شرح العقيدة الطحاوية (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين،

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجَز فيه عن معرفة الحق فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا كما قال تعالى:     ﯿ                             ﭕﭖ    طه: ١٢٣ - ١٢٦  قال ابن عباس- رضي الله عنه-.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هذا العلم وهو علم العقيدة والتوحيد وما يتعلق بالإيمان بالله جل وعلا وغيره من الغيبيات إنما يؤخذ من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا مصدر غير الكتاب والسنة لأنها أمور غيبية لا تدرك بالعقل ولا يقاس بعضها ببعض، ولا شك أن سبب ضلال من ضل ممن زاغ وحاد عن الصراط المستقيم من أهل الكلام ورؤوس البدع إنما كان سبب ضلالهم ميلهم عن هذا الصراط المستقيم واعتمادهم في مسائل هذا الفن على غير المصدر الرئيس المعتمد الذي هو كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا يقول المؤلف رحمه الله تعالى وينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه عن معرفة الحق فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني من الكتاب والسنة؛ لأن هذه أمور غيبية لا تدركها العقول ومن سار وانساق وراء عقله واجتهاده ونظره وذكائه وفطنته على حسب على حد زعمه فإن مآله ومصيره إلى الضلال- نسأل الله العافية- ورؤوس البدع كان عندهم من الذكاء الشيء الكثير، وهو الذي غرهم وجعلهم يعتمدون على ذكائهم ويفرطون في مصدر التلقي الوحيد الذي هو القرآن، والعقل لا شك أنه محدود لا يدرك إلا ما توصل إليه حواسهم، العقل لا يمكن أن يدرك شيئا إلا ما تدركه ما توصله إليه حواسهم ثم بعد ذلك إذا كان ما توصل إليه حواسهم مما يدخل فيه النظر والاعتبار والأقيسة فإنه قد يصل إلى شيء مما له حظ من النظر، وإذا كان من الأمور التوقيفية التي لا حظ للنظر فيها فإن العقل لا يمكن أن يستقل بها، كثير من الأمور الواقعية من أمور الدنيا إذا شاهدها الإنسان عرفها ثم قاس عليها نظيرها أو شمها أو سمعها أو أدركها بحواسه فإنه يستطيع أن يقيس عليها إذا كانت من مما بدرك بهذه الحواس، لكن مسائل الاعتقاد والغيبيات يمكن أن تدرك بالحواس؟ الله جل وعلا لا نظير له بحيث يقاس عليه ويعتبر به أبدًا       ﭣﭤ    الشورى: ١١  الإنسان له نظائر له نظائر فإذا قيل لك عن شخص في أقصى الشرق أو في الغرب أنه فلان ابن فلان ابن فلان وأدركت بهذا أنه من بني آدم وأنه مثل نظائره له عينان وله أذنان وله رأس وله يدان ورجلان تقيسه بغيره ويبقى بعض الأمور التي لا تدرك بالتنظير؛ لأن هناك فوارق بين البشر فوارق كثيرة جدًا ما يمكن أن تقول أنه مثل هذا مطابق له مائة بالمائة لكنه في الجملة مثله إلا إذا ذكر واشتهر بشيء يستقل به عن غيره بزيادة عضو أو نقص عضو أو طول زائد أو نقص أو قصر بائن زائد هذه لها نظائر يمكن أن يلحق النظير بنظيره، لكن الله جل وعلا ليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه       ﭣﭤ الشورى: ١١  فلا نستطيع أن نصفه بشيء أو نسميه باسم إلا بما جاء عنه لأن هذا الباب كله توقيف، وإن كان المقرر عند أهل العلم أن الاسم يشتق منه صفة ولا عكس لكن هذا أيضًا له دليله على ما سيأتي- إن شاء الله تعالى- فعلى الإنسان المسلم الحريص المتحري المشفق على نفسه أن يُعنى بكتاب الله جل وعلا وما يعين على فهمه على طريقة أهل العلم الثقات أهل الاستقامة والنظر الصحيح من سلف هذه الأمة وأئمتها.

قال ابن عباس رضي الله عنه تكفل الله لمن قرأ القرآن.

ما عندك عنهما؟

عندي عنه.

عنه؟

قال ابن عباس رضي الله عنهما تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمِل بما فيه ألا يضل ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية وكما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إنها ستكون فتن» قلت فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على مثل هذا المعنى.

هذا الحديث حديث علي رضي الله عنه ضعيف جدًا وله شاهد من حديث معاذ بل له شواهد بمعناه لكنها كلها شديدة الضعف فلا يجبر بعضها بعضًا فهي ضعيفة مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأما كونه موقوفا على علي رضي الله عنه فهو المرجَّح عند أهل العلم، وفي إسناده الحارث الأعور كذبه الشعبي وغيره ويبقى أن معاني جمله صحيحة «ستكون فتن» قلت ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال «كتاب الله» العصمة بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ونحن نرى ونسمع ممن يخوضون في الفتن ومعولهم في ذلك على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، يسمعون في القنوات ويحللون ويقرؤون في الصحف وغيرها فهي مصدرهم ويخرجون بنتائج يجزمون بها وفي النهاية لا شيء، تأتي النتائج عكس ما يقولون وعكس ما يتوقعون لماذا؟ لأنهم اعتمدوا في النظر إلى هذه الفتن إلى غير ما جاء في ديننا الحنيف ولا مخرج من هذه الفتن إلا بالكتاب والسنة لماذا؟ لأنهم يتحدثون عن أشياء مستقبلية أسبابها وُجدت وانعقدت لكن نتائجها غيب فهم يعتمدون في هذه الغيبيات غير المصادر الشرعية المعتمدة وأبواب الفتن وأبواب الملاحم والكتب المؤلَّفة استقلالاً بذلك فيها إشارات إلى ما حدث وما سيحدث، ولا نجد أحدا من طلاب العلم إلا القليل النادر يقرأ فيها ويطالع فيها أو يتأمل كتاب الله وفيه إشارات إلى كثير من ذلك مما يأتي من تفسيره عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة، أمور غيبية لا تُدرك بمثل هذا ويأتون بأشياء يجزمون بها، خلاص مادام كذا فالأمر كذا المقصود أن معاني ما جاء في هذا الحديث صحيحة ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يثبت ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم» أخبار الأمم الماضية كلها موجودة يعني مما قصه الله علينا وكثير من الأمم والرسل لم يقصهم الله علينا هل نتطلب معرفة بقية الرسل وبقية الحديث عن الأمم السابقة مما لم يقصه الله علينا؟ لا، لا نتبعه ولو كان فيه نفع لنا في ديننا أو دنيانا لما تركه الله جل وعلا، وفيما قصه الله جل وعلا علينا كفاية وفيه عبرة وتذكرة لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر، بعض الناس يظن أن هذه القصص قصص الأنبياء مع أممهم أنها كما يذكر في كتب التواريخ وكتب الأدب للتسلية، وهذا الكلام ليس بصحيح       يوسف: ١١١  لمن؟ ﯱﯲ يوسف: ١١١  وعمر رضي الله عنه يقول مضى القوم ولم يرد به سوانا، فمن عمل مثل أعمالهم وفعل مثل أفعالهم النتيجة مثلهم النتيجة واحدة مثلهم، سنة إلهية مطّردة «فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم» فيه إخبار عن الأمور المستقبلة ما سيحدث في آخر الزمان وما سيحدث في القيامة، وحكم ما بينكم إذا وجد الخصام ووجد النزاع فالفصل في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما جاء وما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حكمه حكم الوحي   النجم: ٣ - ٤         النساء: ٦٥  ويُروج للأنظمة والقوانين المخالفة لشرع الله ويسهل من أمرها وتلاك بالألسنة ويكثر من ذكرها ليمرن الناس عليها ولا يستنكروها حتى إذا وجدت في يوم من الأيام الناس روضوا عليها- نسأل الله العافية- والأمر جد خطير وبعضهم يروج على أن أنه لا فرق بين الشريعة والقوانين الوضعية إلا بنسبة يسيرة عشرة بالمائة أو أقل لأن هذه القوانين سُنت على ما يصلح البشر وصنعها عقلاء من الأمم فيما يصلح البشر والقرآن والسنة جاء فيما يصلح البشر فالالتقاء كبير، نقول ولو التقت مع الكتاب والسنة فهي حكم بغير ما أنزل الله ولو أصابوا الحق فهو حكم بغير ما أنزل الله «هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم».

