دوافع القلب إلى إحسان النية وإخلاص العمل

السؤال
ما الدوافع التي تدفع القلب إلى إحسان النية وإخلاص العمل؟
الجواب

ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتاب (الفوائد) يقول ما معناه: إذا حدثتْك نفسك بالإخلاص -وكلُّ واحد تحدِّثه نفسه بالإخلاص، ويتمنى أن يُخلص لله جل وعلا- فاعمد إلى حبِّ المدح والثناء والطمع بما في أيدي الناس، فاذبحه بسكين علمك ويقينك أنه لا أحد ينفع مدحُه ويضر ذمُّه، إلا الله -جل وعلا-)، فما فيه أحد ينفع مدحُه أو يضر ذمُّه، إلا الله -جل وعلا-؛ لأن كل شيء بيده، وقد تقول: (هذا الشخص إذا مدحني عند مسؤول، وتوظفتُ عند هذا المسؤول، انتفعتُ بمدحه، وإذا ذمَّني عند مسؤول، فلم يوافق على توظيفي عنده، تضررتُ بذمِّه)، فالناس يتصوَّرون هذا، لكن الأمور كلها، وقلب هذا المسؤول، ومَن دون هذا المسؤول، ومَن فوق هذا المسؤول، كلها بيد الله -جل وعلا-، وأنت أو غيرك ممن يحتاج إلى ما عند التاجر من مال، تذهب إليه فيعطيك، ويذهب غيرك فيمنعه، فالمعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، والمال مال الله -جل وعلا-، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، وهذا التاجر الذي أعطاك ومنع غيرك، أو العكس، إنما هو سبب، والمعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، فإذا ذبحتَ حبَّ المدح والثناء بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحُه ويضر ذمُّه إلا الله -جل وعلا-، حصل لك الإخلاص؛ لأن الذي يخدش في الإخلاص في الغالب مراءاة الناس، وملاحظة ما عندهم، فإذا عرفتَ أن هذا الإنسان مثلك لا يستطيع أن ينفعك بشيء لم يكتبه الله لك، ولا يستطيع أن يضرك بشيء لم يكتبه الله عليك، ارتحتَ من الناس، وأخلصتَ لله -جل وعلا-. قال أعرابي: يا رسول الله، إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذاك الله -عزَّ وجلَّ-» [الترمذي: 3267]، فكثير منا يلاحظ فيما يأتي وفيما يذر رضاء الناس «مَن التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله تعالى عنه، وأرضى الناس عنه، ومَن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» [صحيح ابن حبان: 276] -نسأل الله العافية-، وبعض الناس لو قيل له: إن فلانًا من الأعيان والوجهاء أثنى عليك البارحة، سُرَّ بذلك وطار به فرحًا، وهذا الذي مدحه مثله لا يستطيع أن ينفعه ولا يضره، ولو قيل له: ذمَّك فلان، اغتم لذلك غمًّا شديدًا، والأمر كذلك لا يضره ذمُّه إذا كان بغير حق، أما إذا كان ذمُّه بحق، فلا شك أن الناس شهداء الله في أرضه، فإذا كانوا يذمونه بما فيه، فلا شك أن لذمِّهم إيَّاه أثرًا عليه. ونغفل كثيرًا عما جاء في الحديث القدسي: «فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتُه في ملإٍ خير منهم» [البخاري: 7405].