شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (272)
المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.
أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".
مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله تعالى-: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ من الشعب فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ.
حتى إذا كان بِالشِّعْبِ
المُقَدِّم: نَزَلَ بِالشِّعْبِ .
لا، نَزَل فَبَالَ.
المُقَدِّم: فَبَالَ.
بدون بِالشِّعْبِ.
المُقَدِّم: في النسخة التي بين يدينا ليس فقط بِالشِّعْبِ هكذا، بل غيَّر عن اللفظة الأولى بِالشِّعْبِ، والثانية وضعها بِالشِّعْبِ، وأكد عليها في الهامش بالفتح.
وماذا قال؟
المُقَدِّم: وضعها بالفتح.
ليست موجودة أصلًا.
المُقَدِّم: أصلًا.
نعم، حتى إذا كان..
المُقَدِّم: حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ.
نزل فَبَالَ ، نعم.
المُقَدِّم: نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ». فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،
راوي الحديث كما في الاستيعاب لابن عبد البر أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي يُكنى أبا زيد، وقيل: أبا محمد، يُقال له: الحِبُّ بن الحب، وفي حديث المخزومية التي سرقت كانت تستعير المتاع وتجحده في الصحيحين وغيرهما، بحثوا عمن يشفع لها عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما أمر بقطع يدها، فلم يجدوا إلا أسامة حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وابن حبه، وهذا أمر معروف ومستفيض، وأمه أم أيمن بركة مولاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحاضنته، توفي النبي- صلى الله عليه وسلم- وسنه عشرون، وقيل: تسع عشرة، وقيل: ثماني عشرة سنة، سكن بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- وادي القرى، ثم عاد إلى المدينة فمات بالجرف في آخر خلافة معاوية سنة ثمانٍ أو تسع وخمسين وقيل: بل تُوفي سنة أربع وخمسين، يقول ابن عبد البر: وهو عندي أصح إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب إسباغ الوضوء، يعني أردفه بباب التخفيف في الوضوء، قال: باب إسباغ الوضوء، وقال ابن عمر: إسباغ الوضوء الإنقاء، يعني يريد أن يشرح كلمة الإسباغ يبين معناها بقول ابن عمر- رضي الله عنهما-، والمسألة لغوية وابن عمر من أقحاح العرب فسر بكلامه.
قال ابن حجر: الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ، وقال الكرماني: تفسيره بالإنقاء- يعني في كلام ابن عمر- من تفسير الشيء بملازمه إذ الإتمام مستلزم الإنقاء عادة، يعني لما قالوا: الإسباغ في اللغة الإتمام، ابن عمر فسَّره بالإنقاء يقول الكرماني: تفسيره بالإنقاء من باب تفسير الشيء بملازمه؛ إذ الإتمام مستلزم للإنقاء عادة.
وقال العيني: أي هذا باب إسباغ الوضوء، والإسباغ مصدر أسبغ وثلاثيه -أسبغ رباعي- وثلاثيه من سبغت النعمة تسبغ سبوغًا، أي اتسعت، قال الليث، من الليث؟
المُقَدِّم: اللغوي.
ابن إيش؟
المُقَدِّم: ابن المظفر.
ابن المظفر نعم، قال الليث: كل شيء طال إلى الأرض فهو سابغ، وأسبغ الله عليه النعمة أي أتمها، قال الله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20]، وإسباغ الوضوء إبلاغه مواضعه وإيفاء كل عضو حقه، والتركيب يدل على تمام الشيء وكماله.
ووجه المناسبة بين البابين المتقدم التخفيف والثاني الإسباغ من حيث إنَّ المذكور في الباب الأول باب التخفيف، والمذكور هنا في هذا الباب ما يقابله صورة، وإن كان لا بد في التخفيف من الإسباغ أيضًا كما تقدم، التخفيف يُنافي الإسباغ؛ لأنَّه لو نافى الإسباغ لصار مسحًا ما صار غسلًا، قال: وإن كان لا بد في التخفيف من الإسباغ أيضًا وإن كانت المقابلة في الصورة، التخفيف يُقابل الإسباغ؛ لأنَّ الإسباغ الإتمام والإنقاء، والتخفيف دون ذلك، لكنه لا يصل إلى حد أن يكون مسحًا.