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه 

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

«وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء» شريطة أن يقف عند حد الله جل وعلا له بحيث لا يتجاوزه، لا يتجاوز المحكم إلى المتشابه فيكون كأهل الزيغ «لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن» لا تلتبس لا تختلط، الألسن كلها تنطقه على ما هو عليه من أول يوم أنزل فيه  إلى قيام الساعة، ولذلكم تجدون مِن قبائل العرب من ينطق القرآن مثل ما تنطقه القبيلة الأخرى، مثل ما ينطقه الأعجمي، مثل ما ينطقه الرومي، والفارسي، تسمعون الأتراك يقرؤون مثل قراءة العرب، الهنود يقرؤون مثل قراءة العرب، لكن أعطهم أي كتاب، أعطه صحيح البخاري لينطقه مثل العرب وهو أصح كتاب بعد كتاب الله- جل وعلا- «لا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه» ومن يعرف مثل هذا؟ يعرفه أهل القرآن الذين قرؤوه على الوجه المأمور به «ولا يشبع منه العلماء» لا يشبعون منه لا من تلاوته ولا من تدبره ولا من الاستنباط منه، يعني قد يعجب الإنسان حينما يسمع أن فلانًا من الناس في ترجمته أخذ عشرين ثلاثين أربعين سنة يختم كل يوم ما يمل؟! ما يمل؟!

طالب: لا والله ما يمل.

«لا يشبع منه العلماء» لكن أعط شخصا جريدة ليقرأها مرة ثم قل له خذ ألف ريال واقرأها ثانية ما يطيق «ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق» لأنه كلام الله- جل وعلا- النساء: ١٢٢  «ومن عمل به أُجر» من تلاه تلاوة فقط قرأ حروفه فقط له الأجر العظيم فضلاً عن مسألة التدبر والقدر الزائد على ذلك والاستنباط والعمل كل هذه أجور لا يحصيها إلا الله- جل وعلا- فإذا كانت قراءة الحرف بعشر حسنات والختمة الواحدة بثلاثة ملايين حسنة فكيف بمن قرأ القرآن بالتدبر والترتيل والاتعاظ والاعتبار والادكار والاستنباط والعمل بما يستنبط «ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على هذا المعنى ففي هذه الجمل أحاديث كثيرة ومعانيها صحيحة والخبر لا يثبت مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا يدينونه إلا أن يكون موافقًا لدينه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم السلام وقد..

   ﭳ آل عمران: ٨٥  دين الإسلام قضى على جميع الأديان «والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار».

وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه به العباد إلا ما وصفه به المرسلون بقوله سبحانه: ﯿ الصافات: ١٨٠ - ١٨٢  فنزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون ثم سلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحقها على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد.

نعم نزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون فقال ﯿ الصافات: ١٨٠  سبحان تنزيه ثم سلم على المرسلين؛ لأنهم هم الواسطة بينه وبين خلقه فيما ينزل منه لا فيما يصعد إليه منهم، ما يصعد إليه منهم لا يحتاج وسائط كما كان المشركون يفعلون لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف الصافات: ١٨٢  يعني الذي تفرد بأوصاف الكمال والجلال والجمال التي يستحق عليها كمال الحمد نزه نفسه عما يصفه به الكافرون قال: الصافات: ١٨٠  تنزيه والتسبيح إنما يكون إذا وجد المقتضي وهو العَيْب هذا الأصل، لكن لا يمنع أن يوجد التسبيح في سياق مدح الله- جل وعلا- والثناء عليه، في دعوة ذي النون "لا إله إلا أنت سبحانك"، يعني ليس من اللازم أن يكون التسبيح بعد التنقص إنما هو ذكر مستقل له أجره وثوابه ولو لم يحصل مقتضي التنقص، "غراس الجنة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" هل يلزم ألا يسبَّح إلا إذا وجد المقتضي؟ لأن معنى التسبيح التنزيه، لا نسبح إلا إذا سمعنا من يتنقص؟ لا، في حديث الإسراء لما القتى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- بإبراهيم أبيه -عليه الصلاة والسلام- «قال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وغراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر بعد الصلوات تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر من دون مقتضي تنقص، ودعوت ذي النون لا إله إلا أنت فيها تنقص؟ سبحانك إني كنت من الظالمين لأننا نسمع من يقول أنه إذا ذكر لا تقول سبحانه، يعني إذا نقلت من القرآن ما تقول قال الله سبحانه وتعالى؟ ما جرى العلماء على هذا؟

بلى.

فكي يقال إذا ذكر لا تقول سبحانه لأنه ليس فيه تنقص سمعنا من يقول هذا لاسيما في دعاء القنوت والله المستعان.

