ألا يوجد في الأحكام في مسائل الحج ما يقتضي الجدال والنقاش العلمي، الذي يتوصل به إلى إحقاق الحق وتقريره كغيره من أبواب الدين، والأولى حمل الجدال على عمومه على قراءة البناء، وأن (لا) نافية للجنس، ويكون المراد بالجدال والمراء الممنوع. أما الجدال والمراء المحمود الممدوح والمناقشة التي يتوصل بها إلى إقرار الحق ودفع الباطل، هذه مطلوبة في كل وقت وفي كل زمان؛ لأنها ضرب من أضرب الدعوة والجهاد، مجادلة المخالف بالتي هي أحسن من الدعوة، والدعوة مأمور بها في كل مناسبة.
وقد يكون الجدال محرمًا في الحج وغيره كالجدال بغير علم، فيدخل في الآية دخولًا أوليًّا، وكالجدال في الحق بعد ما تبيَّن. يعني إذا قلنا: إن الجدال ممنوع من أصله، وأن لا نافية للجنس فيشمل الجدال المحمود والمذموم، قلنا: إن الإنسان لا يلجأ إلى الجدال بنفسه حتى يلجأ إليه، وإذا وجد من يكفيه يقتصر عليه، ولا يقحم نفسه في هذا الأمر، وإذا قلنا: إنه لا يدخل فيه إلا الممنوع فالجدال المحمود ضرب من أضرب الدعوة، فيتطلبه الإنسان، يذهب ليناقش أهل البدع ويناظرهم بالتي هي أحسن؛ ليحق الحق، ويدحض الباطل، وهذا المطلوب على كل حال وفي كل مكان، وفي كل مناسبة.