المُقَدِّم: مسحًا.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فتوضأ وأسبغ الوضوء»، في الحديث نفسه «حتى إذا كان بِالشِّعْبِ نزل فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ».
المُقَدِّم: «وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء».
« وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء، فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ».
المُقَدِّم: «فأسبغ».
«فأسبغ الوضوء» والنفي والإثبات كلاهما في ترجمة واحدة، والترجمة باب إسباغ الوضوء، والشاهد من الحديث لهذه الترجمة الجملة الثانية، مطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فتوضأ وأسبغ الوضوء» كيف في الأولى وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء، والعيني قبل قليل يقول: وإن كان لابد في التخفيف من الإسباغ.
المُقَدِّم: من الإسباغ، نعم، ما يُمكن أن يُقال: إنَّ هذه الترجمة جاءت بعد التخفيف؛ لتناسب هذه اللفظة «لم يسبغ الوضوء»؛ لأن لم يسبغ الوضوء يعني خفف الوضوء.
أولًا: مسألة ثُمَّ تَوَضَّأَ الأولى يأتي الخلاف فيها، وهل هو الوضوء الشرعي أو اللغوي في مكانه، وتوضح إن شاء الله، وإلا ظاهر كلام العيني مخالف لقوله: «ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ» لا سيما إذا حُمل على المعنى الشرعي كما سيأتي.
فإن قلت: المذكور فيه شيئان الإسباغ وتركه، فما المُرَجَّح؟ أو فما المُرَجِّح في تبويب الترجمة على الإسباغ؟ لأنَّه قال: باب إسباغ الوضوء، الآن البخاري يرجح على الإسباغ أو عدم الإسباغ؟
المُقَدِّم: الإسباغ.
يقول: باب إسباغ الوضوء، هل في كلامه ترجيح للإسباغ أو عدم الإسباغ؟ هما موجودان في الحديث الذي ترجم عليه بهذا.
المُقَدِّم: هو عادة إذا ذكر الباب هكذا إمَّا أنَّه يعني يريد أن يترك الموضوع لطالب العلم وإلا أنَّه لم يصل فيه إلى حكم؟
لا، هو إذا أورده على سبيل التردد، إذا أورده استفهامًا هذا واضح.
المُقَدِّم: نعم.
هل يسبغ الوضوء أم..؟
المُقَدِّم: نعم؟
هذا يتجه كلامك، لكن قوله: باب إسباغ الوضوء، هل فيه تردد؟ أو يُقدر ما حكمه نفيًا وإثباتًا؟ إسباغ الوضوء ما حكمه نفيًا وإثباتًا؟ عدمه ووجوبه، الترجمة ليس فيها جزم بحكم معين.
يقول: فإن: قلت: المذكور فيه شيئان الإسباغ وتركه، فما المرجح في تبويب الترجمة على الإسباغ؟ لأنَّه يقول: ترجم على الإسباغ، وهنا جزم بأنَّه يرجح الإسباغ، قلت: لأنَّه بوب الباب السابق في تخفيف الوضوء، فتعين أن يكون الباب الذي يتلوه في الإسباغ لتتم المقابلة بينه وبين الباب السابق؛ لأنَّه لو لاحظ الأمرين في هذه الترجمة ما احتاج إلى الترجمة السابقة.
المُقَدِّم: صحيح.
قوله: "دفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرفة" أي أفاض منها، يُقال: دفع السيل من الجبل إذا انصب منه، ودفعت إليه شيئًا أدفعه دفعًا ودفعت الرجل، قال الله تعالى: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة:251]، وتتدافع القوم في الحرب أي دفع بعضهم بعضًا، يقول الصاغاني: التركيب يدل على تنحية الشيء، يعني دفعه، تنحيته عن مكانه، وهذا ظاهر.
«من عرفة» يقول الكرماني، فإن قلت: عرفة اسم الزمان.
المُقَدِّم: وهو معروف.