ومضى على ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- خير القرون وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان يوصي.

«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» القرون المفضلة واختلف الناس في حد القرن فمنهم من يقول مائة سنة وهذا الذي استقر عليه الاصطلاح، لكن لا يمكن تنزيل الحديث عليه، وإن كان آخر الصحابة عاش إلى حدود مائة وعشرة، يعني مائة سنة من وفاته -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن أكثر الناس يعني متوسط أعمار الناس كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين يُمثلون القرن المتشابهون في السن السبعون سنة «أعمار أمتي بين الستين والسبعين» ولذا يرى ابن حجر أن القرون المفضلة تنتهي على رأس مائتين وعشرين سنة؛ لأنها إذا ضربنا السبعين في ثلاثة صار مئتين وعشرة أضف إليها العشرة التي آخر عمر النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني بعده عشر سنوات من عمره -عليه الصلاة والسلام- أضف إليها مئتين وعشرين، ويقولون في مئتين وعشرين- والتاريخ شاهد بذلك- كثرت الفتن والبدع وبدع مكفرة ومغلظة وتغير مسار الأمة بعد ذلك.

يوصي به الأول الآخرَ ويقتدي فيه اللاحق بالسابق وهم في ذلك كله بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- مقتدون وعلى منهاجه سالكون كما قال تعالى في كتابه العزيز:    ﮅﮆ ﮋﮌ يوسف: ١٠٨  فإن كان قوله: ﮋﮌ يوسف: ١٠٨  معطوفًا على الضمير في أدعو فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله، وإن كان معطوفًا على الضمير المنفصل فهو صريح أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم، وكلا المعنيين حق وقد بلَّغ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

الذي رجحه ابن القيم- رحمه الله- الاحتمال الأول فإن كان قوله ﮋﮌ يوسف: ١٠٨  معطوفًا على الضمير في أدعو، يعني أدعو ومن اتبعني فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله جل وعلا، وإن كان معطوفًا على الضمير المنفصل الذي هو أنا فهو صريح أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم وكلا المعنيين حق، أتباعه هم الدعاة وهم الذين يدعون إلى الله جل وعلا متصفين بالوصف الذي وُصف به النبي -عليه الصلاة والسلام- على بصيرة وبعض الناس يفصل بين العلم والدعوة ولا دعوة إلا بعلم ولا علم حقيقي نافع لصاحبه ولغيره إلا بدعوة وبذل فهما متلازمان، بعض من ينتسب إلى العلم من حملة الشهادات انتقد كون واحد من العلماء الكبار من علمائنا وشيوخنا سُجِّل رسالة فلان ومنهجه في الدعوة، وهو عالم يعلم الناس الخير ويشرح للناس الكتب، ويقول هذا ليس بداعية هذا عالم، هذا فقيه، كيف فصلنا بين الدعوة والعلم، أليست الدروس تعليما ودعوة، وفي كثير من المناسبات تمر مسائل وقضايا يوجِّه الناس فيها إلى ما يرضي الله جل وعلا هذه هي الدعوة، أما أن يكون المعلم على كرسي وأمامه كتاب ويشرحه، والدعوة أمام مكبر وواقف ويدعو الناس عامة وخاصة هذا فصل بغير دليل، إذا لم يكن العلماء هم الدعاة وهم الذين على الجادة وعلى البصيرة فمن يكون؟! مع الأسف أن الدعوة الآن صارت وظيفة ومنفكة عن العلم يوجد عنده من أصول العلم ما يمشي به وقته ويستطيع أن يقف بين الناس ويركب كم جملة وينتهي هذا الذي يسمى داعية هذا ليس بصحيح هذا يُعرِّض نفسه لفتنة إذا لم يتصف بالعلم    ﮅﮆ يوسف: ١٠٨  يعني الوزارة عندها مئات الوظائف بل قد تصل ألوفا وظيفة داعية، ومع الأسف أن كثيرا من هؤلاء الشباب الذين تخرجوا في الكليات الشرعية وتوظفوا وقفوا حيث انتهوا إنما يستطيع أن يمشي يقف أمام عامة الناس فيتكلم ربع ساعة ويسمون هذه هي الدعوة ويغفلون الوصف يوسف: ١٠٨  طالب العلم إذا ما تابع التحصيل والتعليم والتعلم والحفظ والفهم للنصوص ينتهي هذا لا يستحق أن يسمى لا عالما ولا طالب علم ولا داعية هذا خلاص هذا موظف.

وقد بلّغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- البلاغُ المبين.

البلاغَ.

وقد بلّغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- البلاغَ المبين وأوضح الحجة للمستبصرين وسلك سبيله خير القرون ثم خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم وافترقوا فأقام الله لهذه الأمةَ من يحفظ عليها.

الأمةِ الأمةِ.

فأقام الله لهذه الأمةِ من يحفظ عليها دينها كما أخبر الصادق -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم».

هذا الحديث متواتر رواه جمع من الصحابة أكثر من عشرة، ورواه عن كل واحد منهم جمع من التابعين فهو من الأحاديث المتواترة.

وممن قام بهذا الحق من علماء المسلمين الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزْديّ الطحاويّ تغمده الله برحمته بعد المائتين فإن مولده سنة تسع وثلاثين ومائتين ووفاته سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.

يعني مولده بعد قبل وفاة الإمام أحمد بسنتين، وفاته سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في الخُمُس الأول أو بداية الثاني من القرن الرابع.

فأخبر- رحمه الله- عما كان عليه السلف ونقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيِّ وصاحبيه أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحميري الأنصاري ومحمد بن الحسن الشيباني رضي الله عنهم ما كان يعتقدونه من أصول الدين ويدينون به رب العالمين وكلما بعد العهد ظهرت البدع.

