شرح منسك النووي (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليالي المباركة من عشر ذي الحجة التي قال فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-"ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"، وأفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله- جل وعلا- أداء ما افترض الله عليه، وأفضل نوافل العبادات العلم؛ لأن نفعه متعدي، والجهاد إذا دعت الحاجة إليه أفضل، لكن العلم على الإجمال أفضل من سائر نوافل العبادة لتعدي نفعه، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» المقصود أن هذه الأيام العشر هي الأفضل، والنهار على ما قرره أهل العلم أفضل من نهار عشر رمضان؛ لوجود يوم عرفة هكذا قال أهل العلم، والحديث الذي سقناه قريبا فيه دلالة على أنه ليس هناك أفضل من هذه الأيام العشر، والليالي قالوا إن ليالي عشر رمضان أفضل؛ لأن فيها ليلة القدر، المقصود أن العلم الشرعي تعلمه وتعليمه من أفضل الأعمال وأفضل ما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- بعد الفرائض، وقد يتعين العلم تعلُّمًا وتعليما على بعض الناس ممن لا تقوم الكفاية إلا به، في هذه الليالي اخترنا منسكًا مختصرًا بعد أن شرحنا بتوفيق الله- جل وعلا- عددًا من المناسك المختصرة، فكان الاختيار وقع على كتاب الإيجاز في المناسك للنووي، وهو مختصر من الإيضاح له، منسكه المسمى بالإيضاح هذا مطول وفيه بسط وفيه مسائل وفيه أشياء تنبيهات لا يستغني عنها الحاج، لكن لقصر المدة عدلنا عن الأصل إلى المختصر الذي هو الإيجاز، ويقارب ثمن حجم الأصل، والنووي رحمة الله عليه كما تعرفونه يعرفه الخاص والعام، حتى عامة الناس يعرفونه؛ لأن له كتبًا انتفع بها العامة والخاصة مثل رياض الصالحين ومثل الأذكار تُقرأ في مساجد المسلمين وفي بيوتهم منذ أن ألفها مؤلفها رحمه الله تعالى كتب الله لها القبول، وعُرِفَ النووي رحمه الله تعالى بالعبادة والزهد وجودة التصنيف مما يدل على نوع من الإخلاص، وإن كان الإخلاص في القلب، لكن هناك آثار تدل عليه على ما يلاحَظ عليه في المعتقد لأنه كان رحمة الله عليه أشعري المذهب في الاعتقاد شافعي المذهب في الفروع، والذي يهمنا في دروسنا التعليق على هذا المنسك المختصر الذي سماه الإيجاز في المناسك ونسبه إليه أكثر من ترجم له، وله مؤلفات في هذا الباب مثل ما ذكرنا الإيضاح والإيجاز وأحكام النساء في الحج وله كتابان آخران يذكرها المصنفون ولا وجود لها ولا أعرف عنها شيئا ولا عن أسمائها، المقصود أن الذي بين أيدينا سماه مؤلفه الإيجاز للنووي رحمه الله تعالى، وهو محيي الدين يحيى بن شرف بن زكريا بن شرف النووي الشافعي المولود سنة إحدى وثلاثين وستمائة، والمتوفى سنة ست وسبعين وستمائة عن عُمُرٍ يناهز الخامسة والأربعين عاما، يعني عمره قصير لكنه مبارَك، والناس انتفعوا بكتبه وشرحه لمسلم على اختصاره لا يستغني عنه طالب علم ففيه قواعد وفوائد وضوابط وتنبيهات لا توجد عند غيره- رحمة الله عليه- وإن كان كغيره ينقل ممن سبقه كالقاضي عياض وصاحب التحرير وصاحب المطالع وغيرهم من الشراح المتقدمين، هذا الكتاب غير مشهور ومطبوع في الهند سنة أربع وأربعمائة وألف، ثم طبع في دار البشائر أخيرًا، يقول- رحمه الله تعالى- "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الجلال والإكرام" ابتدأ بالبسملة، وثنى بالحمدلة على ما جاء في كتاب الله- جل وعلا- حيث كان مبدوء بها، وجاءت الأحاديث وإن كان مضعفا عند أهل العلم «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله رب العالمين فهو أجذم» وبعض أهل العلم حسَّنوا لفظ الحمد، وأما بقية الألفاظ من البسملة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي ضعيفة، "الحمد لله ذي الجلال والإكرام والفضل والطَّوْل والمِنَن العظام الذي هدانا للإسلام" هذه أعظم نعمة من الله- جل وعلا- على المسلمين فالدين رأس المال، يعني لو أن الإنسان حاز الدنيا بحذافيرها وهيئت له جميع أسباب السعادة في عرف الناس وأسباب الراحة ولم يكن من المسلمين هذا من أتعس الناس وأشقاهم- نسأل الله العافية- وأشد الناس بؤسًا من المسلمين أحسن حالا ولا مقارنة بينه وبين أسعد الناس في مقاييسهم وموازينهم الدنيوية إذا كان غير مسلم- نسأل الله العافية- لأنه يؤتى بالرجل بأنعم أهل الدنيا من أهل الضلال والكفر، يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة