هجر الكتب والانصراف عنها إلى الأجهزة الحديثة

السؤال
من الملاحَظ هجر كثير من الناس، بل وطلاب العلم، للكتاب، وقلَّة الاطلاع عليه؛ لانصرافهم إلى الأجهزة الحديثة، فما توجيهكم في أهمية الكتب لطالب العلم؟
الجواب

الأجهزة يمكن أن يُستفاد منها للإعانة على الوصول إلى المراد إذا ضاق الوقت، أو لاختبار العمل، أما الاعتماد عليها اعتمادًا كليًّا ففي تقديري أنها لا تُخرِّج طالب علم، فشخص خرَّج حديثًا من عشرين طريقًا بطريقته بمراجعة الكتب، وأراد أن يختبر العمل، هل هناك طرق زائدة، أو لا يوجد غير هذه الطرق؟ واستعان بهذه الأجهزة، فوجد زيادة طريقين، أو ثلاثة، أو خمسة، فلا شك أنه أتقن الطرق التي توصل إليها بنفسه، والقدر الزائد الذي وجده لا شك أنه سوف يعتني به؛ لأنه محتاج إليه. فهذا لاختبار العمل.

وكذلك إذا ضاق عليه الوقت، كأن يكون خطيب جمعة، أو يُحضِّر درسًا، أو ما أشبه ذلك، وبقي عليه ربع ساعة، وعنده حديث لا يعرف درجته، وأراد أن يطَّلع على درجته في هذا الوقت القصير، فبدلًا من أن يتركه، أو يلقيه على الناس وهو لا يعرف حكمه، يبحث في الجهاز، ويجد الدرجة، ويستفيد منه في هذه الحالة، لكن في وقت السعة لا، لا بد من تقليب الكتاب.

وبعض العلماء صار من مقصده إتعاب طلاب العلم، وليس الهدف من ذلك تعذيبهم، فابن حبان -رحمه الله- لما صنَّف (الأنواع والتقاسيم) المعروف بـ(صحيح ابن حبان) على الطريقة التي وضعه عليها قبل الترتيب، يريد أن يُقرأ الكتاب كاملًا، يقول: لا أُريد أن يبحث عالم أو طالب علم عن حديث ويجده بسرعة وسهولة، بل أُريد أن يتعب في تحصيل الحديث؛ لأنه إذا تعب في تحصيل الحديث، وبحث عنه من أول الكتاب إلى آخره، فكم من حديث سيمر عليه؟ يمكن أن يمر عليه أحاديث هو بأمسِّ الحاجة إليها أكثر من الحديث الذي يبحث عنه. وقل مثل هذا في الكتب الأخرى، فإذا احتاج إلى مسألة علمية، فبدلًا من أن يرجع إلى الآلة، يُقلِّب الكتاب المعتمَد في هذا المجال، إن كان في الحديث ففي الحديث، وإن كان في التفسير ففي التفسير، وإن كان في الفقه ففي الفقه، وأثناء تقليبه يمر عليه مسائل كثيرة جدًّا، بعضها قد يكون أهم من المسألة التي يبحث عنها، فلا بد من معاناة الكتب.