الترضي في العرف العلمي عند أهل العلم مخصوص بالصحابة رضوان الله عليهم والترحم فيمن بعدهم، يتجوَّز بعض أهل العلم ويخرجون عن هذا العرف ويترضون عن من جاء بعد الصحابة، وابن القيم نص على هذا وقال لا يقال لمحمد -عليه الصلاة والسلام- عز وجل وإن كان عزيزًا جليلاً هذا خاص بالله- جل وعلا- عُرْفًا والصلاة خاصة به فلا يقال لآحاد الصلاة على سبيل الانفراد فضلاً عمن دونهم -صلى الله عليه وسلم- مع أنه جاء في بعض النصوص ما يدل على الجواز لكنه لا يتخذ عادة ولا ديدنا «اللهم صل على آل أبي أوفى» يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً لقوله جل وعلا: ﮢﮣ التوبة: ١٠٣  لما جاء ابن أبي أوفى بزكاته امتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال «اللهم صل على آل أبي أوفى» ولكن لا يتخذ عادة ولا ديدنا يصلى على آحاد الناس على جهة استقلال ولا يخص بذلك واحدا منهم دون غيره، المقصود أنه لو أن التبعية ويثبت فيها تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، فإذا قلت صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما فيه إشكال، لكن الكلام فيما إذا أفرد واحد منهم فإنه لا يخص بالصلاة دون غيره، وكثير من أتباع المذاهب خرجوا على هذا العرف فيقولون أحمد رضي الله عنه، والشافعي رضي الله عنه، أبو حنيفة رضي الله عنه، وإن كان الترضي في الأصل مخصوص بالصحابة ولا يعني هذا أنه حرام أو لا يجوز لا، لكنه عرف عند أهل العلم مسلوك وعليه تدل النصوص.

طالب: .............

أين؟

على سبيل التبع لا استقلال.

طالب: .............

ما يستقلون عرفًا لكن لو فعله أحد ما ينكر عليه.

وكلما بعد العهد ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل.

تلطيف في العبارة يسمونه تأويل وهو في الحقيقة تحريف.

ليقبل وكلما بعد العهد ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليُقبل وقلَّ من يهتدي.

ترويج يسمونه تأويلا، والتأويل له معنى صحيح وله معنى فاسد، وإذا كانت اللفظة محتمِلة خف أمرها عند من يسمعها، ولذلكم إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري أبو جعفر تفسيره مبني على هذا، جامع البيان والمبيِّن لتأويل القرآن، وفي كل آية يقول: القول في تأويل قوله جل وعلا، القول في تأويل قوله تعالى، فهو مبني على المعنى الصحيح للتأويل، وكلامهم الذي أطلقوا عليه تأويلا وهو في الحقيقة تحريف يندرج في المعنى الفاسد للتأويل.

وقل من يهتدي إلى الفرق بين التحريف والتأويل إذ قد سمي صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً وإن لم يكن ثَم قرينة توجد ذلك ومن هنا حصل الفساد.

الاحتمال المرجوح في معاني أو أحد معنيي اللفظ لا يعدل على المعنى الراجح إلى المرجوح إلا لقرينة تقتضي ذلك، وإلا فالأصل في الكلام الحقيقة وهم عدلوا عن الراجح إلى المرجوح بغير مقتضٍ له فوقعوا في المحظور.

فإذا سموه تأويلاً قبل وراج على من لا يهتدي إلى الفرق بينهما.

لأن هذا اللفظ مقبول عند أهل العلم لأن له معنى صحيحا.

فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إلى إيضاح الأدلة ودفع الشبه الواردة عليها وكثر الكلام والشغب وسبب ذلك إصغاؤهم إلى شبه المبطلين وخوضهم في الكلام المذموم الذي عابه السلف ونهوا عن..

والشبه تستهوي النفوس وتعلق بالقلوب وتسرع إلى القلوب الفارغة أسرع من الماء في منحدره، ولذلكم تجدون عامة الناس إذا أصغوا إلى هذه الشبه أشربتها قلوبهم ثم صعب انتزاعها منهم، الكلام المنسوب إلى العقل أولاً حفظ النصوص والأمور السمعية صعبة على النفوس لماذا؟ لأن الجنة حفت بالمكاره، وهذا وُعد عليه الثواب العظيم فهو مما يوصل إلى الجنة، وأما الكلام العقلي الذي قد يكون مما يوصل إلى النار وغضب الجبار فهو مما حفت به النار كالشهوات، والجنة حفت بالشهوات بما تشتهيه النفوس، تجد الإنسان ينساق وراء كتاب ويقرأ وينتهي منه وليس فيه ولا دليل من الكتاب والسنة ويستثقلون الكتب التي فيها الأدلة، ونسمع حتى من طلبة العلم من يقول لماذا لا تقرأ في تفسير ابن جرير وتقرأ في تفسير الكشاف أو الرازي وكذا وكذا؟ قال تفسير فيه تحليلات وفيه أشياء عقلية تنمي الفكر والعقل وأما الطبري كله حدثنا حدثنا كله تكرار وترديد كلام يستثقلونه ثقيل على النفوس والله المستعان.

ونهوا عن النظر فيه والاشتغال به والإصغاء إليه امتثالاً لأمر ربهم حيث قال    ﯿ ﰃﰄ الأنعام: ٦٨  فإن معنى الآية يشملهم وكل من التحريف والانحراف على مراتب فقد يكون كفرًا وقد يكون فسقًا وقد يكون معصية وقد يكون خطئًا فالواجب.

لما قال ابن عربي:

ألا بذكر الله تزداد الذنوب .

 

وتنطمس البصائر والقلوب

معارضا بذلك قول الله جل وعلا    الرعد: ٢٨  أجاب عنه أتباعه بأن المراد بالذكر التي تزداد به الذنوب الذي لا يحضر فيه القلوب هنا يقول المؤلف رحمه الله: كل من التحريف والانحراف على مراتب فقد يكون كفرًا، وقد يكون فسقًا، وقد يكون معصية، وقد يكون خطئًا، من تحريف النصوص ما يتضمن الخروج من الدين، ومنه ما يوقع في خلل كبير في الاعتقاد وإن لم يصل إلى الخروج من الملة والبدع كما تقرؤون في كتب الفِرَق منها البدع المغلظة التي تخرج من الملة وهم يعتمدون على النصوص من الكتاب والسنة لكنهم يحرفونها وبسبب هذا التحريف خرجوا من الملة، ففي التحريف ما يكون كفرا، ومنه ما يكون فسقا، من الفِرَق من يرتكب بدعة مفسقة لا تصل إلى حد الخروج من الملة وسبب ذلك أنهم اعتمدوا على نصوص، لو جاؤوا بأقوال مجردة عن النصوص ما راجت على أحد، لكنهم يعتمدون على نصوص من جهة ويحرفون هذه النصوص، ويتركون ما يأتي في الباب نفسه مما يفهم منه صرف المعنى الذي أرادوه عندك، من النصوص ما يتكئ عليه الخوارج من أدلة القرآن والسنة، ومنها ما يعتمد عليه من يقابلهم من المرجئة مثلاً، ومن النصوص ما يستدل به الروافض، ومنها ما يستدل به من يقابلهم من النواصب، والسبب في ذلك أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، ينظرون إليها من جهة ولا ينظرون إلى ما يقابلها ويوضحها ويبين معناها من جهة أخرى، وفَّقَ الله- جل وعلا- أهل السنة والجماعة الذين هم وسطٌ بين هذه الفرق فعملوا بهذه النصوص وعملوا بهذه النصوص وخرجوا بالقول الوسط الذي يوفق بين النصوص، فكون الفرق تأخذ بطرف وتترك الآخر لا شك أن هذا أمر خطير وقد يوصلهم إلى الكفر أحيانًا، وقد يوصلهم إلى الفسق، من البدع التي لا تخرج عن الملة وقد يكون خطئًا إنسان اجتهد وقصده الحق لكن ما وفق، حاول أن يجمع بين النصوص ويوفق بينها لكنه ما وفق إلى القول الصحيح وهذا المخطئ معذور وله أجر واحد.