واحدة فيقال له فيقول ما رأيت خيرًا قط، كيف إذا كان ممن قال الله فيهم {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [سورة النبأ:23] {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [سورة الحجر:48] غمسة واحدة ويقول ما رأيت خيرا قط، ويؤتى بأتعس بأبأس الناس في الدنيا من أهل الإسلام فيغمس في الجنة فيقول ما رأيت بؤسا قط، فهذه أعظم نعم الله ومننه على عبده، فالإنسان يحمد الله- جل وعلا- على أن جعله من أهل هذه الملة ومن أتباع محمد -عليه الصلاة والسلام- "وأسبغ علينا جزيل نعمه وألطافه الجسام" التي تقتضي منا الشكر {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [سورة النمل:19] لكن الإشكال أنه قليل من عبادي الشكور، والشكر هو الذي به تستقر هذه النعم {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم:7] "وكرم الآدميين وفضلهم على غيرهم من الأنام من الخلق" {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء:70] فهو مكرم على سائر أجناس المخلوقات، لكن قد يكون أضل من الأنعام وأسوأ حالا منها إذا لم يتبع محمدا -عليه الصلاة والسلام- {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [سورة الأعراف:179] وهناك مصنف طريف اسمه تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب الله- جل وعلا- يقول {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء:70] يعني على الكلاب وغيره، وهذا يقول: تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، تصور حال غير المسلم، قد يكون في هذه الدنيا منعما ومكرما ومقدما بين الناس لكن ما مآله؟ إلى سقر ولظى -نسأل الله العافية- هذا الحيوانات التي لا تبعة عليها لا شك أنها أفضل منه {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} [سورة النبأ:40] يتمنى أنه ليس بشيء- نسأل الله العافية- "ودعاهم برحمته إلى دار السلام" دار السلام هي الجنة المأوى، جنة الخلد، جنة عدْن "وكرمهم بما شرع لهم من حج بيته الحرام" هذا تكريم من الله- جل وعلا- بأن فرض عليهم هذه الفريضة التي لهم فينا منافع في الدين وفي الدنيا ليشهدوا منافع لهم، فالإنسان إذا فرض عليه أو وجب عليه شيء فيه مصلحته ومنفعته لا شك أن هذا تكريم له "ويسر ذلك على تكرار الدهور والأعوام" يسر الحج على تكرار الدهور والأعوام، والتيسير نسبي؛ لأنه قد يكون الإنسان في هذه الأزمان المتأخرة بعد تيسر وسائر النقل يُسِّر له الحج أكثر من غيره، أكثر من سنين مضت حينما كان طريق الحج بالأشهر صار بالساعات والدقائق بسبب هذا أكثر تيسير، لكن ومع ذلك مع عسره في السابق هو ميسِّر؛ لأنه مهما كان عسره ففي مقابل نتائجه يسر، الأمر الثاني أنهم وإن شقوا في أبدانهم وركبوا الإبل والمطي وجاؤوا على الأقدام رجالا وركبانا من كل فج جاؤوا ومكثوا الشهور يطوون الفيافي والقفار إلا أنهم مع ذلك قلوبهم مرتاحة ومسرورة، وفي هذه الأيام الطريق قد لا يزيد على ساعة والبدن مرتاح على مجلس وثير ومكيَّف ولا يوجد أدنى أثر للتعب ومع ذلك القلب متعبٌ، القلب شقي، وانظروا إلى هؤلاء ونحن وإياكم منهم، يعني الشخص ابن بيئته قبل أن يُفتح باب الطائرة تجدهم يزدحمون وأعصابهم متوترة، متى يفتح الباب، وإذا تقدم عليه أحد أو تعثر متاعه دون الباب تجده مشدودا والقلب يكاد ينفجر، وانظروا إلى الناس عند إشارات المرور إذا أراد شخص أن ينعطف يمينا كي لا تستوقفه الإشارة، لكن لو يقف شخص أمامه والمسألة ثواني القلوب تعبت وشقيت مع الراحة في الوسائل، لكن في السابق تجده يسافر مسيرة شهر على الراحلة في برد الشتاء، في حر الصيف، وهو مرتاح ليروي حديثا واحدا، والآن الأحاديث كلها عندهم زر يضغط زرا وتطلع الأحاديث كلها عنده، والنتيجة لا شيء، ومع الأسف شخص من سكان الأحساء قال إنا كنا قبل هذا الأمن الذي نعيشه، قبل توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز- رحمه الله- يقول: أردنا الحج والطريق في البر ميؤوس منه لكثرة القطاع، فذهبنا إلى البحرين من أجل أن نركب البحر فهو آمن، فقالوا: لا يوجد عدد يستحق أن تستقى الباخرة إلى جدة، لا بد أن تذهبوا إلى بومباي بالهند وهم في الأحساء عندنا هنا!! عشر ساعات وهم واصلون، راحوا للهند وجاؤوا ما حجاج الهند هناك، نِعمٌ نعيشها تحتاج إلى شكر، تحتاج إلى أن يصرف الإنسان جهده لهذا الشكر من أجل أن تستقر هذه النعم، فهل نحن شكرنا هذه النعم؟ شخص كبير مُقعَد صائم يوم عرفة بالرياض ويشاهد الناس وهم ينصرفون من عرفة في بيته في الرياض وبين أولاده بكى قال له ابنه ما الذي يبكيك؟ قال الناس حجوا وفازوا بالأجر العظيم وأنا جالس هنا بالرياض؟! تصوروا رجل كبير وعلى فراشه وصائم وهو رجل صالح، قال له ابنه تريد الحج؟ قال نعم، فرش له فراشا في السيارة واضطجع على هذا الفراش وركب من الرياض بعد غروب الشمس ومر به ولده على عرفة ووقف قبل طلوع الفجر وكمَّل المناسك، حج هذه السنة، من يتصور أن الأمر سيصل إلى هذا الحد؟! ليس على الطائرة على سيارة، تيسير من الله- جل وعلا- تحتاج إلى شكر، ومع ذلك تجد كثيرا من طلاب العلم فضلا عن العامة يسوِّف، نحج هذه السنة أو التي بعدها، وحج الفريضة، وسمعنا من يقول والله المشكلة الآن إجازة الحج نريد أن نستغلها للبحث، مفروض عليه في الجامعة وإذا فاتت الفرصة يمكن أن يفوت عليه البحث فريضة الحج!! وبعضهم يقول لا، الموسم موسم ربيع وأنا أريد أن نطلع ونستانس وننبسط، والسنة القادمة نحج، هذه فريضة الله على عباده تترك وتؤجل من أجل هذه الأعذار الواهية؟! العدني محمد بن عبد الله بن أبي عمر العدني من شيوخ الأئمة حج سبعين مرة ماشيًا "ويسر لهم ذلك على تكرار الدهور والأعوام أحمده أبلغ حمد وأكمله وأتمه وأعظمه وأشمله" أبلغ يعني بالعبارات التي تجمع المحامد، أو أكبر قدر من المحامد؛ لإن الإحاطة بالمحامد لا أحصي ثناء عليك كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن الكلام البليغ الذي يجمع المراد أو أكثر المراد وأكمله وأتمه الكمال والتمام لا شك أن الكمال أعظم من التمام {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [سورة المائدة:3] فالكمال لا يحتاج إلى مزيد والتمام يحتاج؛ ولذلك قال في الدين {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة:3] لأنه لا يحتاج إلى زيادة والنعم {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [سورة المائدة:3] لأنها قابلة للزيادة، "وأعظمه وأشمله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار الكريم الغفار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من خليقته والمختار من بريَّته صلى الله عليه وزاده فضلا وشرفا لديه" ما قال النووي- رحمه الله- وسلَّم، والله- جل وعلا- يقول {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [سورة الأحزاب:56] الأمر بالصلاة مع السلام، والنووي ما قال وسلم، وفي بعض كتبه كذلك، وقد استدرك على الإمام مسلم في شرحه عليه أن مسلما لم يذكر التسليم، اقتصر على الصلاة وأطلق الكراهة، قال: يكره إفراد الصلاة دون السلام، وقد فعل ذلك، بشر يغفل لاسيما إذا طال الكلام بين الصلاة والسلام قد يُنسَى مثل ما في صحيح مسلم، فالنووي أطلق الكراهة على من أفرد الصلاة دون السلام أو العكس، وابن حجر قال الكراهة فيمن كان ذلك ديدنه، يعني عادته دائما يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، لا شك أن الكراهة متجهة؛ لأنه مأمور بالأمرين معًا بالصلاة والسلام، أما من كان يجمع بينهما تارة ويفرد الصلاة تارة ويفرد السلام تارة لا تتجه الكراهة بالنسبة له هذا كلام ابن حجر، مع أنه وقع من النووي وقبله الإمام الشافعي وكثير من أهل العلم وقع منهم إفراد الصلاة، لكن إنما يتم امتثال الأمر في آية الأحزاب للجمع بينهما بين الصلاة والسلام،
يقول- رحمه الله تعالى- "أما بعد" وأما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط، ظرف مقطوع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، فهو مبني على الضم كما في قوله- جل وعلا- {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [سورة الروم:4] لأنه إذا أضيف أعرب "قد خلت من قبلكم"، وإذا قطع عن الإضافة ما نوي المضاف إليه فإنه يعرب مع التنوين:
فساغ لي الشراب وكنت قبلا
أما هنا فهو مقطوع مع نية المضاف إليه مثل الآية "من قبلُ ومن بعدُ" وأما بعد هذه ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبه ومراسلاته عن أكثر من ثلاثين صحابيا، فالإتيان بها سنة بهذا اللفظ أما بعد، أما قولهم وبعد فلا، لا تتأدى بها السنة وهي استعمال متأخر يعني ذكرها الزرقاني في شرح المواهب ويقول إن الواو قائمة مقام أما، هذا ليس بصحيح، كل ما جاء من النصوص عنه -عليه الصلاة والسلام- أما بعد، ولا تحتاج إلى ثم؛ لأنا نسمع أحيانا يقول الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ثم أما بعد، ثم هذه لا نحتاجها ولم تثبت في نص، لو أراد أن ينتقل من أسلوب إلى آخر مرة ثانية ثم قال ثم أما بعد عطفا على أما بعد الأولى ممكن، أما في أول موضع ما تحتاج إلى ثم، واختلف في أول من قالها على ثمانية أقوال عند أهل العلم يجمعها قول الشاعر:
