تخبط طالب العلم بين مراجعة القرآن وبين طلب العلم

السؤال
إذا بدأ طالب العلم بالقرآن، فحفظه كاملًا، لكنه لم يراجعه، فبدأ بالعلم وانشغل، وإذا أراد أن يراجع القرآن الكريم فإذا به صعب عليه مراجعته، ويراجع القليل منه، ويُهمل جانب العلم، فيتخبَّط بين مراجعة القرآن وبين طلب العلم، فتضعف همَّته، فما توجيهكم؟
الجواب

أولًا: طالب العلم لا بد أن يُرتِّب وقته، فكما أن عنده في الدراسة النظامية جدولًا: الحصة الأولى كذا، والثانية كذا، والثالثة كذا، واليوم الثاني كذا...إلى آخره، فكذلك يجعل جدولًا، وحفظ القرآن ومراجعته الموفَّق في ذلك الذي يقوم قبل صلاة الفجر بساعة أو أكثر، فيحفظ نصيبه من القرآن اليومي، ويراجع ما سبق، وهذا أفضل وقت للحفظ، وقت النزول الإلهي، ولا يحتمل أن أحدًا يرن عليك هاتفًا أو يطرق عليك بابًا، وإذا كنتَ مقيَّدًا عن قيام الليل كحالنا وحال كثير من طلاب العلم، فبعد صلاة الصبح اجلس في مصلاك، ومعك مصحفك وكتاب تفسير مختصر، أو كتاب من كتب غريب القرآن، اجلس واقرأ نصيبك اليومي، وهذا على حسب ما يتيسَّر، بالقدر الذي لا تُخل به سفرًا ولا حضرًا؛ لأن الإنسان إذا ما اعتمد خطة دقيقة فإن هذا يشوِّش عليه الوقت ويضيِّع عليه الفائدة، فإذا اقتطع نصيبًا، وجعل له وردًا يوميًّا ولو جزءًا واحدًا؛ ليختم في كل شهر، والأفضل أن يقرأ القرآن في سبع، فيقرأ نصيبه في ساعة، ثم يلتفت إلى الحفظ والمراجعة، وهذا ما يكلف شيئًا، فالآن الصلاة على الساعة الخامسة، فيستطيع أن يقرأ نصيبه اليومي، ويختم في سبع، ويحفظ ما يشاء، ويراجع كتب الغريب في ساعتين، وفي الساعة السابعة قبل الدوام ينتهي، وهذا خاص للقرآن طول العمر، فهل هو كثير أن يُصرَف هذا الوقت الذي هو سنام الوقت لكتاب الله -جل وعلا-؟ والله ما هو بكثير.

وإن كنتَ مرتبطًا بدوام أو بدراسة فاذهب إلى الدوام أو إلى الدراسة، فإذا رجعتَ فضع ساعة بعد العصر للسنة، فاحفظ منها ما تستطيع، وراجع عليها الشروح، والمغرب إن كنتَ تحضر درسًا فاحضر، وإن كان ما عندك شيوخ يعلِّمون كما لو كنتَ في بلد ليس فيه أحد، فاجعل للمغرب -مثلًا- العقيدة، وبعد صلاة العشاء التفقُّه في الدين، وبهذه الطريقة وبهذا الجدول تمشي، فلا يُشوِّش عليك كثرة الكتب، فأحيانًا نرى بعض الطلاب يأتي بشنطة فيها عشرون أو ثلاثون كتابًا، ويريد أن يراجعها في ساعة! هذا مستحيل، بل يأتي بكتاب واحد، وكتاب يعينه على فهم ما يُشكل في هذا الكتاب، أما أن يريد أن يحوز العلم من كل وجه، وبأقرب فرصة وأسرع وقت، فهذا مآله إلى الانقطاع.