فالواجب اتباع المرسلين واتباع ما أنزله الله عليهم وقد ختمهم الله بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فجعله آخر الأنبياء وجعل كتابه مهيمنًا على ما بين يديه من كتب السماء وأنزل الكتاب والحكمة وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين الجن والإنس باقية إلى يوم القيامة وقطعت به حجة العباد على الله وقد بين الله به كل شيء.

لئلا يكون للناس حجة بعد إنزال القرآن، ليس لأحد حجة على الله- جل وعلا- قامت به الحجة ﭥﭦ الأنعام: ١٩  من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة وقام عليه الدليل وحينئذٍ لا يُعذر          الإسراء: ١٥  والقرآن نزل بلغة العرب فمن كان من الأعاجم أو من في حكمهم ممن لا يفهم الكلام العربي كعوام الناس في الأقطار لا يفهمون، هؤلاء يبيَّن لهم ويبقى عند كثير منهم بعد البيان شبهة التعلق بالشيوخ لو كان هذا هو الحق ما خالفه فلان من شيوخنا، يعني وجود المعارِض من الشيوخ الذين هم في الغالب مرتزِقة يعرفون الحق لكنهم لو تركوا ما هم عليه انقطعوا في أمور دنياهم، الجبايات التي يحصلون عليها من الأتباع تنقطع فيستمرون على ضلالهم خشية من ذلك ويحولون بين العامة وبين الوصول إلى الحق ويحتجون بأنه لو كان خيرًا لسبقنا إليه فلان وفلان، فهم يحتجون بشيوخهم وهذا مانع من قبول الحق وليس بشرط لإقامة الحجة، تقوم الحجة بدونه، إذا سمع القرآن سمع الدليل وفهم الدليل يكفي منهم من يقول أن العوام الأتباع المساكين هؤلاء ليس لهم حكم، لهم حكم إذا بلغهم الدليل حكمهم حكم متبوعيهم     الأحزاب: ٦٧  عُذروا أو ما عذروا؟

ما عذروا.

وقد بين الله به كل شيء وأكمل له ولأمته الدين خبرًا وأمرًا وجعل طاعته طاعة له ومعصيته معصية له، وأقسم بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، وأخبر أن المنافقين يريدون أن يتحاكموا إلى غيره وأنهم إذا دُعوا إلى الله والرسول وهو الدعاء إلى كتاب الله وسنة رسوله صدُّوا صدودًا، وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحسانًا وتوفيقًا وكما يقوله كثير من..

يريدون إحسانا وتوفيقا مثل الذين يدعون ويمهدون لإيجاد القوانين ويقارنونها بالشريعة ويريدون أن يوفقوا بينها ويزيلوا الحواجز، يريدون الإحسان والتوفيق، تقريب وجهات النظر بالأسلوب المعاصر وإزالة الفروق هذا الإحسان والتوفيق الذي قاله المنافقون، الشريعة شريعة وقوانين البشر تختلف عنها ولو وافقت في النهاية من يتحاكم إلى القانون ولو في مسألة وافق فيها القانون الشرع فإنما هو متحاكم إلى غير ما أنزل الله.

وكما يقول كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم إنما نريد أن نحس الأشياء بحقيقتها أي ندركها ونعرفها ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات وهي في الحقيقة جهليات وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرسول.

-عليه الصلاة والسلام-.

أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة إنما نريد الأعمال بالعمل الحسن والتوفيق بين الشريعة وبين ما يدَّعونه من الباطل الذي يسمونه حقائق وهي جهل وضلال وكما يقوله كثير من المتملكة والمتأمرة.

يعني من الملوك والأمراء والذين يصححون لهم ويبررون لهم أخطاءهم وما يريدونه.

وكما يقوله كثير من المتملكة والمتأمرة إنما نريد الإحسان بالسياسة الحسنة والتوفيق بينهما وبين الشريعة ونحو ذلك وكل من طلب أن يحكَّم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول ويظن أن ذلك حسنا وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه فله نصيب من ذلك، بل ما جاء به الرسول كافٍ كامل يدخل فيه كل حق وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه فلم يعلموا ما جاء به الرسول في كثير من الأمور الكلامية الاعتقادية ولا في كثير من الأحوال العبادية ولا في كثير من الإمارة السياسية أو نسبوا إلى شريعة الرسول بظنهم وتقليدهم ما ليس منها وأخرجوا عنها كثيرًا مما هو منها.

لا شك أن الشرع والعقل متظافران فمن جعل الشرع هو الأصل والنص هو الأصل وجعل العقل خادما لهذا النص وفق، لكن الإشكال فيمن جعل العقل هو الأصل فإنه يحرم معرفة النص فضلاً عن فهمه؛ ولذا تجدون رؤوس المبتدعة كثير منهم لا يحفظ القرآن كثير منهم لا يحفظ من السنة شيئًا وتجدون في مؤلفاتهم الأحاديث الموضوعة ويندر أن تجد في كلامهم حديثا نقلوه بلفظه، يسمعون فيذكرون مما يسمعونه ولا يوفقون لا للفظه ولا لما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن تتبع الكلام وتتبع الأمور التي لا تستند على النص لا شك أنه يضل ولا يوفَّق للنص ولا يطيق حفظه ولا يصبر على مدارسته؛ لأنه سلك مسلك مغايرا، سلك مسلكا مخالفا للنص ولا يوفق الإنسان إلا إذا كان عنده تعظيم للنصوص أما إذا فرّط في هذا الجانب واعتمد على أقوال الناس واجتهاداتهم وآرائهم فإنه يحرم من معرفة النصوص والتلذذ بها.