جرى الخلف أما بعد من كانا بادئا |
| بها عُدَّ أقوال وداود أقرب |
ويعقوب أيوب الصبور وآدم |
| وقس وسحبان وكعب ويعرب |
ثمانية أقوال، وبعد قائم مقام الشرط، وما اقترن بالفاء هو جوابها، "أما بعد فإن" هذا جواب الشرط "فإن الحج أحد أركان الإسلام" أحد أركان الإسلام؛ لأن الإسلام بني على خمس كما في حديث عبد الله بن عمر "على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج بيت الله الحرام وصوم رمضان" هذا في الصحيحين في تقديم الحج على الصيام، وبنى البخاري- رحمه الله- كتابه على ذلك فقدم الحج على الصيام في الصحيح، والرواية الأخرى وهي في صحيح مسلم تقديم الصيام على الحج وعليه مشى أكثر أهل العلم في ترتيب كتبهم يقدمون الصيام على الحج، على كل حال ورد في الحج أحاديث تشدد في أمره مما يجعله عند بعضهم آكد من الصيام، وورد أحاديث تشدد في الصيام والوعيد الشديد على من فرط فيه تجعله عند آخرين وهم الأكثر آكد من الحج وكلاهما ركن من أركان الإسلام، ومن ترك الحج كانت له جِدَة واستطاع {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران:97] الذي لا يستطيع غير مكلَّف بالحج لا يجب عليه، لكن المستطيع بعض العلماء يقول مادام ترك ركنا فإنه يكفر، حكم بكفره جمع من أهل العلم وكذلك بقية الأركان، أما بالنسبة للشهادتين فلا شك أنه لا يدخل في الإسلام إلا بهما، من لم ينطق بالشهادتين هذا ليس بمسلم إجماعًا، وأما من ترك الصلاة فالأدلة الصحيحة تدل على كفره «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» «بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» وأما بقية الأركان فالخلاف فيها معروف والأكثر على أنه لا يكفر ما لم يجحد، الحكم الأكثر على أنه لا يكفر، والقول بكفره قول عند المالكية ورواية عند الحنابلة، "ومن أعظم الطاعات لرب العالمين" «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه » {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [سورة البقرة:203] فالمطلوب التقوى سواء تعجل أو تأخر، وإذا تحققت التقوى في الحج رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه لا إثم عليه، والآية معناها بمعنى الحديث، "ومن أعظم الطاعات لرب العالمين وهو شعار أنبياء الله وسائر عباده الصالحين" النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الأنبياء في المطاف، وثبت أنهم كلهم ما من نبي إلا وقد حج هذا البيت، وسائر عباده الصالحين، في تراجم أهل العلم ينصون على أن فلانا حج خمسين سنة، ستين سنة، سبعين سنة، ثلاثين سنة، لا شك أن الحج من أعظم العبادات، وفيه تكفير وتمحيص للذنوب، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فهو شعار عباده الصالحين وشعار أنبياء الله من قبل ذلك، فمن أهم الأمور بيان أحكامه، لا بد ليكون الحج مبرورا أن يكون على ضوء ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- لأنه ثبت عنه أنه قال «خذوا عني مناسككم» كما أن الصلاة كذلك «صلوا كما رأيتموني أصلي» كيف نعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج هكذا إلا بتعلم الأحكام من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وأقوال أهل المستندة للوحيين، "فمن أهم الأمور بيان أحكامه وإيضاح مناسكه وأقسامه وذكر مصححاته ومفسداته" لأن الذي لا يعرف الأحكام لا يعرف كيف يصلي كيف يزكي كيف يصوم كيف يحج؟ هذا قد يقع في شيء يبطل عبادته وهو لا يشعر، قد يترك ركنا، قد يترك شرطا، قد يترك أمرا مبطلا لهذه العبادة وهو لا يشعر، فيجب على المسلم أن يتعلم أحكام ما أوجب الله عليه ليؤديها على وجه صحيح "مصححاته ومفسداته وواجباته وآدابه ومسنوناته" المصححات والمفسدات ليقع حجه صحيحًا مقبولا تترتب عليه الآثار من براءة الذمة من عهدة الطلب، وكذلك الواجبات؛ لئلا يأثم ويلزمه ما يلزم من ترك الواجب والآداب والمسنونات من أجل استكمال الحج واستحقاق الأثر المرتب عليه، الذي هو رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، الحج المبرور ليكون مبرورا لا بد أن يكمَّل على ما سيأتي، "وقد جمعت فيه كتابا كبيرا مشتملا على ما يحتاج إليه" ويقصد بذلك الإيضاح مطبوع في مجلد، وما كتبه في شرح المهذب من أطول ما أُلِّف في المناسك إذ يستغرق كتاب المناسك المجلد السابع والثامن من القطع الكبير من أطول ما كتب في المناسك، شرح النووي على المهذب للشيرازي في مجلدين، وهذا كتاب مستقل في المناسك مطوَّل بالنسبة لما ألف في المناسك لكنه بالنسبة إلى ما كتبه في المجموع فيه نوع اختصار، يقول "وقد جمعت فيه كتابا كبيرا مشتملا على ما يحتاج إليه ولو في نادر من الأحوال" ذكر تنبيهات وذكر مسائل قد يفعلها بعض الحجاج نادرا، ولا شك أن مسائل الحج كثيرة جدا لا يمكن أن تنتهي، ونسمع في كل موسم نوازل ومسائل جديدة، وتسمع من هذا ما لا تسمعه من هذا، وهذا فعل كذا، وهذا فعل كذا، يعني مسائل كثيرة جدا لا تدخل تحت الحصر "ولو في نادر من الأحوال ولكنه طويل بالنسبة إلى أكثر قاصدي الحج" نعم كثير من الناس من طلاب العلم فمن دونهم قد يستطيل هذا الكتاب لكن الحريص على دينه وعلى براءة ذمته مما أوجب الله عليه يقرأ مثل هذا ويقرأ ما هو أطول منه، والعلماء يقرؤون أكثر من منسك ويقرأ عليهم مناسك ويعتنون بهذا الباب عناية فائقة، وكل موسم له كتبه ومؤلفاته فإذا أقبل رمضان اعتنوا بكتاب الصيام مما ألف فيه استقلالا وآيات الصيام وقرؤوا في التفسير ما يتعلق بآيات الصيام وقرؤوا في الحديث الصيام وما يتعلق به من الشروح وهكذا، وإذا جاء موسم الحج كذلك هذه طريقة أهل العلم "ولكنه طويل بالنسبة إلى أكثر قاصدي الحج" أكثر قاصدي الحج عوام فهذا طويل عليهم لا شك، وأما الخواص من طلاب العلم والعلماء فإنهم يقرؤونه ويقرؤون ما هو أطول منه، وقد يقرؤون أكثر من منسك "فقصدت بهذا المختصر" الذي هو الإيجاز الذي هو مختصر من الإيضاح "تلخيص مقاصد ذلك الكبير بحيث يفهمه العوام" المختصر في خمسين صفحة صغيرة يعني يمكن يقرأ عند بعض الجادِّين في جلسة ويفرغ منه؛ لأنه يجمع مقاصد الكتاب المطوَّل الذي فيه المسائل المتفرقة "بحيث يفهمه العوام" لأن أسلوبه مبسط وسهل وسلس، "ولا يرد العلماء الكرام" يعني من اقتنائه وقراءته وإقرائه للطلاب وشرحه لهم لأنه قصير، وما الذي ردنا عن الإيضاح طوله مع ضيق الوقت، لكن هذا ما يرد العلماء لأنه ينتهى منه في مدة يسيرة "وعلى الله الكريم اعتمادي" وتقديم المعمول على العامل يدل على الحصر "وإليه تفويضي واستنادي" مثل ما في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة:5] "وهو حسبي ونعم الوكيل" حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد -عليه الصلاة والسلام- حينما قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، يعني يكفيني كل ما أهمني وكل ما أغمني وكل ما أخشى وكل ما أخاف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من حج هذا البيت» يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أن الامتثال يتم بقولنا صلى الله عليه وسلم امتثال الآية، وإذا ذكرنا الآل فلنذكر الأصحاب لأن الآل لهم حق على الأمة؛ لأنهم آله ووصيته -عليه الصلاة والسلام- لأنهم أوصى بهم، وصحابته لهم فضل علينا وفضل على الأمة في سائر الأمصار والأعصار؛ لأن الدين ما وصلنا إلى عن طريقهم "من حج هذا البيت" المقصود به الكعبة "فلم يرفث ولم يفسق" الرفث هو الجماع ودواعيه وما يتعلق به ويحض عليه "ولم يفسق" يعني لم يرتكب محرمًا يخرج به من دائرة التقى إلى دائرة الفسق "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" يعني رجع بدون ذنب، وكيومَ الكاف معروف أنها حرف جر، ويوم مبني على الفتح لأنه ظرف أضيف إلى جملة صدرها مبني، أضيف إلى جملة صدرها مبني، ولدته فعل ماضي مبني على الفتح، ولو أضيف إلى جملة صدرها معرب لأعرب {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ} [سورة المائدة:119] رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما يقول في صحيحهما لهما صحيح واحد أو اثنين؟ صحيحيهما هذا الصواب وإذا قيل في صحيحهما؛ لأن الأمر معروف، هناك صحيح البخاري وصحيح مسلم، الرفث اللغو، والفسوق المعصية، هذا قول كثير من أهل العلم أن المراد بالرفث اللغو وهو الكلام الذي لا قيمة له، وكثير من الناس يحج ويرجع وهمه القيل والقال، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أثقل عليه من جبل، وأما قيل كذا وقال فلان كذا وفي القناة الفلانية كذا وجاءت رسالة تقول كذا مما لا فائدة فيه هذا سهل على النفوس، وقد يقول قائل أن الحج أربعة أيام أو أقل أربعة أيام لن أتكلم بكلمة إلا بقدر الضرورة من أجل أن أحقق «لم يرفث ولم يفسق» لكن إذا كان في حال السعة في حال الرخاء أوقاته معمورة بالقيل والقال هل يوفَّق لأن يمسك لسانه؟! لا يستطيع، لو أردت أن تنظر فانظر إلى من جاء ليجاور في البيت الحرام في المسجد في العشر الأواخر من رمضان في ليالي هذه العشر وفي الأوتار وفيما يرجى أنها ليلة القدر، وهو همه وديدنه في ساعاته القيل والقال هل يستطيع أن يمسك لسانه؟ هو تغرب قال يجلس عشرة أيام ويمشي هو ما قصده من هذا التقرب؟ قصده الأجر العظيم من الله- جل وعلا- جاء من أجل الثواب ثم تجده إذا كان ما تعود عمارة وقته بالذكر والتلاوة ويريد أن يوفَّق في هذه الأيام لذلك في الغالب أنه لا يستطيع، ورأيناهم يستند على عمود ويصلي العصر ويجلس ولا يخرج إلا بعد التراويح تجده يفتح المصحف ويقرأ له صفحة صفحتين ثم يلفت ليرى أحدا قادم أو ذاهب، فإذا لم ير أحدا رجع يقرأ صفحة صفحتين ويفعل ذلك أكثر من مرة، ثم يقوم هو يبحث على الناس، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أنت من أهل القرآن تقرأ القرآن، لك نصيب من القرآن، لك ورد حزب من القرآن محدد لا تفرط فيه؟ أبشر بالخير، أما إذا كنت ما تعودت أن تجلس من أجل القرآن من رمضان إلى رمضان أو إذا بكر لصلاة من الصلوات خمس دقائق قبل الإقامة أخذ مصحفا وقرأ من أجل تمضية الوقت مثل هذا لا يعان على قراءة القرآن، ولا يعان في الحج على أن يمسك عن اللغو، فتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، الإنسان يقدم في وقت الإمكان، وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» مما يدل على الفضل العظيم المرتَّب على هذه العمرة، ولا حد لما بين العمرتين لأنه قال العمرة إلى العمرة وهو أطلق فكل ما أكثرت من العمرة حطت عنك ذنوبك.
طالب: .............
العمرة مختلف فيها عند أهل العلم «حج عن أبيك واعتمر» {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [سورة البقرة:196] هذه مما يستدل بها من يقول بالوجوب وهو المرجَّح، ومن أهل العلم من يقول لا، الواجب هو الحج والعمرة نفل، على كل حال عمرة مرة في العمر المتجه وجوبها كالحج، لكن ليست مثله في درجة الوجوب، هذا ركن وهذه واجبة من الواجبات، يعني لو تركها دينه ما عليه خطر إلا أنه يأثم «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وهذا متفق عليه، كفارة لما بينهما مع مراعاة القيد الوارد في أكثر من حديث «ما اجتنبت الكبائر» «ما لم تغش كبيرة» فمثل هذه المكفرات إنما تكفر الصغائر، "الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة كفارات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر"، "ما لم تغش كبيرة" قال رواه البخاري ومسلم، والمبرور: الذي لا يخالطه إثم الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم ليس فيه لا رفث ولا فسوق هذا المبرور، وقيل هو المقبول والقبول مرتَّب على اجتناب الرفث والفسوق والمعاصي والمفسدات، وتصحيح الحج بفعل واجباته وشروطه وأركانه والبعد عن مفسداته، قال "ومن علامات القبول أن يرجع خيرا مما كان عليه ولا يعاود المعاصي والمكروهات" يعني لو نظر الإنسان في نفسه في حاله وقد حج ورجع سنة، ثم حج ورجع سنة ثانية، ثم حج ورجع عشر سنين وعاد إلى بلده كيف وضعه بين الحجتين؟ هل هي أفضل مما قبله أولا؟.. كثير من الناس يرجع كما هو ما يتغير من حاله شيء، هذا مشكوك في قبول حجه في بر حجه لأنه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لو كان حجه مبرورا لكن مادام عاد إلى ما كان يزاوله قبل ذلك من آثام ومعاصي وجرائم }{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27] يعني إذا نظرنا إلى من يعتكف مثلا في العشر الأواخر من رمضان ويلزم المسجد ثم يعلن عن الشهر وكان من عادته قبل ذلك يفوته شيء من الصلوات قد يفوته شيء من صلاة العشاء ليلة العيد؛ لأنه متعود على هذا، لكن إذا تاب وأناب وصدق في توبته وأحسن في اعتكافه؛ لأن بعض الناس يعتكف اسما لا يحسن في هذا الاعتكاف، تجده يمضي وقته في هذه الآلات ومتابعة الأخبار والقيل والقال وبعضهم يدخل جرائد للمسجد وفيها صور وإنترنت وما أشبه ذلك، هذا على خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام- "ومن