شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (280)
المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المُقَدِّم: حديثنا متواصل عن باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة، في الحديث مائة وخمسة عشر في المختصر، مائة وأربعين في الأصل حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-، توقفنا عند قوله: «ثم مسح برأسه».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،
ففي آخر الحلقة السابقة في كلام ابن قدامة في قدر الواجب مسحه من الرأس يقول: فقد روي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، ومذهب مالك، وروي عن أحمد: يجزئ مسح بعضه. وبه قال الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أنَّ الظاهر عن أحمد - رحمه الله - في حق الرجل وجوب الاستيعاب، وأنَّ المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها.
لاختلاف شعر الرجل عن شعر المرأة، يعني شعر الرجل أخف من شعر المرأة، فمسحه أيسر من مسح شعر المرأة، وهذا وجه التفريق، وعلى كل حال سيتبين من خلال أدلة سابقة، ومن خلال المناقشات أنَّ الواجب مسح الجميع.
يقول: زعم من ينصر ذلك- يعني مسألة الاكتفاء بالبعض-، زعم من ينصر ذلك أنَّ الباء للتبعيض، فكأنَّه قال: وامسحوا بعض رؤوسكم، يقول ابن قدامة: ولنا قول الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، والباء للإلصاق، وامسحوا بعض رؤوسكم، ويقول: لنا قول الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] الباء للإلصاق، يعني ليست للتبعيض كما زعم أصحاب الرأي الثاني، فكأنه قال: وامسحوا رؤوسكم فيتناول الجميع. كما قال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء:43]، هل نستطيع أن نقول {بوجوهكم} أنَّ الباء للتبعيض امسحوا بعض وجوهكم؟
المُقَدِّم: لا.
لا، وقولهم: الباء للتبعيض غير صحيح، ولا يعرف أهل العربية ذلك، قال ابن برهان: من زعم أنَّ الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. واستدل من قال بمسح البعض بحديث المغيرة.
أولًا من أدلتهم أنَّ الباء للتبعيض، وأيضًا في حديث المغيرة فقد روى «أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- مسح بناصيته وعمامته»، الجواب عن كون الباء للتبعيض أنَّ أهل العربية لا يعرفون مجيء الباء للتبعيض، بل هي هنا للإلصاق كما في قوله في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء:43]، يُجاب عن حديث المغيرة أنَّ حديث المغيرة يدل على جواز المسح على العمامة. يقول: ونحن نقول به، نعم إذا كانت هناك عمامة بشروطها يُمسح عليها، يعني مع الناصية كما في حديث المغيرة.
في تفسير القرطبي يقول: الرأس عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة، ومنها الوجه، إذا قيل فلان قُطع رأسه، ما المقصود به؟ أعلى الرأس الذي فيه الشعر، أم من الرقبة؟
المُقَدِّم: من الرقبة.
من الرقبة، يقول: الرأس عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة، ومنها الوجه، فلمَّا ذكره الله- عزَّ وجلَّ- في الوضوء وعيَّن الوجه للغسل بقي باقيه للمسح، ولو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه، كله بما فيه الوجه، ما عليه شعر من الرأس وما فيه العينان والأنف والفم. وقد أشار مالك في وجوب مسح الرأس إلى ما ذكرناه، فإنَّه سئل عن الذي يترك بعض رأسه في الوضوء فقال: أرأيت إن ترك غسل بعض وجهه أكان يجزئه؟ الجواب؟
المُقَدِّم: لا.
