والمتقدمين من طلاب العلم ولا يناسب المبتدئين، فالمبتدئ يبدأ بصغار العلم قبل كباره كما يقول أهل العلم، فيبدأ بالمتون الصغيرة ويحفظ المتن، وينظر في الشروح، ويسمع الأشرطة عليها ويَحضر الدروس، ثم ينتقل إلى كتب الطبقة التي تلي طبقة المبتدئين من المتوسطين، ثم بعد ذلك ينظر في الكتب المؤلفة للمتقدمين وبذلك يَتَرَقّى؛ لأن العلم كالمكان المرتفع العالي؛ لِعلوّه وشرفه يحتاج إلى سُلّم يصعد إليه بواسطته، فلا بد أن يتدرج في العلم كما قرر أهل العلم.