عمدة الأحكام - كتاب الزكاة (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب الزكاة

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل - حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب الزكاة

والكتاب سبق التعريف بها مراراً، أظن هنا في كتاب الطهارة، نعم كتاب الطهارة شرح هنا وإلا وين؟ إيه سبق التعريف به ولا مانع من التذكير بشيء من ذلك.

فالكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابةً وكتباً، وأصل المادة يدل على الجمع، ومنه: تكتب بنو فلان اجتمعوا، وجماعة الخيل يقال لها: كتيبة، والمراد به هنا المكتوب، المراد بالمصدر اسم المفعول مثل الحمل يراد به المحمول، فالمراد هنا بالكتاب المكتوب الجامع لمسائل الزكاة، والكتاب والكتابة يقول أهل العلم: إنها من المصادر السيالة التي تحدث شيء فشيئاً، فالكتاب إنما يحدث تدريجياً باجتماع الحروف والكلمات، ولا يحدث دفعة واحدة كالقيام مثلاً، لا.

والزكاة تطلق في اللغة ويراد بها النماء والتطهير، ولذا جاء في زكاة الفطر أنها طهرة للصيام، وزكاة الأموال {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] ليش؟ لأي شيء؟ نعم؟ {تُطَهِّرُهُمْ} [(103) سورة التوبة] فالزكاة في الأصل الطهارة فهي تطهر المال وتزكيه وتنميه، وتطهر صاحب المال من الأوصاف الذميمة، تطهره من صفتي البخل والشح، كما أنها تنظف المال وتنميه، وثبت في الحديث: ((ما نقص مال من صدقة)) والملاحظ أن الذين يخرجون الزكوات، ويزيدون عليها من أنواع الصدقات أموالهم تزيد؛ لأنه قد يقول قائل: كيف تنمي المال والأمر محسوس؟ ألف ريال أخرجنا منه خمسة وعشرين ريال زكاة، صار الباقي تسع مائة وخمسة وسبعين، كيف تقول: تنمي المال؟ نقص المال؟! نقول: لا أخي ما نقص، انظر إلى العاقبة، كم من شخص تصدق بشطر ماله، بثلث ماله، أضعاف مضاعفة عن الزكاة، وأمواله تنمو وتزيد، والواقع يشهد بذلك، وكم من شخص شح بالزكاة المفروضة، وبخل بها، واضمحل ماله، وضاع ماله، ولم يستفد من ماله لا في دينه ولا في دنياه، بل بعضهم صار ماله وبال عليه.

الزكاة ركن من أركان الإسلام بالإجماع؛ لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) فهي ركن من أركان الإسلام، من جحد وجوبها كفر إجماعاً، ومن اعترف بوجوبها ومنعها أخذت منه قهراً، وقوتل عليها، تأخذ منه قهراً، والصديق -رضي الله عنه وأرضاه- بالاتفاق مع الصحابة قاتلوا الذين منعوا الزكاة، وأقسم بالله ليقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فشأنها عظيم، وأما من جحد وجوبها فهو كافر بلا نزاع؛ لأن وجوبها معلوم بالضرورة من دين الإسلام، ومن منعها فلم يزك ماله مع اعترافه بوجوبها فقد أتى موبقة من الموبقات، وعظيمة من عظائم الأمور، والجمهور على أنه لا يكفر بذلك، والقول بكفره قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمهور على خلافه، والقول بكفر تارك أحد الأركان العملية قول معروف، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، أقول: هذا القول قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمهور على أنه لا يكفر إلا بجحد وجوبها، فالزكاة شأنها عظيم، والأدلة عليها متضافرة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهي قرينة الصلاة بنصوص كثيرة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول:

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل.

ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأحد العبادلة، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، أخباره ومناقبه شهيرة، ومعاذ بن جبل من جل الصحابة، ومن أعلمهم وأعرفهم بالحلال والحرام، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- حين بعثه إلى اليمن معلماً وداعياً إلى دين الإسلام، وذلك سنة تسع أو عشر أو ثمان على خلاف بين أهل العلم، ومكث فيها يدعو الناس إلى الدين، ويعلمهم الأحكام إلى أن قدم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال حينما بعثه إلى اليمن ليستعد لمن أمامه: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) ولا شك أنه بمثل هذا يستعد لمن أمامه، فكل إنسان يهتم لمن أمامه بقدر مستواه العلمي، فالذي يلقي كلمة عند عوام لا يتهم ولا يحتاط لنفسه مثل من يدرس طلاب علم، والذي يدرس المنتهين لا شك أن يهتم أكثر ممن يدرس المبتدئين، نعم، هذا شيء معروف، فالذي أمامك هو الذي يحدد اهتمامك، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له هذا الكلام: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) لكي يحتط لنفسه، فالاحتياط في مخاطبة من مثل هؤلاء الذين عندهم شيء من العلم أشد من الاحتياط ممن ليس كذلك من عبدة الأوثان الذين لا علم عندهم.

((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) والأصل أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، واليمن فيه يهود، وجهة نجران وما والاها فيها نصارى في ذلك الوقت، على كل حال أهل الكتاب موجودين في جنوب الجزيرة، واليهود أيضا موجودين في المدينة وخيبر وغيرها.