لا، ثم قال القرطبي:
الثامنة: اختلف العلماء في تقدير مسحه على أحد عشر قولًا، وحقيقة يستوعب القرطبي الأقوال استيعابًا غريبًا، يعني هنا أحد عشر قولًا، بينما لو تحضر الكتب المتخصصة في الفقه ما وجدت هذه الأعداد، في كفارة التحريم إذا قال لزوجته: هي عليَّ حرام، ذكر ثمانية عشر قولًا، لو رجعت إلى كتب الفروع ما وجدت كثيرًا من هذه الأقوال، فهو كتاب تفسير، ويُعنى بتفسير القرآن بالقرآن أيضًا، يذكر النظائر من الآيات، لكن ليس مثل ابن كثير أو الشنقيطي في هذا الباب، يُعني أيضًا بالتحليل اللغوي والاستشهاد على ذلك من شعر العرب، يعني له عناية فائقة، ويذكر أيضًا الأحكام وكأنَّه كتاب فقه، في هذه الآية ستون مسألة كآية الدين مثلًا، وفي بعض الآيات ثلاثون مسألة، خمسة عشر مسألة، عشر مسائل، يعني كتاب حافل، ويذكر من الأقوال ما لم يطلع عليه كثير من الناس.
المُقَدِّم: وخُدم الكتاب يا شيخ؟
حُقق مرارًا يعني طبعات دار الكتب، دار الكتب المصرية طبعته مرارًا بتحقيق لا مزيد عليه، واعتمدوا في بعض الأجزاء على ثلاث عشرة نسخة، في بعضها عشر، وفي بعضها ثمانٍ، على كل حال الكتاب مخدوم، وحقق مرارًا، وخرجت أحاديثه، لكن التخريج الكافي الشافي الوافي للأحاديث لا يوجد إلى الآن، هناك محاولات مختصرة، نعم هي قد يقول قائل إنَّها تليق بسعة الكتاب، يعني أحصيت ما في الجزء الأول من عشرين جزءًا أكثر من ستمائة حديث، يعني نحتاج إلى اثني عشر ألف حديث لنخرج أحاديث القرطبي، وشرعت فيه قديمًا ثم تعبت من طوله وأرجأته، هناك محاولات يعني تحقيقات فيها تعليقات جميلة وجيدة، لكنها لا تفي بالغرض، على كل حال الكتاب لا يستغني عنه طالب علم.
يقول: على أحد عشر قولًا، ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، يعني المالكية، والصحيح منها واحد يعني من أقوالهم الستة وهو وجوب التعميم، يعني الصحيح في مذهبه، في مذهب مالك.
المُقَدِّم: نعم.
يعني نستفيد من مثل القرطبي.
المُقَدِّم: الجمع والتحقيق والاختيار.
نعم، أيضًا الاطلاع على أقوال المالكية التي كثير منها لم يصل إلينا، وأيضًا مراجعات كثير من طلاب العلم من غير المالكية لكتب المالكية قليل، وفي بعض كتبهم شيء من العسر، يعني اختلاف الترتيب، واختلاف التعبير أحيانًا، واختلاف المصطلحات قد يعوق عن تحصيل من كتب المالكية لا سيما مختصر خليل وما يدور في فلكه. يعني فيها.. التعامل معها فيه شيء من الصعوبة.
على كل حال نستفيد من تفسير القرطبي تحرير مذهب مالك، كما أننا نستفيد من المنتقى والاستيعاب والتمهيد لابن عبد البر أـيضًا تحرير مذهب مالك في المسائل، وأيضًا نستفيد من مثل العيني وهو من فقهاء الحنفية نستفيد من ذكره لمذهب أبي حنفية وصاحبيه في مذهب الحنفية من أقوال ووجوه من عمدة القاري مثلًا؛ لأنَّ طالب العلم قد يصعب عليه مراجعة كتب الفروع في المذاهب الأخرى، يعني إذا كان الحنبلي يسهل عليه التعامل مع كتب الشافعية مثلًا للتقارب في الأصول، يصعب عليه التعامل مع كتب الحنفية وكتب المالكية، لا أقول الطالب المنتهي، لكن الطالب الذي ازدحمت عليه العلوم المتوسط، فمثل تفسير القرطبي يستفيد منه الأحكام، ويستفيد منه الأقوال، لكن ينبغي أن ننتبه لشيء وهو أنَّ مثل القرطبي والعيني إذا نسبا أقوالًا إلى غير مذهبهما فينبغي التحقق من كتب المذاهب نفسها، إذا قال: قال أحمد، يقول القرطبي مثلًا، أو قاله العيني، أو قال العيني: قال مالك، أو قال القرطبي: قال الشافعي مثلًا وأبو حنيفة.
