شكاية الطلاب من عدم وجود وسائل تحصيل العلم

السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ، يشكو كثير من الشباب دائمًا في مثل هذه الجلسات وفي غيرها، وقد سمعناهم كثيرًا، أنهم مع حرصهم على العلم قد لا يجدون طريقًا ووسيلة لتحصيله، ولا أدري مثل هذه الشكاوى هل هي نابعة من أمانٍ كاذبة، أو هي من أمانٍ أخرى لطلب العلم وتحصيله، لكن عدم قناعة بالموجود. ولله الحمد في مدينتنا مجموعة من الدروس القائمة منذ زمن، ولكنها تشكو أيضًا من حضور طلاب العلم، وحضور الشباب الذين نسمعهم كثيرًا يُردِّدون أهمية العلم وطلبه وأهمية الحضور، وكيف يحفظون، وكيف يقرؤون، وهذه الدروس تشكو منهم ومن جفوتهم لها، فبودنا -حفظك الله- أن توجِّه الشباب للاستفادة من الدروس القائمة، خصوصًا أن الكتب الموجودة التي تُدرَّس وتُشرح كتب قيِّمة ومفيدة لجميع الفئات، وفقك الله لكل خير.
الجواب

أما الشكوى فهي كثيرة وموجودة مع وجود أهل العلم، لكن الذي يشكو ويوجَّه إلى عالمٍ جمع بين العلم والعمل، ثم تستمر شكواه، فلا شك أن هذا يبني شكواه على ظنون وعلى أوهام وعلى تسويف، وأنه سوف يفعل، وسوف يلتزم، وسوف يقرأ، وسوف يحضر الدروس، ثم بعد ذلك إذا جاء الأمر على وجهه، وجاءت الحقيقة تَخلَّف، فمثل هذا لن تنحل مشكلته، وسيستمر على هذا، فتجده -مثلًا- يقول: (الآن دروس واختبارات ومشاكل وتكاليف مدرسية، إذا تخرَّجتُ -إن شاء الله- لزمتُ المشايخ)، ثم يتخرَّج في كلية شرعية، ويُخيَّل إليه أنه الآن جامعي، والشيطان يُملي له، ويستمر على هذه الطريقة، (إذا تخرَّجتُ، إذا تأهَّلتُ، إذا توظَّفتُ، إذا كذا، إذا كذا)، أو  تجده يقول: (خلاص الآن الفصل الدراسي انتصف، دعنا مع بداية الفصل القادم نحضر الدروس)، وإذا جاء الفصل الدراسي وإذا هو في الأيام الأولى مسترخٍ؛ لعودته من الإجازة، ثم بعد ذلك يقول: (الآن انتصف الشهر، دعنا من بداية الشهر... من بداية السنة)! وهذه طريقة كثير من طلاب العلم الآن، وتمضي الأيام وهو لا يعمل شيئًا، فمثل هذا لا بد أن يحزم، ولا بد أن يجزم، ولا بد أن يُلزم نفسه بالالتزام بحضور الدروس من أوَّل يوم.

ويوجد أيضًا بعض المخذِّلين، وهم أشباه عوام، فتجدهم -مثلًا- يقولون: لا تأخذ عن فلان، لا تحضر لفلان. فإذن نحضر لمن؟ هؤلاء هم علماؤنا، فمن أين نأتي بمثل مالك والشافعي وأحمد وسفيان وغيرهم -رحمهم الله-؟! وتجده يقرأ في سير السلف الصالح، ويسمع ما يقال عنهم، من علمٍ وعملٍ وضربِ أروع الأمثلة في هذه الأبواب، ويقول: (شيوخنا انظر حالهم، قصور فارهة، وسيارات فخمة، كيف سننتفع منهم؟)، يا أخي تنتفع من هؤلاء، وما يُدريك أن الله -جل وعلا- يغفر لهم بسبب كلامك هذا، ووقوعك في أعراضهم، فيوجَد من هذه النوعيات، لكن الله يعفو ويسامح. فعلينا ألَّا نلتفت لأحد يريد أن يقطع علينا الطريق للإفادة من أهل العلم، وعندنا علماء كبار، ولله الحمد، وهم أهل علم وعمل وورع وتقوى، والتقصير موجود، فمَن سيوجِد لنا مثل ابن عباس -رضي الله عنهما-، أو مثل ابن تيمية، أو مثل أحمد بن حنبل -رحمهما الله-، من الأئمة الكبار؟ خلاص، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، إلى أن تقوم الساعة، فكما أن عليهم ملاحظات وفيهم نقصًا، فعليك من الملاحظات ومن النقص أكثر مما عند طلاب أولئك، فانظر في نفسك، وعالج نقصك قبل أن تعالِج الآخرين.

فعلينا أن نحزم أمورنا ونضبطها ونعزم، ونبادر من أول لحظة في اكتساب العلم، وبعده التعليم، ومع الأسف الشديد كما يوجد في صفوف طلاب العلم مَن هذه صفته، يوجد من بعض مَن آتاه الله علمًا من قضاةٍ ومن دعاةٍ بعض التقصير، فتأتي إلى بلد ليس فيه ولا درس، وفيه قاضٍ، فتقول للقاضي: (أين الدروس؟ أنت مسؤول أمام الله -جل وعلا-، وقد حمَّلك علمًا، وأخذ عليك عهدًا وميثاقًا)، فيقول: (يا أخي جلسنا للطلاب بكتبٍ قيِّمة ونافعة، وأعطيناهم من وقتنا، ثم حضر عشرة طلاب، وجاء رمضان فانقطعت الدروس، وانتهى رمضان ورجع خمسة، ثم جاء الحج فانقطعت الدروس، وبعد الحج رجع اثنان)، نقول: لا بد أن يمر المعلم بمرحلة اختبار؛ ليُنظَر مدى ثباته، يا أخي هذان الاثنان، أو هذا الواحد لو أحضرتَه بالأجرة ليقرأ عليك، فما هو بكثير، وقد أدركنا من شيوخنا مَن لا يقرأ في حلقته إلا شخص واحد، ما المانع؟ لكن العالم إذا تجاوز هذه المرحلة، وثبت، وأرى اللهَ من نفسه الخير فليبشر، وهذا الشخص الذي في السابق ما عنده إلا طالب واحد، وغير سعودي، الآن الحضور عنده بالمئات، ومن أكبر حلقات التعليم في المملكة، فالمسألة مسألة امتحان، ومرحلة الامتحان لا بد أن يجتازها كلٌّ من العالم والمتعلِّم، فإذا ثبت وأرى اللهَ من نفسه خيرًا أعانه، وكتب له التوفيق، وصرف له وجوه الناس، والله المستعان.