نعم، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، فما المراد منها؟ هنا يقول: دفع من عرفة، قلت: المراد إمَّا الزمان أي رجع من وقوفه يوم عرفة بعرفات الذي هو المكان، أو من مكان عرفة، مكان الوقوف بعرفة، وإمَّا المكان لمَّا قيل إن عرفة وعرفات مفردًا وجمعًا جاء كلاهما اسمًا للمكان المخصوص والأول أولى ليوافق الاصطلاح المشهور للفقهاء، يعني المراد الزمن لا المكان؛ لأنَّ المكان عرفات.
يقول الجوهري: عرفات موضع بمنى، وهو اسم في لفظ الجمع فلا يُجمع، ولا تدخلها الألف واللام. وقال الفراء: لا واحد لها، وقول الناس: نزلنا عرفة شبيه بمولد وليس بعربي محض سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ آدم عرف حواء بها، أو لأنَّ الناس يعترفون فيها بذنوبهم، ويسألون غفرانها، هذا من العيني. لكن لو قال: لأنَّ الناس يتعارفون فيها، الناس يتعارفون فيها، يتعارفون فيها أهل العلم ما يذكرون مثل هذا، لماذا؟
المُقَدِّم: لأنَّه لابد أن يُبنى على سند، على دليل.
لا، هو مسألة تعليل الأسماء يكفي فيه مثل هذا؛ لأنَّ آدم عرف حواء، أو لأنَّ الناس يعترفون هذا يعني يعترفون هذا الواقع، أيضًا يتعارفون يشهد له الواقع، لكن يعدلون عن مثل هذا؛ لأنَّهم في يوم عرفة، وفي عرفات يغفل بعضهم عن بعض ولا يتعارفون، في هذا المكان ينشغلون فيه بما هو أهم من الذكر وقراءة القرآن والدعاء في هذا الموطن العظيم، يغفلون فيه عن التعارف، نعم يتعارفون في مواطن أخرى من مشاعر الحج، لكن في هذا المكان لا يذكرون مثل هذا التعليل؛ لأنَّ الناس ينشغلون عنه بعباداتهم الخاصة.
المُقَدِّم: لكن بعض التعليلات هل تُقبل هكذا إطلاقًا يا شيخ؟ كيف آدم يعرف حواء وهي خلقت من ضلعه؟
على كل حال هذا مما عرفوه وسموا الأماكن كثيرًا من المشاعر ارتباطًا بين آدم وحواء، لكن هذا ليس عليه دليل يصح.
المُقَدِّم: حتى تُقبل يا شيخ عقلًا، حواء خلقت من ضلع، وخرجت وراءه، كيف معناه يتعرف عليها؟
على كل حال هذه التعليلات لا دليل عليها، وربطوا كثيرًا من أمور المشاعر بتصرفات آدم وحواء، وهذا لا دليل عليه، تُذكر في الإسرائيليات فقط.
«حتى إذا كان بِالشِّعْبِ» بالكسر، الطريق في الجبل، الشعب الطريق في الجبل، والمراد به الشعب المعهود للحجاج.
«نزل فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ» بماء زمزم، توضأ بماء زمزم كما في زوائد المسند بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب، قال ابن حجر: فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب، فيه أيضًا مسألة نقل...
المُقَدِّم: ماء زمزم.
ماء زمزم.
المُقَدِّم: لأنَّ الشعب بعيد عن عرفة.
نعم، هو نُقل إلى..
المُقَدِّم: عرفة.
المتصور أنَّه نُقل إلى عرفة ثم رُجع به إلى المزدلفة؛ لأنَّ بعض الناس يتحدث عن زوال الخصائص إذا نُقل إلى بلد آخر، وهذا كلام ليس بصحيح، خصائصه ملموسة ومعروفة حتى إذا نُقل عن مكة شرفها الله.
« وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء» أي خففه لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، وفي مسلم «فتوضأ وضوءًا خفيفًا»، وقيل: معناه توضأ مرة مرة، لكن بالإسباغ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، واستبعد القول بأنَّ المراد به الوضوء اللغوي، يعني الاستنجاء، وأبعد منه الوضوء اللغوي معروف أنَّه يُطلق الوضوء على غسل اليدين مثلًا، وغسل الوجه، وأمَّا الاستنجاء فهو قول ثالث في المسألة، أبعد منه القول بأنَّ المراد به الاستنجاء. ومما يقوي استبعاده قوله في الرواية الآتية- إن شاء الله تعالى- في "باب الرجل يوضئ صاحبه أنَّه- صلى الله عليه وسلم- عدل إلى الشعب فقضى حاجته، فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ" إذ لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلا وضوء الصلاة؛ لأنَّه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته، لا يقرب منه أحد على حاجته، وهذا في شرح القسطلاني، وهو مأخوذ من شرح ابن بطال.