((إنك ستأتي قوم أهل كتاب)) وأهل إعرابها بدل من قوم، فإذا جئتهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرسم منهج للدعاة، وهذا المنهج يتمثل في الاهتمام بالأهم فما دونه، الاهتمام بالأهم، يجعل الأهم هو في العناية بالدرجة الأولى، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، فإذا جئتهم فادعهم إلى الإسلام، ادعوهم إلى الإسلام والإسلام إنما يكون بالشاهدة، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أهل الكتاب الذين نزل القرآن وهم موجودون في الأرض كمن بعث إليهم معاذ، وكمن هم في المدينة النبوية، وفي غيرها من أقطار الأرض، في ذلك الوقت هم أهل كتاب، وسموا أهل كتاب في التنزيل في القرآن مع أن عندهم شيء من الشرك، وتختلف معاملتهم عن معاملة المشركين، ولهم أحكماً تخصهم يختلفون بها عن سائر طوائف الكفر من المشركين وغيرهم، ولذا تحل ذبائحهم، وتنكح نسائهم، وطعامهم حل لنا بخلاف طوائف الكفر غير أهل الكتاب، وفيهم شرك يشركون، يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، النصارى يقولون: المسيح ابن الله، واليهود يقولون: عزير ابن الله، على كل حال هم فيهم شرك، ولذا يقرر جمع من أهل العلم أنهم ليسوا مشركين، هم كفار إجماعاً، ومن شك في كفرهم كفر إجماعاً، هم كفار لا إشكال في هذا، لكن هل يقال: إنهم مشركون لوجود الشرك فيهم؟ أو يقال: فيهم شرك؟ يقال: فيهم شرك، كما قرر ذلك الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وفرق بين أن تقول: مشرك وفيه شرك، ومنافق وفيه نفاق، وجاهلي وفيه جاهلية، فرق بين هذا وهذا، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا يحتاج في نساء أهل الكتاب إلى مخصص يخرجهن من قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] يقول: هن ليس بمشركات إنما فيهن شرك، لا نحتاج إلى مخصص، والذين يقولون: هم من ضمن طوائف المشركين مثل غيرهم شركهم لا يقل عن شرك غيرهم، يقول: الآية خصصت بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] المقصود أن هذه المسألة هم كفار إجماعاً، كفرهم أكبر ليس بقابل للغفران، لكنهم هل يطلق عليهم الشرك، أو يقال: فيهم شرك؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، والفوائد المترتبة على هذا، لا يعني أن كفرهم أقل من كفر غيرهم، لا هم كفار على كل حال {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] كفروا، المقصود أنهم كفار، لكن إذا قلنا: إنهم مشركون يعاملون معاملة المشركين في سائر الأحكام، وإذا قلنا: إنهم كفار وفيهم شرك يستثنون في بعض المسائل، وقد جاء استثناؤهم في بعض نصوص الكتاب والسنة.

((فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هذا الذي يدخل به في الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فبهذا الكلمة يدخل الإسلام، لا بد أن يوحد الله، وأن يفرد الله بالعبادة ((إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) وهذا قد يقول القائل منهم: إنهم يعترفون بأنه لا إله إلا الله، ويعترفون بالله -جل وعلا-، وأنه هو الخالق الرازق، وإن صرفوا لخلقه شيء من أنواع العبادة، يعني كما يقع من بعض المسلمين، بعض من ينتسب إلى الإسلام تجده يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ويطوف على قبر، وقد يذبح لغير الله، وقد يزاول الشرك الأكبر، وهو يدعي، ومع ذلك قد يقول: إننا نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، لكن لا بد مع ذلك أن يشهدوا أن محمداً رسول الله، وهذا الذي لا يدعونه، اليهود والنصارى لا يدعون ذلك، يعني قد يدعون أنهم يشهدوا أن لا إله إلا الله، باعتبار أنهم أهل كتاب، وأنهم تبع لنبي ولرسول من الرسل، لكن لا يمكن أن يدعوا أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله، فلا بد من هذا، ولذا يقرر أهل العلم أن من كفر بشيء لا يسلم ولا يدخل في الإسلام، ولا يحكم بإسلامه حتى يعترف وينص على ما كفر به، يعني لو وجد مثلاً شخص يؤمن بالله وبملائكته وكتبه ورسوله ولا يؤمن باليوم الأخر نقول: لا يدخل في الإيمان، ولا يصح منه الإيمان حتى يعترف ويقر ويؤمن باليوم الأخر، وقل مثل هذا في بقية الأركان، حكم بكفره لأنه جحد وجوب الزكاة، لا يقبل منه الدخول في الإسلام حتى يتعرف بما جحد، ومثل هذا جميع شرائع الدين التي يفكر جاحدها مما عُلم من الدين بالضرورة، فلا بد من التنصيص على ما كان ينكره قدم الدعوة إلى الشهادة لأنها هي المفتاح، يعني الذي ليس معه مفتاح يرجع بدون دخول ما دخل لو عمل ما عمل، لو اعترف وامتنع أن يقول: لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله، وصلى وصام صار صوام قوام يصوم الدهر ويقوم الليل ما ينفعه هذا؛ لأن القبول الأعمال مترتب على الإيمان، فالإيمان بالله -جل وعلا- شرط لقبول جميع الأعمال، فهذه هي المفتاح، ثم بعد ذلك إذا فتح الباب ودخل قيل له: قف بعد هذا أركان، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم، نعم مراتب، إذا تجاوزوا المرتبة الأولى بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، نعم، ينتقلون إلى المرحلة الثانية فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.

