معنى قول العلماء: (هذا النص خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له)

السؤال
إننا عند مطالعتنا لكتب العلماء يتكرَّر معنا قولهم: (إن هذا النص -أو هذا الحديث- خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له).
الجواب

هذا موجود عند أهل العلم وبكثرة، فمثلًا: جاء في حديث الزكاة في كتاب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي كتبه في الصدقات، «هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، ثم قال: «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة: شاة» [البخاري: 1454]، وجاء «في كلِّ سائمة إبل في أربعين: بنت لبون» [أبو داود: 1575]، فنصَّ على السوم، وجاء أيضًا في غيرهما النص على السوم بالنسبة للبقر، فاشترط العلماء في زكاة بهيمة الأنعام أن تكون سائمة؛ أخذًا من هذه النصوص، وأن هذا القيد مُعتبَر، ومفهومه مقصود، بحيث إذا لم تكن هذه البهيمة من الأنعام -الإبل، والبقر، والغنم- سائمةً فلا زكاة فيها زكاةَ بهيمة الأنعام، أما إذا أُعدَّتْ للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة، سواء كانت سائمة أو معلوفة.

المقصود أن هذا القيد مُعتبَر عند الجمهور، والمالكية يرون أن السوم ليس بشرط، فماذا نقول عن قوله: «في سائمتها»؟ قالوا: هذا وصف خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب بهيمة الأنعام في عصر النبوة سائمة، فلا مفهوم له.

فهذا موجود عند أهل العلم وبكثرة، فتجد من أهل العلم مَن يرى أن الوصف مؤثِّر وله مفهوم، ومنهم مَن يُلغي المفهوم؛ لمُعارِض عنده. ومفهوم المخالفة معمول به عند الجمهور، لكن متى يُلغَى المفهوم؟ يُلغَى المفهوم إذا عورض بمنطوق أقوى منه، ففي قول الله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] مفهومه أنك لو استغفرتَ لهم إحدى وسبعين مرة أنه يُغفر لهم، لكن هذا المفهوم مُعارَض بمثل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، فالمفهوم مُلغَى. وكذلك النهي عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة، مفهومه أنه لو كان ضعفًا واحدًا فإنه يجوز، لكن هذا المفهوم مُلغَى، بدليل أنه مُعارَض بمنطوق أقوى منه، فيُحتاج لمثل هذا عند المعارضة.