في شرح ابن بطال قال المهلب: قوله: «فتوضأ وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء» يريد توضأ مرة سابغة، كيف نقول: سابغة، والصحابي يقول: لم يسبغ الوضوء؟ كلام مستقيم أم غير مستقيم؟
المُقَدِّم: غير مستقيم.
نقول: توضأ مرة سابغة، والصحابي يقول: لم يسبغ الوضوء، لا شك أنَّ في هذا شيئًا من التنافر، إلا أنَّ العلماء حينما يقولون: توضأ مرة سابغة؛ لئلا يقال: إنَّه توضأ وضوءًا بالمسح، بمسح الأعضاء، وهذا أقرب إلى «لم يسبغ الوضوء»، لكن المسح غير مجزئ، غير مجزئ، وقد رواه إبراهيم بن عقبة عن كريب قال: « فتوضأ وضوءًا ليس بالبالغ»، ومعنى البالغ هو السابغ، وإنَّما فعل ذلك- والله أعلم-؛ لأنَّه أعجله دفعه الحاج إلى المزدلفة، فأراد أن يتوضأ وضوءًا يرفع به الحدث؛ لأنَّه- عليه الصلاة والسلام- لا يبقى بغير طهارة، ذكره مسلم في هذا الحديث.
يعني يريد من هذا الوضوء رفع الحدث ليذكر الله على كمال، لا سيما وأنَّه في إفاضتهم يلهجون بالذكر، وقد جاء في باب الرجل يوضئ صاحبه هذا الحديث المبين قال أسامة: «أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عدل إلى الشعب يقضي حاجته، فجعلت أصب عليه ويتوضأ»، ولا يجوز أن يُصب عليه إلا وضوء الصلاة لا وضوء الاستنجاء كما زعم من فسَّر قوله: «وَلَمْ يُسْبِغِ الوضوء» أنَّه استنجى فقط، وهذا لا يجوز على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته، والدليل على صحة ما تأولناه قول أسامة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين صب عليه الماء: الصلاة يا رسول الله؛ لأنَّه محال أن يقول له الصلاة..
المُقَدِّم: يقول وقد رأيته.
هو يتوضأ وضوء الصلاة؛ ولأنَّه محال أن يقول له: الصلاة ولم يتوضأ وضوء الصلاة، وقال أبو الزناد:« توضأ وَلَمْ يُسْبِغِ» لذكر الله؛ لأنَّه لمَّا سُلِّم عليه- عليه الصلاة والسلام- وهو على غير طهارة.
المُقَدِّم: لم يرد السلام.
تيمم، تيمم لرد السلام، فيريد أن يذكر الله على حال كاملة.
وَلَمْ يُسْبِغِ لذكر الله تعالى؛ لأنَّهم يكثرون ذكر الله عند الدفع من عرفات، يكثرون ذكر الله عند الدفع من عرفة. وفي شرح الخطابي، واسمه...
المُقَدِّم: أعلام السنن.
أعلام الحديث، طُبع باسم أعلام الحديث، والمشتهر عند أهل العلم أعلام السنن في مقابل معالم السنن في شرح سنن أبي داود، وفي شرح الخطابي: إنَّما فعل ذلك؛ ليكون مستصحبًا للطهارة في مسيره إلى أن يبلغ جمعًا، التي هي المزدلفة، وكان- صلى الله عليه وسلم- يتوخى في عامة أحواله أن يكون على طهر، وإنَّما تجوز في الطهارة وَلَمْ يُسْبِغِها؛ لأنَّه لم يفعل ذلك ليصلي، ألا تراه قد أسبغها حين أراد أن يصلي؟ ألا تراه قد أسبغها أسبغ الطهارة حين أراد أن يصلي وأكملها، وفي وضوئه لغير الصلاة دليل على أنَّ الوضوء نفسه عبادة وقربة، يعني هل الوضوء وسيلة أم غاية؟
المُقَدِّم: لا، وسيلة.