فبسبب جهل هؤلاء وضلالهم وتفريطهم وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم كثر النفاق ودرس كثير من علم الرسالة، بل البحث التام والنظر القوي والاجتهاد الكامل فيما جاء به الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُعلم ويعتقد ويعمل به ظاهرًا وباطنًا فيكون قد تُلي حق تلاوته وألا يُهمل منه شيء وإن كان العبد عاجزًا عن معرفة بعض ذلك أو العمل به فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول.

نعم الناس ليسوا على درجة واحدة من الحفظ والفهم قد يعالج النص ويحاول حفظه ولا يحفظ، يعجز عن ذلك وقد يحفظه ويحاول ويجاهد في فهمه فلا يوفَّق لذلك فلا يلام إذا بذل وسعه لكن متى يلام؟ إذا حذر منه نهى عنه النص هذا صعب فنعدل إلى غيره هذا لا يفهم، هذه ألغاز! ليس بصحيح كونك ما تفهم العيب فيك.

وإن كان العبد عاجزًا عن معرفة بعض ذلك أو العمل به فلا ينهى عما عجَز عنه مما جاء به الرسول بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ويرضى بذلك ويود أن يكون قائمًا به وألا يؤمن ببعضه ويترك بعضه بل يؤمن بالكتاب كله وأن يصان عن أن يدخِل فيه ما ليس منه من روايةٍ أو رأي أو يتبع ما ليس من عند الله اعتقادًا أو عملاً كما قال تعالى: البقرة: ٤٢.

يعني النهي عن خلط الحق بالباطل وكل ما أدى إلى ذلك يجب منعه، اللفظ الموهم المحتمل للحق والباطل يجب منعه، الفعل الموهم للحق والباطل يجب منعه لئلا يزاوَل الباطل ويظن الناس أنه من نوع الحق، يأتون بأشخاص من أجل ترفيه الناس والترويح عنهم- ويزاولون- منهم من يزاول السحر بحقيقته، ومنهم من يزاول باحتراف وخفة ما يقرب من السحر فيجب منع هذا؛ لأن الناس لا يفرقون؛ ولئلا يقع الناس فيما حرم الله مما هو موصل إلى الكفر أو في بعض أنواعه كفر، ويزعم ويدعي أنه احتراف أو خفة أو ما أشبه ذلك حتى ولو كان من هذا النوع لكن الناس لا يدركونه يجب منعه، فكل ما التبس فيه الحق بالباطل من قول أو فعل يجب منعه،

 هارون الرشيد جيء له بشخص قيل إنه خفيف اليد هذا بحيث أنه يرمي الإبرة فتنغمس وتنغرس في الأرض ثم يرمي أخرى فتدخل في ثقبها ثم يرمي الثالثة تدخل في ثقب الثانية إلى مائة يقول هذه خفة أمامك تراه بعينيك، تقرأ آية الكرسي إن كان سحرا يبطل، ما يبطل والواقع أنه خفة قال هارون الرشيد أعطوه مائة درهم واجلدوه مائة جلدة؛ لأن هذا محتمل حق وباطل فمثل هذا يجب منعه ومع الأسف أنه يؤتى به في الصيف في أماكن تجمعات الناس، المحترف الفلاني ثم في النهاية يصرحون بأنه ساحر والسحر كفر ﭴﭵ البقرة: ١٠٢  كلام لشيخ الإسلام- رحمه الله- في الفرقان كلام جميل في هذا الباب ينبغي لطالب العلم أن يراجعه.

وهذه كانت طريقة السابقين الأولين وهي طريقة التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وأولهم السلف القديم من التابعين الأولين ثم من بعدهم.

القديم هذه صفة مدح أو ذم؟

مدح.

مدح لأننا ننظر إلى رموز الأمة في الصدر الأول من تاريخها قدماء وهم مثار عزنا ومصدر من مصادر افتخارنا، لكن إذا نظرنا إلى الخلف ورأيناهم سبب تخلف الأمة وتأخر الأمة ذمينا القديم كما يفعله كثير من الناس، هذا عتيق هذا قديم هذا ما أدري إيش- نسأل الله العافية-

 الله المستعان، من أراد أن ينظر في فضل السلف على من جاء بعدهم مدح طريقتهم وأنها تختلف عما جاء بعدهم من الخلف فليقرأ كتاب ابن رجب فضل علم السلف على الخلف، وكان مما قاله- رحمه الله- من فضَّل عالمًا على آخر بمجرد كثرة كلامه فقد أزرى بالسابقين الأولين بسلف هذه الأمة؛ لأن كلام السلف قليل لكنه مبارك، وكلام الخلف كثير يكتبون في مسألة واحدة مجلدا وفي النهاية نعم إذا كان فيه بيان وفيه أدلة ونصوص مثل ما يكتب شيخ الإسلام معتمد على نصوص الكتاب والسنة البيان مطلوب لاسيما إذا وجد المقتضي من أن القارئ لا يستوعب إلا إذا فُصِّل له، لكن هناك كتب قرأها الناس في الزمان المتأخر يتكلم عن قضية بكتاب كامل وتقرأ في النهاية لا دليل لا من كتاب ولا تخرج بشيء ويمكن تلخيص الكتاب بكلمة أو بسطر وفي النهاية تقول كتاب جيد، طيب جيد لماذا؟ ما تقدر تعلل هذا من علم السلف ليس من علم السلف والله المستعان.

ومن هؤلاء أئمة الدين المشهود لهم عند الأمة الوسط بالإمامة فعن أبي يوسف- رحمه الله تعالى- أنه قال لبشر المريسي العلم بالكلام هو الجهل.

هذا من رؤوس الجهمية وصل به الأمر إلى أن قال سبحان ربي الأسفل- نسأل الله العافية-.

العلم..

وليست مقالته هذه أول ما قال ولا يمكن أن تكون أول ما قال بل قال قبلها كلامًا كثيرًا تساهل فيه وبعد فيه عن النص وأرخى لعقله العِنان وعوقب بمثل هذا الكلام، في النهاية يقول: سبحان ربي الأسفل، ولذلك نوصي إخواننا من طلاب العلم أن يهتموا بهذا أشد الاهتمام وأن يجعلوا من الاحتياط والسياج المنيع لأقوالهم وأفعالهم ما يحفظهم من هذا الانزلاق؛ لأنا رأينا حتى في عصرنا الآن ممن يتصدرون للناس أمورًا ما كان يتصور في يوم من الأيام أن يصلوا إليها فلا بد من التحري والتثبت ولا تقول إلا ما عليه دليل من كتاب أو سنة.

فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لبشر..

لحظة.

طالب: .............

جهمي.

طالب: .............