((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) أقروا واعترفوا وشهدوا واعتقدوا حينئذٍ العمل المترتب صحته عليها بالدرجة الثانية الصلاة ((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) مفهومه أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك، مفهوم هذا الكلام أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم، إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات، ترى المسألة دقيقة يا الإخوان انتبهوا، منطوق واضح أنهم إذا اعترفوا وشهدوا وأقروا وأذعنوا بالشهادتين انتقل إلى الركن الثاني، إذا لم يفعلوا ذلك المفهوم من اللفظ فإنهم أطاعوا لك بذلك إن لم يطيعوا لك بذلك فأخبرهم الأصل، نقول: فلا تخبرهم؟ إن لم يطيعوا لك فلا تخبرهم؟ أو أخبرهم أن الله لم يفترض عليهم؟ أو ما في فرق بين الجملتين؟ في فرق بين المفهومين؟ هل المسألة مسألة مجرد إخبار، أو عمل بالمخبر به؟ فالمرحلة الثانية هي مجرد إخبار بوجوب الصلاة وافتراضها عليهم، وعلى هذا إذا لم يعترف بالشهادتين هل هو مطالب بالصلاة أو غير مطالب؟ لأن مفهوم الجملة الثانية منطوقها واضح، لكن مفهومها، هل مفهوم الجملة الثانية أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم أن الله افترض عليهم وأن كان الله قد افترض عليهم، أو المفهوم الثاني والاحتمال الثاني أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فإن الله لم يفترض عليهم خمس صلوات؟ لم يفرض عليهم خمس صلوات، لماذا؟ لأنهم لم يطيعوا لك بالشهادة في كل يوم وليلة، فرق بين المفهومين وإلا ما في فرق؟ الفرق بينهما أنه إذا كان الامتناع عن مجرد الإخبار عن الافتراض فهذا عمدة من يقول: بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، المفهوم الثاني أنهم إذا لم يشهدوا إن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فأخبرهم أو لا تخبرهم، هذا سيان عاد يبقى فأخبرهم أو لا تخبرهم، هذا سيان عاد يبقى أن الله لم يفترض عليهم لم يفرض عليهم خمس صلوات، وهذا فهم من لا يرى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ما الراجح من الاحتمالين؟ الاحتمال الأول أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك ولم يشهدوا ولم يعترفوا ولم يعتقدوا لا تخبرهم، وإن كان الله قد فرض عليهم خمس صلوات، لكن لا تخبرهم، ما في فائدة من أخبارهم، نعم؟ لا تخبرهم، أو نقول: الله -جل وعلا- لم يفرض عليهم؛ لأن هذه أمور رتب بعضها على بعض؛ لأنك لو أخبرتهم أن الله فرض عليهم، أو عرفوا هم أن الله -جل وعلا- فرض عليهم هم لم يسلموا، ما الفائدة من علمهم بذلك؟ وما الفائدة من تكليفهم بفروع الشرعية؟ وشرط قبول العمل غير متحقق وهو الإيمان، يعني مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشريعة مسألة معروفة عند أهل العلم، والجمهور على أنهم مخاطبون خلافاً للحنفية، أو مخاطبون بالنواهي دون الأوامر كما يقول بعضهم، أنتم معي يا الإخوان وإلا ما أنتم معي؟ الجمهور يستدلون بمثل قوله -جعل وعلا- عن الكفار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42-44) سورة المدثر] إلى آخر ذكروا فروع، الذي أدخلهم النار فروع والذين يقولون بأنهم غير مخاطبين يقول: الشرط غير موجود، كيف تتطلب شيء وشرطه غير موجود؟ وهنا رتبت مطالبتهم بالصلاة على دخولهم في الإسلام، ومفهوم هذا أنهم إذا لم يدخلوا في الإسلام لا يطالبون بالصلاة، والجمهور يقولون: نعم لا يطالبون بالصلاة حال كفرهم، ولا يؤمرون بقضائها إذا اسلموا، إذاً ما الفائدة من تكليفهم بالفروع؟ ما معنى تكليفهم بالفروع؟ الجمهور يقولون: إن الفائدة الزيادة في عذابهم على مجرد ترك الإيمان، فهم يعذبون على ترك الإيمان، وترك الصلاة، وعلى ترك الزكاة، وعلى ترك الحج، وعلى ترك سائر فرائض الدين، وعلى ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لأنهم مخاطبون، لكن عرفنا مأخذ القولين من الحديث؟ نعم؟ عرفنا مأخذ القولين من الحديث؟ يعني رأي الجمهور بالمثال التقريبي نعم؟ بالمثال التقريبي شخص مريض، يعني كشف عليه، كشف عليه الأطباء، وأجرون التحليلات اللازمة والفحوصات الكاملة فتبين فيه عدة أمراض، فيه عدة أمراض، هذا المريض فيه سلطان بالكبد، وفيه قرحة في المعدة، وفيه جرح في القولون، وفيه التهاب بالحلق، وفيه جرح يسير في أصبعه وإلا في رجله وإلا، يعني إذا عالجت الجرح الذي في رجله مثلاً، أو حاولت تصرف له علاجات لعلاج المعدة مثلاً، والآن عنده سرطان في الكبد، يعني الأطباء يقولون: أهم شيء نعالج هذا ها الحين، إذا شفي هذا عالجنا..، لأن هذا أمور يرتب بعضها على بعض؛ لأنه إذا استمر السرطان في الكبد ما تعالج، لا سيما إذا كان الذي ترتب عليه أذى له، مثال تقريبي، لكن الآن عندنا أمور يشترط بعضها شرط لبعض، كيف نطالب شخص بالصلاة وهو ما أسلم؟ نقول: يا الإخوان ليس القصد من هذا أنه يطالب بها قبل أن يسلم، وكونه لا يقبل منه إذا فعله حال كفره ولا يطالب به بعد إسلامه بقضائه لا يعني أنه يعذب عليه يوم القيامة كما يعذب على ترك الإيمان، ولو قلنا بأنه لا يخاطب بها لأنه لم يأت بشرطها لزم على هذا إيش؟ أنت وأنت ماشي إلى المسجد، وفي طريقك الصلاة مقامة تسمع الله أكبر، الله أكبر، أقيمت الصلاة، وفي طريقك ناس، أنت تقول لهم: صلوا وألا تقول: توضئوا؟ أو تسأل كل واحد منهم: أنت متوضئ لو قال لك: إيه قلت: صل؟ إن قال لك: لا توضأ قبل، نعم؟ الصلاة، والوضوء شرط لها، إذاً هم مطالبون بالصلاة وإن لم يتحقق شرطها، كما أن من وقف في طريق الناس وقت الصلاة يطالب بالصلاة وإن لم يتوضأ، يتوضأ من لازمها أن يتوضأ بجميع لوازمها، وإلا يلزم عليه أنه إذا عرفنا أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله مقتضى الحديث نسمعه يتشهد، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وعنده أموال نسأله أنت تصلي وإلا لا؟ إن قال: نعم أصلي قلنا: يا الله هات الزكاة وإلا تركناه، لا سيما عند من يقول بعدم كفر تارك الصلاة، هل يرتب قبول الزكاة على قبول الصلاة؟ لأن السياق واحد ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم)) يعني إن أطاعوا لك بالشهادة أخبرهم بالصلاة، أطاعوا لك بالصلاة أخبرهم بالزكاة، كل واحد مرتب على الثاني، لكن هل يقول لا سيما الذي لا يقول بكفر تارك الصلاة هل يرتب عليها الزكاة؟ لا يطالب بالزكاة، وعلى كل حال مخاطبة الكفار بفروع الشريعة هو قول جمهور أهل العلم، وعرفنا أن الفائدة من ذلك الزيادة في عذابهم يوم القيامة، وإن كانوا لا يطالبون بها أثناء كفرهم، ولا يؤمرون بقضائها إذا أسلموا.

((فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وشأنها في الدين عظيم عند أهل التحقيق، يكفروا بمجرد تركها، والصحابة كانوا لا يرون شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) المقصود أن الصلاة شأنها عظيم، افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وجاء في حديث هل علي غيرها؟ قال: ((لا إلا أن تطوع)) ويستدل به من يرى أنه لا يجب شيء من الصلوات غير الخمس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأعرابي لما قال له: هل علي غيرها؟ قال: ((لا إلا أن تطوع)) ثم قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فيستدل بهذا من يرى عدم وجوب أي صلاة من الصلوات، فالوتر ليس بواجب بدليل هذا الحديث، صلاة العيد ليست بواجبة بدليل هذا الحديث، صلاة الجنازة ليست بواجبة بدليل هذا الحديث إلى آخره، صلاة الكسوف مع الأمر بها ليست بواجبة بدليل هذا الحديث، وغير ذلك من الصلوات، والذين يجيبون عن هذه الصلوات يجيبون عن ذلك بأجوبة منها: أنها المقصود في اليوم والليلة، ولا يمنع أن يوجد صلوات في غير اليوم والليلة، فالعيد في السنة مرتين، الكسوف عند وجود سببه وهكذا، وصلاة الوتر يعني زيدت بعد هذا الحديث، ولا يمنع من الزيادة، المقصود أن هذه مسائل مختلف فيها بين أهل العلم، هل يجب غير الخمس أو لا يجب غير الخمس؟ كما هو معروف في محله.

((خمس صلوات في كل يوم وليلة)) وأصل المشروعية لخمسين، ثم ما زال النبي -عليه الصلاة والسلام- يفاوض الله -جل وعلا- حتى كتبهن خمس، والأجر أجر خمسين كما هو معروف في حديث الإسراء.

((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) يعني شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، واعترفوا بوجوب الصلوات، وأدوا هذه الصلوات.

((فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) وهي الزكاة، فدل على أنه يطلق على الزكاة صدقة، دل على أنه تطلق الصدقة ويراد بها الزكاة المفروضة خلافاً لمن فرق بين الزكاة والصدقة، فحمل الصدقة على المندوبة، والزكاة على المفروضة، هنا قال: صدقة، وسيمت الزكاة صدقة؛ لأنها تبرهن على صدق دافعها، على صدق إيمانه؛ لأنها تبرهن على صدق إيمانه، إنسان مستعد يشهد ويتكلم بلسانه، يعطيكم ما تبغون، ومستعد يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة بعض الناس، لكن ليس بمستعد أن يخرج فلساً، فإذا عمل ببدنه وأنفق من ماله دل على صدقه، وهذا من عظمة هذا الدين، ومن رحمة الله -جل وعلا- بهذه الأمة أن جعل العبادات متنوعة، بدنية ومالية ومشتركة، ومثل ما قلنا: إن بعض الناس عنده استعداد يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، لكن ما عنده استعداد أن ينفق شيء، فجاءت الزكاة لتبرهن على أن هذا بالفعل يتعبد لله -جل وعلا- على مراده، وهواه تبعاً لما جاء عن الله وعن رسوله أو يتبع هواء نفسه؟

وبعض الناس مستعد ينفق الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، وبعضهم مستعد يصلي معك ما شئت من الركعات، وينفق ما شئت من الأموال، لكن ما يمتنع عن الأكل والشرب، فتنوعت هذه العبادات لتكون برهاناً على صدق إيمان هذا العبد، وأنه تبعاً لما جاء عن الله وعن رسوله، قال له: صل يصلي، اخرج من مالك يخرج من ماله، كف عن الأكل والشرب يكف عن الأكل والشرب، هذا المؤمن الصحيح اقطع الأميال والأكيال من أجل أداء فريضة الحج ويحج، فإذا جاء بالأركان دل على أنه صادق الدين، صادق في ديانته. ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم بأن الله قد فرض عليهم صدقة)) وهذه هي الزكاة المفروضة، ثالث أركان الدين ((تأخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم)) هي إنما شرعت الزكاة لدفع حاجة المحتاج، ولسعادة المجتمع، والكل سعيد، الغني سعيد بإنفاقه وجوده، والفقير سعيد بما يأخذه بما يسد به حاجته والكل سعيد بهذه الشعيرة، بعض الناس بعض الأغنياء الذين شرح الله صدورهم للإنفاق في سبيله يعيشون لذة في الإنفاق لا يتصورها أحد، يعني بعض الناس تجد أموره ليست يعني ميسورة، وتجده حينما يكرم الضيف يطرب مبسوط وقد تكون ضيافته بالقرض أو بالدين، فكيف بمن أيسر الله عليه، وشرح الله صدره للدين! سعادة لا يدركها إلا من زاولها، وبعض الناس ممن لم يشرح الله صدره للإنفاق في سبيله تجده يتبرم ويتذرع حتى قال قائلهم: إنما هي جزية أو أخت الجزية، نسأل الله السلامة والعافية، ومع ذلك تجده في أبواب أخرى ينفق ويصرف من دون قيد ولا شرط، ينفقون الأموال ذاهبة ذاهبة ما تبقى، وبعض الناس يبتلى، إما يبتلى بأولاد سفهاء يفرقون أمواله وهو ينظر، أو يبتلى بزوجة لا ينتهي مطالبها، ويبخل بالواجب، ومع ذلك تنتهي أمواله تذوب بين يديه كذوبان الثلج، ولا يستطيع أن يقدم لا يؤخر، والحياة كلها دروس وعبر، دروس وعبر، شخص معروف من الأثرياء الكبار، الكبار يعني قد ضيق على نفسه وعلى من ولاه الله أمرهم، ضيق لا يكاد يتصوره عاقل، من الأثرياء الكبار تجده في الشوارع يلقط، هذا قشر، وهذا ما أدري إيش؟ من أجل أن يطعم دوابه، ويمشي حافياً أحياناً وأحياناً مشكلة أو مقطعة، ولا يركب ولا يؤكل شيئاً من الطعام إلا بقدر ما يقيم صلبه، وعنده مئات الملايين، وجزاء وفاقاً لما توفي استلم الورثة المال، وخلال سنة سنتين وهو منتهي، أبد، عبر، المسألة عبر، والأمثلة على هذا كثيرة، والواقع يشهد بهذا، فالعاقل يحرص على مصلحته، وليس لابن آدم من ماله إلا ما قدمه، هذا ماله، وما أخره هو مال وارثه، ومن القصص الواقعية أن اثنين من الشباب جمعتهم إشارة، واحد على مرسيدس جديد ذاك الوقت يمكن سعره مائتين ألف، والثاني على سيارة ديهاتسن مديل قديم، ما تسوى ألف، هذا الذي على السيارة الرديئة أبوه بجنبه من الأغنياء الكبار الوالد، والثاني كذلك أبوه غني لكن توفي، التفت صاحب الدهاتسن قال: ما شاء الله ويش السيارة؟ قال: والله مات، مات أبو العيلة والشايب يسمع قال: ويش يقول؟ قال: هذا اللي سمعت، دروس وعبر بمسمع منه، فتغيرت حياته هذا الثري تغيرت حياته تغير جذري، نفذ في حياته مساجد كثيرة، وصرف لأسر كثيرة من الفقراء والأرامل والأيتام في حياته، وأيسر على أولاده، تغيرت حياته بهذه الكلمة، لكن أين هذا الرجل وأمثال هذا الرجل من نصوص الكتاب والسنة؟ لكن إذا أراد الله بعبده خير يسر له مثل هذه المواقف وإلا موقف ما ينسى هذا، يعني تصورتم الموقف يا الإخوان؟ يعني موقف ما ينسى هذا، والله المستعان، فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، ويبذل لخدمة دينه ما دام في زمن المهلة.

((تأخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم)) والغني الذي تجب عليه الزكاة، وهو من ملك نصاباً حال عليه الحول تجب عليه الزكاة، تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، فيها مساواة، وفيها عدل، وفيها رحمة، وفيها سعادة، لا شك أن مثل هذا يبعث على التواصل والمودة والشفقة من الغني للفقير، والتقدير والاحترام من الفقير للغني وهكذا، فيعيش المجتمع الإسلامي في ألفة ومودة وتراحم وتعاطف.

((تؤخذ من أغنيائهم)) ويستدل بهذا من يقول: إن من يملك النصاب لا يجوز له أخذ الزكاة، ومنهم من يقول: من يملك نصاب يزكي هذا النصاب، ويأخذ بقية حاجته وما يكفيه، متصور وإلا ما هو متصور؟ نعم، الآن تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم؛ لأنه جعل الناس فريقين، فريق دافع، وفريق آخذ، فهل يتصور أن يكون الشخص الواحد دافعاً أخذاً في آن واحد؛ لأنه جعلهم فريقين، تؤخذ من الأغنياء وتعطى الأغنياء وإلا الفقراء؟ تعطى الفقراء، طيب الذي يأخذ منه غني وإلا فقير؟ نعم؟ غني، والذي يأخذ فقير وإلا غني؟ طيب كم نصاب الفضة؟ ((ليس فيما دون خمسة أواق صدقة)) يعني مائتا درهم، يعني بالريال العربي السعودي الفضة ستة وخمسين ريال، يعني افترض أن الريال العربي الفضة يسوى اثنى عشر ريال من الورق، يعني ستمائة ريال نصاب، الذي يملك ستمائة ريال يزكي، يدفع خمسة عشر ريال زكاة، لكن هل تكفيه ستمائة ريال؟ ما تكفيه نعم ما تكفيه ستمائة ولا في السنة يمكن ولا ستة آلاف، فعطي زكاة هذا الستمائة، ويأخذ بقية كفايته، فيكون غني وإلا فقير هذا؟ نعم؟

طالب:.......

إيه، لكن الذي يستدل بظاهر الحديث يقول: الناس إما غني دافع، وإما فقير آخذ ما في ثالث، ولذا لا يجوز لمن تجب عليه الزكاة أن يأخذ زكاة، نعم، ومنهم من يقول: ما في ما يمنع، هذا عليه زكاة، ومطالب بها، وعليه نفقات، وعليه أمور مطالب بتكميلها، فيدفع زكاة هذه الستمائة، ويأخذ ما يكفيه، نعم؟

على كل حال المسألة تقديرية ينظر كم النصاب في وقته، ويبقى أن النصاب بين الذهب والفضة متفاوت، يعني قد يكون نصاب الذهب عشرين مثقال إحدى عشر جنيه، وثلاثة أسباع الجنيه، والجنيه بكم؟ الغالب أربعمائة ريال أو أقل؟ قل: أربعمائة ريال، إذاً النصاب أربعمائة في إحدى عشر، يعني إذاً في حدود خمسة آلاف على الذهب، والنصاب من الفضة ما سمعتم، وهل الأصل الذهب أو الفضة؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، على كل حال المسألة مفترضة في شخص عنده أسرة كبيرة، وتحتاج في السنة مثلاً إلى ثلاثين ألف، أقل شيء في الشهر خمسين ألف، وهذا يملك خمسة آلاف أو عشرة آلاف، نقول: عليك زكاة العشرة الآلاف مأتيين وخمسين ريال، وخذ ما يكفيك من الزكاة أو نقول: لا، لا، لا تأخذ حتى تتصف بوصف الفقر الذي لا تدفع معه الزكاة؟ أنت انفق ها إلي عندك ولما ينقطع أطلب زكاة، المسألة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ نعم؟ على القول بظاهر الحديث أنه لا يجمع بين وصفين، غني وفقير الدافع للزكاة غني، والآخذ فقير، فكيف يكون فقير يأخذ الزكاة وهو غني تجب عليه الزكاة؟ فمعنى هذا أنه لا يجوز له أن يأخذ ما دام عنده ما يسمى به غنياً، ما دام عنده نصاب ما يجوز يأخذه، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، ومنهم من يقول: إذا كانت الزكاة هذا المال الذي عنده ما يكفيه يوم أو يومين أو ثلاثة أو عشرة، وله أن يأخذ نفقة سنة من الزكاة، يدفع زكاة ما عنده ويأخذ، ومفهوم الحديث فيمن يتصف بغنى لا يحتاج معه إلى غيره، والفقير من لا يجد شيئاً بخلاف المسكين من يجد بعض كفايته، وهذا الدافع الآخذ داخل في حيز أو في حد المسكين، الدافع الآخذ في حد المسكين.

((تأخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) تأخذ من أغنيائهم الضمير يعود على من؟ أهل البلد وفقرائهم، وبهذا يستدل من لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى أخر، إنما تأخذ من أغنياء البلد فترد في فقراء البلد، وعلى هذا لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى آخر، والذين يقولون بجواز نقلها تأخذ من أغنيائهم يعني أغنياء المسلمين فترد في فقراء المسلمين عموماً في أي بلد كانوا، نعم؟

إذا وجد حاجة لنقلها لا بأس -إن شاء الله تعالى-، إذا وجد قريب محتاج مثلاً في بلد آخر حاجته ظاهرة، فالصدقة على القرابة صدقة وصلة، إذا وجد من هو أشد حاجة في بلد أخر تنقل إلى هذا البلد لمسيس الحاجة. ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم)) احذر ((فإياك وكرائم أموالهم)) هذا تحذير من أخذ الكرائم، وهي نفائس الأموال، أفضل ما في المال، لا، الزكاة شرعت مواساة، والشرع الحكيم لا يراعي طرف على حساب الطرف الآخر أبداً، شرعها مواساة للفقراء، لكن ليس المقصود منها الإضرار بالأغنياء، إنما هي مواساة بلا شك، فإذا شرعت لهذا فالشرع لا يلاحظ طرف على حساب الطرف الآخر، فالفقير الآخذ له حق، والدافع أيضاً له حق، فمراعاة الطرفين من مميزات هذه الشريعة المطهرة.

((فإياك وكرائم أموالهم)) الأموال النفائس المحببة لهم إلى قلوبهم، تأتي إلى أفضل ما عند هذا الغني من الأغنام فتشيله، من الإبل تشيله، من الأموال وتترك له الأوساط والرذيلة، لا، لا، خذ من المتوسط؛ لأن ديننا دين اعتدال ((فإياك وكرام أموالهم)) ثم بين السبب، وأشار إلى أن أخذ كرائم الأموال ظلم من الساعي للمتصدق، ظلم للمتصدق من قبل الساعي.

((واتق دعوة المظلوم)) لأنك إذا أخذت كرائم الأموال ظلمت الغني، وإذا أخذت أراذل الأموال ظلمت الفقير، فأنت ظالم في الحالين ((فاتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) نسأل الله العافية، فالذي يأخذ الكرائم ظالم لصاحب المال، والذي يأخذ الأردأ والأرذل ظالم للفقراء، وهو معرض نفسه لقبول الدعوة عليه، فعلى هذا يجب على الساعي أن يتحرى أوساط المال، فلا يظلم المتصدق، ولا يظلم الفقير، وبهذا يتقي دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب؛ لأنها مقبولة، ليس لها صارف يصرفها، ولا مانع يمنعها، أحياناً تأتي جملة لها ارتباط وثيق بالجملة التي بعدها، ومثال ذلك ما عندنا؛ لأنه قد يقول قائل: الجمل متعاطفة، يعني لا ارتباط لبعضها ببعض، لا، فيه إشارة إلى أن من تعدى ما ذكر فهو ظالم، ومستحق لإجابة الدعوة عليه {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] هذا البيت يستوي فيه العاكف المقيم فيه والبادي الأعرابي الذي يأتي يؤدي فريضة ويرجع، في فرق بينهم؟ نقول: والله هذا من عمار المسجد الحرام، قم يا أيها الأعرابي أنت ماجيت إلا هذا الفرض صل بأي مكان، هذا جالس بالحرم ليل نهار أحق منك بهذا المكان، ممكن؟ لا هذا المكان يستوي فيه العاكف والبادي، الطارئ الذي يريد يصلي فرض واحد ويمشي، ما في فرق، يعني لو تقدم إلى المكان الذي خلف الإمام هو أحق به، من هذا الذي سكان فيه، أربعة وعشرين ساعة، ويصلي فيه السنوات الطوال {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء} هم فيه سواسية {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] وهذا له ارتباط بالجملة التي قبله، مثل الارتباط الذي عندنا، فدل على أن الذي يعتدي على من يتقدمه إلى أي مكان يقول: أنا أحق به، أنا مقيم في الحرم، نقول: لا يا أخي، هذا ظلم، هذا إلحاد في الحرم، ولذا فحجز الأماكن في المسجد الحرام لا يجوز، حجز الأماكن لا يجوز، وداخل في هذا التحذير، وفي هذا التشديد، إلحاد في الحرم، ليس معنى أن كل إلحاد خروج من الدين، لا، الإلحاد الميل عن الطريق السوي، وهذا حاد عن الطريق السوي، لكن رتب عليه عقوبة عظيمة أنه مجرد الهم بالإلحاد يرتب عليه هذه العقوبة، نذقه من عذاب أليم، فدل على أن الجملتين بينهما ارتباط وثيق، كما أن الجملتين في الحديث بينهما هذا الارتباط، نعم؟

طالب:.......

أمره أخف، يبقى أن مجرد الهم بالإلحاد الهم بهذا الإلحاد نذقه من عذاب أليم، أما الأماكن الأخرى فالعقوبة مرتبة على الفعل، لا مجرد الهم، ومع الأسف أنه يوجد ناس في ظنهم وعلى حد زعمهم أنه يبحثون عن الأجور والمضاعفات في هذا المكان الشريف العظيم المكرم المعظم، والصلاة بمائة ألف صلاة، ثم بعد ذلك يرتكب من الأمور المحظورات ما يتمنى أنه جالس في بلده، وهناك أجراء يحجزون للناس الأماكن، ويتحصل بسببها الخلاف والشقاق والنزاع، ومن أراد أن يعرف حقيقة هذا الأمر ينزل إلى الصحن في العشر الأواخر، وأحياناً تصل إلى حد المضاربة، وقبيل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان حصل ما حصل، وتواعدوا بعد الصلاة بعرفة؛ ليخرجوا من الحرم يكملون، يا أخي الأمر يعني إذا ما أدركنا حقيقة العبادة، يعني ما استشعرنا نفس العبادة، بيتضاربون بعرفة، بيطلعون من الحرم، يعني المضاربة بالحرم حرام وبعرفة حلال، صحيح هي أسهل، خارج الحرم أسهل، لكن يبقى هل مثل هؤلاء استشعروا حقيقة العبادة، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] وتحصل مثل هذه الأمور، على كل حال الإنسان ينتبه لمثل هذا، ويسعى في خلاص نفسه، وإرشاد غيره.

