وصية للطلاب حيال ضعف الهمة في طلب العلم والانشغال بالصوارف

السؤال
يُلاحظ في الأزمنة المتأخرة ضعف الهمة عند بعض طلبة العلم، وقِلَّة الحاضرين في الدروس العلمية في المساجد، وكثرة الصوارف خصوصًا في الأمور الحياتية، وكثرة الانشغال ببرامج التقنية والتواصل الإلكتروني، ما وصيتكم لطلاب العلم حيال ذلك فضيلة الشيخ؟
الجواب

ما ذكره السائل لا شك أنه واقع، والإقبال على العلم موجود وبقوة، والحِلق معمورة  بطلاب العلم مع التأصيل والتأسيس والحرص -ولله الحمد-، صحيح هناك صوارف ومشاغل شغلتْ بعض طلاب العلم، فالكلام له نصيبٌ من الواقع، والخير موجود.

وهذه الصوارف في المدن الكبرى من أشقِّها على النفوس مسألة المواصلات، فإذا أراد أن يذهب إلى الدرس يحتاج إلى وقتٍ طويل في الطريق، وهذا جعل بعض الطلاب يتأخرون عن حِلق العلم مع حرصهم الشديد على التحصيل، ويكتفون بالآلات من الإنترنت وغيرها، ويستمعون الدروس من خلال هذه الآلات، فكونها شاغلة -كما ذُكِر في السؤال- هذا صحيح لمن أراد أن يصرف وقته في غير العلم، وهي نافعة في الوقت نفسه؛ لأنها تُمكِّن مَن لا يستطيع الحضور من طلب العلم، ونعرف مَن يُتابع الدروس وبقوة ويسأل وهو في بيته، وعذره أن الوقت يضيع في السيارة وقد يحتاج إلى ساعة أو أكثر، والدرس مدته ساعة أو تزيد أو تنقص. المقصود أن هؤلاء لهم عذر، وهذه فائدة بحيث لو لم تُوجد كانت النتيجة عكسية بأن تضيع أوقات طلاب العلم ولا يستفيدون منها، وقد تضعف هممهم عن الحضور ولا بديل، فهذه الآلات من نِعم الله –جلَّ وعلا- بقدر ما يستفيد منها طالب العلم وغيره من الناس ممن يستفيدون في أمور دينهم ودنياهم، ولكن طالب العلم يستغل هذه الآلات بما ينفعه، والشرور كثيرة بل هي أكثر.

(قِلة الحاضرين في الدروس)، الحضور موجود وفيه خير وبركة، وفي بعض الدروس كثرة، وعند بعض المشايخ أكثر، فلا يُقال: (قِلة الحاضرين) بإطلاق، نعم الصوارف المذكورة حقيقية ولها في الواقع وجود، ولكن طالب العلم إذا استحضر قيمة العلم وما ورد فيه من النصوص علتْ همَّته وسمتْ، وتجاوز الصعاب.

وكانوا في السابق يرحلون في طلب العلم من المشرق إلى المغرب يقطعون الفيافي والقفار، ويمكثون الشهور؛ لطلب العلم من بلدٍ إلى بلد، والآن تيسَّرت الأمور -ولله الحمد-، وسافر جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إلى عبد الله بن أُنيس -رضي الله عنه- شهرًا من أجل حديثٍ واحد، ويبلغنا أن امرأةً في المشرق أو في المغرب تُتابع الدروس بحيث لا تُخل بشيءٍ منها وتُسجِّل وتُفرِّغ وتسأل عند الحاجة، وبلغنا عن امرأةٍ في المغرب أنها تسأل هل يجوز أن أجعل السماعة في أذني وأسمع العلم وأنا في دورة المياه أُغسِّل الثياب؟ فوصل الأمر إلى هذا الحد -ولله الحمد-. والدين منصور، والعلم موجود ومتوافر -ولله الحمد- وبكثرة، ونلاحظ كثرة الراغبين وكثرة الحفاظ للقرآن وغيره من العلوم، فالأمور مُبشِّرة بخير، والخير موجود في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، والله المستعان.