يوجد التقاء بين المعتزلة والجهمية، يوجد التقاء بين غلاة المعتزلة والجهمية لأن هؤلاء ينفون الأسماء وهؤلاء ينفون الجميع ويضيفون إليهم بعض الأبواب.

طالب: .............

الإباضية والزيدية في باب الأسماء والصفات معتزلة والقدرية كذلك في الأسماء والصفات والقدر معتزلة.

عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لبشر المريسي العلم بالكلام هو الجهل والجهل بالكلام هو العلم وإذا صار الرجل رأسًا في الكلام قيل زنديق أو رمي بالزندقة، أراد بالجهل به اعتقاد عدم صحته فإن ذلك علم نافع أو أراد به الإعراض عنه وترك الالتفات إلى اعتباره فإن ذلك يصون علم الرجل وعقله فيكون علمًا بهذا الاعتبار والله أعلم.

النظر في علم الكلام وكتب أهل الكلام وكتب الابتداع لا يجوز إلا لمتأهل ينوي نقضها والرد عليها وإلا فمن الذي يضمن وأنت تقرأ في هذه الكتب أن تزل قدمك وتعتقد بعض ما فيها، وكثير من الناس ابتلي بشبه ما استطاعوا الانفكاك منها.

وعنه أيضًا أنه من طلب العلم بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب.

من طلب العلم بالكلام يعني من غير اعتماد على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- تزندق جره هذا الكلام إلى الزندقة؛ لأن علم الكلام مناقض لما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإما حق وإما باطل، إذا تركت الحق ذهبت إلى الباطل، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، الكيمياء التي هي استعمال مواد تقلب الأشياء عن حقائقها أشبه ما تكون بالسحر هذا الكيمياء المعروفة عند المتقدمين، تكلم عليها أهل العلم بكثرة أفلس لأنها مجرد حيل وتخييل وخلطات يفعلونها مثل ما يفعله السحرة، من طلب غريب الحديث كذب، غريب الحديث المراد به الغرائب، الأحاديث الغريبة التي جلها غير صحيح والتي لا توجد عند عامة الشيوخ الأثبات، هذا لا بد أن يقع في الكذب سواء كان متبنيًا قائلاً أو آثرًا عن غيره «ومن حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين أو الكاذِبَين».

وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام وقال أيضًا رحمه الله تعالى:

كل العلوم سوى القرآن مشغلة

 

إلا الحديث وإلا الفقه في الدين  

العلم ما كان فيه قال حدثنا       .

 

وما سوى ذاك وسواس الشياطين 

وذكر الأصحاب في الفتاوى.

العلم قال الله قال رسوله          .

 

قال الصحابة هم أولوا العرفان             .

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة       .

 

.................................             .

إيش؟

طالب: .............

لا لا.

طالب: .............

يجيبها الله الآن.

طالب: .............

وذكر الأصحاب في الفتاوى.

الأصحاب مراده الحنفية لأن المؤلف حنفي.

أنه لو أوصى لعلماء بلده لا يدخل المتكلمون.

وعلى هذا أهل المذاهب كلهم من أهل السنة.

ولو أوصى إنسان أن يوقف من كتبه ما هو من كتب العلم فأفتى السلف أن يباع ما فيه من كتب الكلام.

هل يباع أو يتلف؟! لأن فيه مضرة على المتعلمين لكن إذا كان المشتري ممن يوثق بعلمه ورسوخه ويستفيد منه ويرد عليه هذا لا إشكال في بيعه.

ذكر ذلك بمعناه في الفتاوى الظهيرية، فكيف يرام الوصول إلى علم الأصول بغير اتباع ما جاء به الرسول ولقد أحسن القائل:

أيها المغتذي ليطلب علمًا          .

 

كل علم عبد لعلم الرسول             .

تطلب الفرع كي تصحح أصلاً

 

كيف أغفلت علم أصل الأصول   

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أوتي فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه فبُعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم الوجوه ولكن كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها فلذلك صار كلام المتأخرين كثيرًا قليل البركة بخلاف كلام المتقدمين فإنه قليل كثير البركة

ابتدع بدعة ودونها ثم أُلزم بلوازمها والتزم وبين تلك اللوازم وخفيت على بعض الناس فجاء من يشرحها حتى صارت كتب الكلام كبيرة جدًا، يعني شرح المواقف ثمانية مجلدات كبار، شرح المقاصد كذلك كتب كثيرة، الفتوحات لابن عربي طبع الطبعة الأخيرة في عشرين مجلدا كبارا وكلها من هذا النوع نسأل الله العافية.

بخلاف كلام المتقدمين فإنه قليل كثير البركة لا كما يقوله ضلال المتكلمين وجهلتهم إن طريقة القوم أسلم.

يعني السلف.

وإن طريقتنا أحكم وأعلم.

يعني طريقة الخلف، وهذا كلام متناقض ما الذي يقابل الأسلم؟ السلامة ما الذي يقابلها؟ العطب، فإذا حصلت السلامة في طريقة السلف فالعطب في طريقة الخلف فكيف تكون أعلم وأحكم؟!

وكما يقوله من لم يقدّر من لم يقدّرهم قدرهم من المنتسبين إلى الفقه إنهم لم يتفرغوا لاستنباطه وضبط قواعده وأحكامه اشتغالاً منهم بغيره والمتأخرون.

يعني ما تفرغوا لاستنباطه، هل سئل الصحابة عن مسألة فلم يجيبوا؟! نعم قد يوجد فيهم من يتورع عن الجواب لكن لا يخرج السائل بدون جواب كل مسألة يجيبون عنها.

يرحمك الله.

وكما يقول من لم يقدّر قدرهم من المنتسبين إلى الفقه.

بالتخفيف من لم يقدُرهم قدرهم.

من لم يقدُرهم قدرهم.

مشددة في الطبعة المحققة لكن الأصل الأنعام: ٩١.

وكما يقوله من لم يقدُرهم قدرهم من المنتسبين إلى الفقه إنهم لم يتفرغوا لاستنباطه وضبط قواعده وأحكامه اشتغالاً منهم بغيره والمتأخرون تفرغوا لذلك فهم أفقه فكل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف وعمق علومهم وقلة تكلفهم وكمال بصائرهم وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها وضبط قواعدها وشد معاقدها وهمم.