علامات القبول أن يرجع خيرا مما كان عليه ولا يعاود المعاصي والمكروهات" {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [سورة العنكبوت:45] خرج من المسجد وفعل معصية كبيرة أو صغيرة، هذا ليس له من صلاته إلا ما يحكم على شيء بشيء لكن العلامة هذه {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [سورة العنكبوت:45] لو كانت صلاته على مراد الله وعلى ضوء ما جاء عن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ما فعل المنكر، تجده يصوم بالنهار ويزاول ويغشى المنكرات في الليل والصيام كتب علينا لماذا؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:183] والذي يحج ويرجع كما كان ما استفاد، فعلينا أن نسعى إلى تطبيق مثل هذا الكلام لتكون حالنا أفضل من حالنا قبل الحج مما يستدل به على أن الحج مبرور، "فإذا استقر عزمه على الحج بعد الاستخارة" الحج إذا كان فريضة وركن والمرجَّح أنه على الفَور هذا ما يستخار في نفس الحج، إنما تعود إلى أمور خارجية، يستخير في أن يسافر على هذه الوسيلة، أو تلك مع هذه الرفقة أو مع غيرهم مع هذه الحملة أو مع تلك، هذا محل الاستخارة أما أصل الحج الذي هو ركن متعين عليه وعلى الفور هذا ما يستخار فيه، "فإذا استقر عزمه على الحج بعد الاستخارة بدأ بالتوبة من كل المعاصي والمكروهات" بدأ بالتوبة التوبة واجبة في كل وقت التوبة واجبة في كل وقت {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} [سورة النــور:31] التوبة واجبة لكن هو مسافر ولا يدرَى هل يصل أو لا يصل، هل يرجع أو لا يرجع؟ يستحضر هذه المعاني فيتوب ويتهيأ لهذه الشعيرة العظيمة، يطهر نفسه من الأدران ومن آثارها بالتوبة النصوح "وخرج من مظالم العباد" يعني بينه وبين فلان معاملة بينه وبين علان معاشرة والمعاشرة وطول المخالطة لا بد أن يحصل فيها شيء، يخرج من هذه المظالم يتحلل منهم ويطلب منهم الحل "وقضى ما عليه من دَين" يجب قضاء الدين قبل الحج ولا يجوز له أن يحج ما لم يستطيع أن يبرأ ذمته منه هذا المال، وهذا المبلغ الذي يحج فيه أو به يدفعه إلى الدائن أوجب وآكد "ورد الودائع" احتمال أنه لا يرجع فتضيع تلك الودائع على أهلها وهذه الديون على أربابها "واستحل ممن بينهم وبينه معاملة أو مصاحبة على ما تقدم وكتب وصيته" «ما من مسلم» في حديث ابن عمر «ما من مسلم له شيء يوصي فيه فيبيت ليلة أو ليلتين إلا وصيته مكتوبة عند رأسه» لكن إذا تغير حاله إلى حال يحتمل فيها أنه يموت لا يعود كذا يحصل ما يحصل ويعرض له ما يعرض تأكد ذلك في حقه "وكتب وصيته إن كان له مال يوصي به ويشهد عليها" وإذا كانت عنده ديون غير حالة أو ودائع بحث عن أصحابها فلم يجدهم يكتبها في وصيته يجب عليه أن يكتبها.
"ويشهد عليها وترك لأهله مؤونتهم مدة ذهابه ورجوعه" «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون» يحج وأولاده يتكففون الناس لا، يجب عليه أن يترك لهم مؤونتهم "ويجتهد في رضا الوالدين" يجتهد في رضا الوالدين وهذه كلها مقدمات ليكون الحج مبرورا، أما شخص عليه ديون ولم يستأذن وعنده ودائع ومشى وترك وفرط فيه، أو له والدان ولم يرضهما هذا كيف تتهيأ نفسه للحج المبرور لا يعان عليه ولا يوفَّق له، مثل ما ذكرنا عن حاج حج من بغداد ثلاث مرات ماشيا يقول: وفي المرة الثالثة ذكر في ترجمته في بعض كتب التواريخ جاء من الحج وقد ذهب ماشيا ورجع ماشيا دخل البيت فإذا أمه نائمة اضطجع بجوارها فانتبهت به وقالت له يا فلان اسقني ماء، يقول أنه تثاقل جاء من سفر بعيد وآلاف الأميال وتعبان فصعب عليه وسمع الكلام ثم قالت له الثانية أسقني يا فلان ماء كذلك، لما قالت الثالثة حاسب نفسه قال أذهب على الأقدام آلاف الأميال في حج نفل وأمي مما يجب برها، حقها آكد الحقوق بعد حق الله جل وعلا تطلب ماء ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع عنه ولا يستجيب؟! شك في حجه أنه لو كان لله ما فعل مع أمه هذه الفعل لا يمكن أن يفعل هذا الفعل وقد حج ثلاث مرات إلى مكة ماشيا، ذهب وسأل والقصة معروفة فقيل له أعد حجة الإسلام حجك ليس لله أصلا، شرط الإخلاص متخلف ليس بموجود، مادام أمك تقول أعطني ماء ولا تجيب لا تحضر لها الماء لا شك أن شرط الإخلاص فيه ما فيه مع أن الفقيه في مثل هذه الصورة إذا كان الحج متوافرة شروطه وأركانه وواجباته وأدي على وجه تبرأ به الذمة ظاهرا تترتب عليه يصححونه ما يقولون له أعد.