باعتبارها شرط من شروط الصلاة وسيلة، لكن باعتبار ترتيب الأجور عليه لذاته؟
المُقَدِّم: هو غاية.
فهو غاية، يقول الخطابي: وفي وضوئه- عليه الصلاة والسلام- لغير الصلاة دليل على أنَّ الوضوء نفسه عبادة وقربة وإن لم يفعل لأجل الصلاة، وكان- صلى الله عليه وسلم- يقدم الطهارة إذا أوى إلى فراشه؛ ليكون مبيته على طهر. انتهى كلام الخطابي.
«فقلت: الصلاة يا رسول الله» الصلاة بالنصب على الإغراء، أو على الحذف والتقدير أتريد الصلاة؟ ويؤيده قوله في رواية تأتي «فقلت: أتصلي يا رسول الله؟» ويجوز الرفع والتقدير حانت الصلاة.
قال: الصلاة هو بالرفع على الابتداء، و«أمامك» بفتح الهمز خبره، قاله ابن حجر.
«الصَّلاةُ أَمَامَكَ» يقول الخطابي: يريد أنَّ موضع هذه الصلاة المزدلفة، الصلاة أمر حسي أم معنوي؟
المُقَدِّم: حسي.
نعم؟
المُقَدِّم: محسوسة الصلاة.
يُمكن أن يُشار إليها؟ يُمكن أن نخبر عنها أنَّ الصلاة في المكان الفلاني؟
المُقَدِّم: لا، من أفعالها فقط، يعني أفعال المصلي
حينما يقول: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ»، لمَّا تقول: الجبل أمامك.
المُقَدِّم: واضح ستراه.
ستراه، إذا قال: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ» هل يريد الصلاة أو مكان الصلاة؟
المُقَدِّم: مكان الصلاة، أو فعل الصلاة.
نعم، قال الخطابي: يريد موضع هذه الصلاة المزدلفة وهي أمامك، وهذا تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعل النبي- صلى الله عليه وسلم-.
المُقَدِّم: عليه الصلاة والسلام.
وفيه دليل على أنَّه لا يجوز- ننتبه لكلمة لا يجوز والخلاف فيها معروف-، وفيه دليل على أنَّه لا يجوز أن يصليها الحاج إذا أفاض من عرفة حتى يبلغها، وأنَّ عليه أن يجمع بينها وبين العشاء بجمع على ما سنَّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بفعله، وبيَّنه بقوله، ولو أجزأته في غير ذلك المكان لما أخرها- صلى الله عليه وسلم- عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام.
ويقول الكرماني: أقول: ليس فيه دليلٌ على أنَّه لا يجوز، المتكلم خطابي، الخطابي وهو شافعي المذهب، والذي يناقشه ويرد عليه الكرماني، وهو أيضًا شافعي، أقول: ليس فيه دليلٌ على أنَّه لا يجوز، إذ فعله المجرد لا يدل إلا على الندب، واللازمة في شرطية.. ولو أجزأته، يعني اللازمة في شرطية هذه الجملة التي ذكرها الخطابي في قوله: ولو أجزأته لما أخرها، هذه اللازمة ممنوعة؛ لأنَّ ذلك كان لبيان جواز تأخيرها، أو بيان ندبية التأخير؛ إذ الأصل عدم الجواز.
يقول العيني: هذه المسألة تحتاج إلى شيء من..
المُقَدِّم: إذًا نرجئها إذا أذنتم لتكون هي مطلع الحلقة القادمة بإذن الله لبسطها أكثر للإخوة والأخوات.
طيب.
المُقَدِّم: أيُّها الإخوة والأخوات نعدكم بإذن الله أن تكون الحلقة القادمة أو مطلع الحلقة القادمة في بسط هذه المسألة في خلاف أهل العلم حول هذه القضية، في ختام حلقتنا نتوجه بالشكر الجزيل بعد شكر الله- سبحانه وتعالى- لضيف اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر لكم أنتم أيُّها الإخوة والأخوات طيب المتابعة، لقاؤنا بكم في حلقة قادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.