نذكر مثالا يوضح شيئًا من هذا، العلماء أهل الحديث المتقدمون يهتمون بضبط الحديث وإتقانه وتجويده بلفظه ويهتمون بثبوته إلى غير ذلك مما هو اهتمامهم وهذا ظاهر في مصنفاتهم لا يهتمون بعدد الأحاديث، مثلاً اختلفوا في أحاديث صحيح مسلم فقال بعضهم سبعة آلاف، وقال آخرون ثمانية آلاف، وقال ابن سلمة اثنا عشر ألفا، هل هذا لأن بعض النسخ أكثر من بعض؟ ما يهمهم العدد وصار اهتمام المتأخرين في مقابل الحفظ والضبط والإتقان القشور، يهتمون بالعدد، وبدلاً من أن يعد مسند الإمام أحمد ويقال أربعين ألفا أو ثلاثين ألفا والفرق عشرة آلاف، يجلس واحد ويتفرغ للعدد ويجلس أسبوعا يعد يحفظ مائة حديث مكانها لكن انظر إلى اهتمامات المتأخرين حتى أنهم عدوا الحروف، ذُكر عن شيخ من شيوخ اليمن من المتأخرين أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين يتوضأ أو ما يتوضأ؟ معروف أن الحكم للغالب فعد حروف القرآن وعد حروف التفسير هل هذا من عمل السلف؟

طالب: .............

نعم لو توضأ كان أسهل له، لكن ما يتوضأ مرة، الآن يرتاح إلى العمر كله.

طالب: عساه ارتاح.

المهم أنه عد إلى آخر المزمل يقول: العدد واحد، نحن ما جربناه، يقول العدد واحد بين حروف التفسير وحروف القرآن ومن المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير انحلت عنده المشكلة لكن هل يوجد من السلف من يكون هذا اهتمامه أبدًا.

وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء فالمتأخرون والقوم في شأن آخر وقد جعل الله لكل شيء قدرًا.

الآن لو تجد شخصا متبعا ومهتما بالنصوص ومهتما بالعلم  يعرف من وجهه وعلى أهله

تجد اهتماماته وأفكاره وأطروحاته في المجالس تختلف كثيرا عمن لا يهتم به كثير من المتعلمين الآن، حتى من حملت الشهادات أو أرباب المناصب أو غيرهم كل له همه.

وقد شرح هذه العقيدة غير واحد من العلماء ولكن رأيت بعض الشارحين قد أصغى إلى أهل الكلام المذموم واستمد منهم وتكلم بعباراتهم والسلف لم يكرهوا التكلم بالجوهر والجسم والعرَض ونحو ذلك لمجرد كونه اصطلاحًا جديدًا على معانٍ صحيحة كالاصطلاح على ألفاظ لعلوم صحيحة ولا كرهوا أيضًا الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق ومن ذلك مخالفتها للكتاب والسنة ولهذا لا تجد عند أهلها من اليقين والمعرفة ما عند عوام المؤمنين فضلاً عن علمائهم.

لأن الانسياق وراء التشقيق والتوسع في بعض الأمور يذهب هيبة النص، وقد يوقع في الخلل؛ لأن الإنسان إذا انساق وراء شيء وفرَّع عليه وذكر احتمالا وأجاب عنه غفل عن مضمون النص ولذلك ما تجدون عند المبتدعة من تعظيم النصوص مثل ما عند أهل السنة.

ولاشتمال مقدماتهم على الحق والباطل.

يعني على سبيل المثال في حديث «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» حديث عمر لأنت أحب الناس إلي إلا من نفسي قال «بل ومن نفسك» قال بل ومن نفسي قال «الآن يا عمر» الآن من يشرح هذا الحديث إجمالاً ويتصور سيرة الرسول وشمائل الرسول وخصائص الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحبه لكن الذي يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- تجب محبته وهو الواسطة بيننا وبين الله والخير كله جاءنا من طريقه لكن ما أحببناه إلا من أجل أنفسنا ما أحببنا لذاته ما حبيناه إلا من أجل أننا إذا اتبعناه دخلنا الجنة ونجينا من النار وفرع على ذلك صورا وأشياء، محبة الرسول إذا تصور هذا الأمر أنك ما أحببت الرسول من أجل ماذا؟ تحب الرسول؟ هل يغيب عن بالك ما اشتمل عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- من صفات الكمال البشري الذي يُحَب من أجله وأننا أمرنا بذلك وتُعِبِّدنا بذلك ولا نؤمن حتى يكون أحب إلينا إذا وقفت عند هذا الحد أحببت الرسول لكن إذا زدت على ذلك طيب، فكرت لماذا نحب الرسول؟ يقول قائل: والله هو سبب نجاتنا يعني معناه أنك لو لم تنج ما أحببته، وحقيقة الحال في هذه الصورة أنك أحببت نفسك هذا مما يؤدي إليه التفصيل والتشقيق وقد نقع فيه أحيانًا، عفا الله عما سلف وما أتينا وما نذر والله المستعان، لكن على كلام المؤلف- رحمه الله- أن السلف ما يدخلون في التفصيلات، وبعض العلماء من المحققين الراسخين دخل في تفصيلات دخل عليه منها خلل؛ لأنه لاسيما في علم الاعتقاد علم- مثل ما ذكرنا سابقًا- سمعي  لا مجال لاستقلال العقل فيه فإذا استرسل الإنسان وراء عقله لا بد أن يقع في شيء إما من خفة وضعف اليقين والمعرفة ولذلك قال: ولهذا لا تجد عند أهلها من اليقين والمعرفة ما عند عوام المسلمين، نحن لا نشبه العالم المتبع التقي المعظم للنصوص ولو استرسل لو شقق ولو توسع لكنه لا بد أن يدخل عليه شيء من الخلل، ما عند عوام المؤمنين فضلاً عن علمائهم وأكثر الملاحظات على العلماء المحسوبين من أهل السنة إنما تأتيهم من هذا الباب.

ولاشتمال مقدماتهم على الحق والباطل كثر المِراء والجدال وانتشر القيل والقال وتولد لهم عنها من الأقوال المخالفة للشرع الصحيح والعقل الصريح ما يضيق عنه المجال وسيأتي ذلك زيادة بيان عند قوله: فمن رام علم ما حُظِر عنه علمه وقد أحببت أن أشرحها سالكًا طريق السلف في عباراتهم وأنسج على منوالهم متطفلاً عليهم لعلي أن أُنْضَمَّ في سلكهم.

أُنضَمَ.

أحسن الله إليك.

لعلي أن أُنْضَمَ في سلكهم وأدخل في عدادهم وأُحشر في زمرتهم ﭿ ﮇﮈ النساء: ٦٩  ولما رأيت النفوس مائلة إلى الاختصار آثرته على التطويل والإسهاب ﯼﯽ ﯿ هود: ٨٨  وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...

"