المؤذن يؤذن.
قال- رحمه الله- "ويجتهد في رضا الوالدين ومن يتوجه عليه بره وطاعته" من الأعمال والأخوال والإخوة والأخوات ممن تجب صلتهم "وإن كانت امرأة استأذنت أيضا زوجها" استأذنت زوجها لأن حقه متعيِّن عليها فلا تحج إلا بإذنه، وإن اختلفوا في الفريضة أنه لا يجوز له أن يمنعها بل يجب عليه أن يأذن لها وإن لم يجب عليها أن يحججها؛ لأن الحج ليس بواجب على الزوج أن يحجج امرأته أو يحج بها، وإنما عليه أن يأذن بها وهذا في حج الفريضة، وأما التطوع له أن يمنعها وله إذا أحرمت أن يحللها، "وإن كانت امرأة استأذنت أيضا زوجها ويستحب للزوج أن يحج بها" يستحب استحباب ولا يلزمه ذلك، "وللوالد والوالدة منعه" يعني منع الولد ذكرًا كان أو أنثى "من حج التطوع" فللوالد والوالدة منعه من حج التطوع "وليس لهما منعه من حج الفرض كالزوج وللزوج منعها من حج التطوع وكذا من حجة الإسلام على الأصح لأن حقه ناجز على الثور والحج على التراخي" يعني هذا المرجَّح عندهم أن الحج ليس على الفور وإنما هو على التراخي على مذهب الشافعية؛ لأن الحج فرض سنة ست فيما يقررونه ولم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا سنة عشر، فدل على أن الحج عل التراخي وإذا كان على التراخي وحق الزوج على الفور قُدِّم حق الزوج فله منعها من حق الفريضة، لكن المصحح المرجح أن الحج على الفور وأن الحج فرض سنة تسع وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- سنة عشر ولم يحج سنة تسع وإنما أمر أبا بكر أن يحج سنة تسع بالناس ويؤذن في الناس بالحج ألا يحج بعد العام مشرك وألا يطوف بالبيت عريان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطيق أن يرى هؤلاء العراة فتأخر حتى يبلَّغ الناس بهذا الأمر ويلتزمه الناس ويحجوا من دون رؤية هذه المنكرات، يقول بعض الناس أنا أؤخر الحج حتى تتغير الأحوال لأن الناس الآن فيهم تبرج وعندهم منكرات وأنا أخشى أن أقع في شيء يقبل هذا العذر؟ لا يقبل "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني" لكن لو حج نافلة وأراد أن يوازن بين المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات له ذلك، أما حج الفريضة والأمور الواجبة ما يتعذر بمثل هذا، ما يمكن أن يتعذر بمثل هذا وكان حج نفل أو يعتمر نفلا في رمضان أو في غيره، قال والله الحرم فيه تبرج ومكة فيها تبرج وكذا والوافدين لهم عاداتهم وطباعهم لا أستطيع أن أرى هذه المناظر، وبالفعل بعض الناس يرجع آثما، يرجع من حجه أو من عمرته آثما، يقع في منكرات، ويقع في محرمات، ويقع في أشياء، مثل هذا نقول درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لكن الفريضة الذين قالوا كما قال الله عنهم {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [سورة التوبة:49] قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم إذا رأوا بنات بني الأصفر لا يصبر ما عُذِر؛ لأنه في مقابل جهاد فريضة، أما بالنسبة للنوافل فالإنسان يوازن ما يروح يعتمر ويرجع محمَّلا بالآثام والأوزار، "وكذا من حجة الإسلام على الأصح" ومما قيل في تقديم أبي بكر في حج سنة تسع تأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عشر قالوا إن حجة أبي بكر كانت في شهر ذي القَعدة لأن عندهم النسيء يؤخرون شهرا من كل سنة وفي حجته -عليه الصلاة والسلام- استدار الزمان فوقعت الحجة في وقتها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حج قبل حجة الإسلام أكثر من مرة، ورآه جبير بن مطعم واقفا بعرفة فاستنكر وقوفه بعرفة وهو من الحمس يعني قبل أن يسلم جبير، فاستنكر لأن قريشا الحمس منهم إنما يقفون بالمشعر الحرام في مزدلفة ولا يقفون مع الناس، يرون أنهم هم أهل الحرم فلا يخرجون مع الناس وهذه القصة في الصحيح يدل على أنه حج مرتين أو أكثر قبل حجة الإسلام، قبل أن يفرض الحج عليه -عليه الصلاة والسلام-.
نقف على الفصل وإن كان القدر قليلا بالنسبة لحجم الكتاب لكن أنا أرى الكتاب ما وصل بعد ، صُوِّر؟
طالب: .............
لا، ضروري وجود الكتاب بأيدي الطلاب.
كم باقي على الإقامة؟
طالب: .............
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"