الحديث اقتصر على ذكر الشهادتين والصلاة والزكاة، وبقي من الأركان الصوم والحج، الصوم مفروض وإلا ما فرض؟ نعم؟ فرض في السنة الثانية، فرض الصيام في السنة الثانية، وبعث معاذ كان في السنة التاسعة أو العاشرة أو الثامنة على الخلاف الذي ذكرناه، فالصيام مفروض، ما ذكر الصيام، ولم يذكر الحج على القول بأنه فرض في السنة السادسة أو التاسعة على القول المرجح، اكتفي بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة؛ لأن كلمة الإسلام هي الأصل، لا بد منها، والصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، فالذي تجود نفسه بهذه العبادة رغم تكررها لن يشق عليه أن يأمر بالصيام فيصوم شهر في السنة، وأيضاً المال جبل الإنسان على محبته، جبل الإنسان على محبته، فإذا جاد بالمال المال المحض يخرج المال ويعطيه الفقير؛ فلأن يجود بمثل الحج من باب أولى، فإذا أذعن للأركان الثلاثة أذعن للبقية، نعم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة)).

يقول -رحمه الله تعالى-:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) نصاب، نصاب الفضة الورق ليس فيما دون خمس أواق صدقة، والأوقية أربعون درهماً، فنصاب الفضة مائتا دهم ((ولا فيما دون خمس ذود صدقة)) ليس فيما دون خمسٍ أو خمسِ ذودٍ، خمسٍ ذودٍ وإلا خمسِ ذودٍ؟ نعم؟ خمسِ ذودٍ أو خمسٍ ذودٍ بالإضافة أو بالقطع؟ نعم؟ خمسٍ؟ يعني الذود هي الخمس، يعني الخمس هي الذود، وإذا قلنا: خمسِ ذودٍ، نعم؟

طالب:......

يطلع الذود واحد، الواحدة ذود، فالخمس من الأذواد فيها الصدقة، وإذا قلنا: خمسٍ ذود الذود هي الخمس، والخمس هي الذود، وعلى كل حال قيل بأن الذود يطلق على الواحد.

((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) هذا دليل على أنه لا بد من اكتمال النصاب، ومثل هذا في صدقة بهيمة الأنعام فيها نصاب، وفي أيضاً ما يخرج من الأرض النصاب.

((وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) ذود من الإبل ما دونها ليس في مفهومه أن الأربعة ليس فيها زكاة، وما دون الخمس الأواق من الفضة ليس فيها زكاة، وما دون خمسة الأوسق مما يخرج من الأرض ليس فيه زكاة، والقول باشتراط النصاب قول الجمهور، القول باشتراط النصاب قول جمهور العلماء، والحنفية يعملون بالنصوص المطلقة ((فيما سقت السماء العشر)) وهو نص عام يتناول الخمس وما فوقها وما دونها، يتناول خمسة الأوسق، يتناول الأربعة الأوسق، يتناول الوسق الواحد ستون صاعاً، يتناول ما دون ذلك؛ لأن (ما) من صيغ العموم ((فيما سقت السماء العشر)) يعني في قليله وكثيره، لكن الجمهور يقولون: هذا نص عام خص بمثل هذا الحديث، فلا بد من توافر النصاب، وهذا أيضاً من ملاحظة الشرع المطهر للدافع، فالشارع الحكيم يلاحظ حال الدافع، ولا يكلف الناس في كل شيء، حتى يبلغ حد معين يتميزون به عن غيرهم فيأمرون بمثل هذا، فالمرجح هو قول الجمهور، وهو أن النصاب معتبر، أنه شرط لوجوب الزكاة، بعض الروايات عند البخاري: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) يعني هو تصريح بما هو مجرد توضيح، والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والذي غلته دون الثلاثمائة لا تجب عليه الزكاة، نعم.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) وفي لفظ: ((إلا زكاة الفطر في الرقيق)).

يقول -رحمه الله تعالى-:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)).

هذا يدل على أنما يتخذ للقنية ليس فيه زكاة، فالعبد الذي يستعمل للخدمة ليس فيه زكاة، الفرس الذي يستعمل للحاجة ليس فيه زكاة، وقل مثل هذا البيت الذي يسكنه الإنسان ليس فيه زكاة، السيارة التي يركبها، الأثاث الذي يستعمله، كل ما يتخذ للقنية ليس فيه زكاة ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) لأنه ليس بمال نام معد للتجارة، لكن لو كان عنده عبد يعده للتجارة، أو فرس يعده للتجارة تجب فيه الزكاة باعتباره عرض من عروض التجارة "وفي لفظ: ((إلا زكاة الفطر في الرقيق))" زكاة الفطر في الرقيق يعني كما تجب على الزوج وعلى الوالد زكاة الفطر عن زوجته وولده كذلك عن رقيقه، فتجب فيه زكاة الفطر، وهل تجب أصالة على الصغير والمرأة والعبد ثم يتحملها الولي أو هي تجب على الولي مباشرة؟ سيأتي هذا في باب زكاة الفطر -إن شاء الله تعالى-.

ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن الزهري أنه قال: "في المملوكين للتجارة الزكاة"؛ لأنهم عرض من عروض التجارة، وقل مثل هذا في الفرس فيزكى زكاة التجارة، وتخرج عنه صدقة الفطر، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) الجبار: الهدر الذي لا شيء فيه، والعجماء: الدابة.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جبار)) العجماء فسرها المؤلف بأنها الدابة، وقيل لها: عجماء لأنها لا تتكلم، تشبيه لها بالأعاجم، الذين لا يتكلمون العربية، فاعتبر كلاهم بغير العربية كعدمه، فهم عجم وأعاجم، وهذا الدابة التي لا تتكلم عجماء، فاعتبر كلامهم مثل عدمه، ولذا يعرفون الكلام بأنه هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، تكون فائدته بالوضع، بالوضع العربي، وعلى هذا كلام الأعاجم لا يدخل في الكلام عند النحاة، فكأنهم لا يتكلمون ما دام ما يتكلمون بالعربية، يعني مثل أصوات الطيور، ومثل..، فهم أعاجم، ويدخل في هذا كلام غير بني آدم من الطيور المعلمة إذا كان كلام مركب، ويفيد بالوضع العربي، يعني باللغة العربية، ومنهم من يفسر قولهم: بالوضع، يعني بالقصد، فكل كلام مفهوم ومقصود كلام عندهم، فيدخل في هذا كلام الأعاجم، لا يدخل في هذا كلام النائم ولا كلام الطيور ولا غيره، وعلى كل حال هذا وجه تسمية الدابة عجماء؛ لأنها لا تتكلم تشبيهاً لها بالأعاجم الذين لا يتكلمون العربية، وعلى هذا كلامهم وجوده مثل عدمه، وبالمناسبة الأعاجم نالوا من علم الشريعة ما نالوا، وما يعين على فهم الشريعة لهم فيه القدح المعلى، يعني مو بالمسألة تنقص للأعاجم، لا، لو كان الدين بالثريا لناله رجال من وين؟ من فارس، وأصحاب الكتب الستة ممن؟ البخاري من وين؟ مولى من بخارى، يستثنى مسلم من قشير قبيلة من العرب، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، كلهم من بلاد الأعاجم، نعم؟ سيبويه صاحب الكتاب في العربية إمام في العربية، إمام أهل العربية على الإطلاق أعجمي، على كل حال ليس المراد به تنقصهم، فالإنسان قيمته قيمة ما يتقن وما يحسن، افترض أنه من الذرية الطاهرة، من نسل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لا يحسن شيئاً له قيمة وإلا ما له قيمة؟ أو غير مسلم أو غير مستقيم قيمته ما يحسن، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فأكثر المفسرين من الأعاجم، أكثر المؤلفين في السنة من الأعاجم، في شروحها، من الفقهاء، من المؤرخين، من الأدباء في علوم العربية، في اللسان العربي أكثرهم أعاجم، فعندما يقال مثل هذا الكلام، وبحث أصل المسألة لا يعني أنك تنتقص أحداً بعينه، أبداً.

((العجماء جبار)) والجبار الهدر الذي لا شيء فيه، فلا ضمان في متلفها، مع عدم التفريط، جاء من حديث البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وحفظ الماشية بالليل على أهلها، نعم أنت بالنهار صاحب حائط احفظ حائطك يا أخي، والعجماء جبار، لو دخلت دابة وأكلت وخبرت ما..، لكن بالليل على صحاب الماشية أن يحفظ ماشيته، وليس معنى هذا أن الإنسان بالنهار يتحين الفرص والغفلات، ويرسل دوابه في أموال الناس، لا، إذا تصرفت بنفسها، وهذا يعانى منه في الخطوط، هل نقول: إن العجماء جبار اترك مواشيك في الخطوط الطويلة لتهلك الناس؟ لا، يعني إذا تصرفت بنفسها مع حرصك عليها، وحفظك لها، وبذلك جميع الأسباب في حفظها، وتفلتت من غير علمك جبار، هدر.

((والبئر جبار)) إذا لم تضعها في طريق المسلمين جاء واحد وتردى في بئرك، وهي ليست في طريق المسلمين ما عليك منه، جبار، هدر، لا تضمن شيء، البئر جبار، لكن لو جاء واحد وحفر بئر في طريق المسلمين، وغطاها بغطاء خفيف، وضع عليها لوح ابلكاش، وذر عليها شيء من الرمل، أو التراب، وجاء واحد ووطأ على هذا الأبلاكاش وانخفس به ومات، نقول: البئر جبار؟ يصير حبالة للناس كل من جاء، هذا قاصد -نسأل الله السلامة والعافية-، لا، هذا ليس بجبار، هذا يضمن.

((والمعدن جبار)) فالذي يتلف فيه وبسببه هدر ((وفي الركاز الخمس)) الركاز: ما يوجد مدفوناً في الأرض، ويتشرط جمع من أهل العلم أن يكون من دفن الجاهلية، عليه علامة من علامة الجاهلية، لا يملكه مسلم، لكن إن كان عليه ملك إسلامي فهذا فئ يدخل في بيت المال، أما إذا كان من دفن الجاهلية فهذا يملكه صاحبه وزكاته خمسه، وله أربعة الأخماس.

وفي الركاز الخمس وإذا اشترى شخصاً أرضاً فعمل بها وجد فيها ركاز فهل يملكه بملكه الأرض أو يكون لمن قبله أو لمن باع للذي باع عليه؟ نعم؟

طالب:......

نعم إذا كان جاهلي فهو له، مسألة الورع مسألة معروفة عند أهل العلم، كون الإنسان يقول: أنا والله ما اشتريت إلا الأرض، هذا مسألة معروفة، وفيها قصة يذكرها أهل العلم من أن شخص اشترى أرضاً من شخص فوجد فيها فذهب إلى صاحبها، وقال: أنا اشتريت الأرض، ما اشتريت الركاز، فقال له صاحبه: أنا بعتك الأرض بما فيها، وهذان في اصطلاح الناس اليوم من أهل التغفيل هاذولا على وجوههم، مغفلين، وإلا المال يتركه أحد؟ الله المستعان، الذي اشترى الأرض يقول: أنا اشتريت الأرض فقط، وهذا ليس لي، والذي باع الأرض يقول: أنا بعت الأرض بما فيها، أنا ما لي علاقة، فاختصموا عند القاضي، عاد مثل هذه تحتاج إلى خصومة؟! الناس في زماننا يتخاصمون في مثل هذا؟ فأراد القاضي أن يصلح بينهم، فما رضوا نقسمه بينهم، كل واحد يقول: لا والله أنا ماني بلازم ما لي علاقة، أنا اشتريت الأرض، وذلك يقول: وأنا بعت الأرض، فقال لأحدهما: هل لك من ولد؟ قال: نعم، وقال للثاني: هل لك من بنت؟ قال: نعم، قال: نزوج الولد والبنت من هذا المال وينتهي الإشكال.

والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"