المُقَدِّم: لازم أن نتحقق.
نتحقق من كتبهم هم؛ لأنَّ هذه المذاهب مثل ما بسطنا في
المُقَدِّم: الحلقة الماضية.
الحلقة الماضية، المذاهب مشتملة على أقوال وعلى روايات، وأصحاب المذهب أدرى بالمعول عليه من هذه الأقوال.. من هذه الروايات من غيرهم، فقد يأخذ أدنى رواية من روايات المذهب الحنبلي فيقول: قال أحمد، لكنها ليست المعتمدة في المذهب، فننتبه لمثل هذا.
يقول: ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه. وأجمع العلماء على أنَّ من مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه، والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض، والمعنى رؤوسكم. وقيل: دخولها هنا كدخولها في التيمم في قوله: "فامسحوا بوجوهكم"، فلو كان معناها التبعيض لأفادته في ذلك الموضع، ولا قائل به، وهذا قاطع. وقيل: إنما دخلت لتفيد معنى بديعًا وهو أنَّ الغسل لغة يقتضي مغسولًا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحًا به، الغسل إذا قلت: غسلت رأس اليتيم، قلت غسله بإيش؟ بالماء.
المُقَدِّم: أكيد بالماء.
أقل الأحوال تكون غسلته بالماء، أو أضفت إليه شيئًا من المنظفات، لكن إذا قلت: مسحت رأس اليتيم؟
المُقَدِّم: بيدك.
بدون ماء، لا يقتضي أن يكون ممسوحًا به، من وجه الممسوح به، فدخلت هذه الباء؛ لتفيد معنى بديعًا، وهو أنَّ الغسل لغة يقتضي مغسولًا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحًا به، والتمثيل برأس اليتيم مثلًا.
المُقَدِّم: قريب.
قريب، الحث على مسح رأس اليتيم مثلًا، هل تأتي بماء وتمسح على رأسه؟
المُقَدِّم: لا.
لا، لا يقتضي ممسوحًا به، لكن لو قلت: غسلت رأس اليتيم يقتضي مغسولًا به، فلو قال: وامسحوا رؤوسكم لأجزأ المسح باليد إمرارًا من غير شيءٍ على الرأس، فدخلت الباء لتفيد ممسوحًا به، وهو الماء، فكأنه قال: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الماء، وذلك فصيح في اللغة.
وفي شرح المهذب للنووي: فرع في مذاهب العلماء في أقل ما يُجزئ من مسح الرأس، وقد ذكرنا أنَّ المشهور من مذهبنا- يعني الشافعية- أنَّه ما يقع عليه الاسم وإن قل، حتى قال بعضهم ولو بعض شعرة، ولو بطرف أصبعه، يعني هل يتحقق في مثل هذا مسح؟
المُقَدِّم: ما يتحقق.
لا لغة ولا عرفًا ولا شرعًا ولا، لكنهم يذكرون هذا، وقد ذكرنا أنَّ المشهور من مذهبنا أنه ما يقع عليه الاسم وإن قل.
المُقَدِّم: هذا والذين يقولون ولو شعرة، من هم من يا شيخ؟
من الشافعية من يقول هذا.
المُقَدِّم: وفي تفسير الجلالين أيضًا، ورد هذا ولو شعرة.
هو شافعي.
المُقَدِّم: هو شافعي.
هو شافعي.
المُقَدِّم: لكن هو المقصود ولو شعرة كهذه.
نعم، ولو بعض شعرة قالوا، قال بعضهم.
المُقَدِّم: لأنَّي مرة قرأتها فاعتقدت أنَّه يقول: ولو بعض شعره، فتحققت منها كأنَّها فعلًا ولو بعض شعرة.
لا لا، ينصون على هذا، يعني أقل ما يقع عليه الاسم، لكن هل يقع الاسم لغة أو عرفًا بمسح شعرة؟
المُقَدِّم: لا، ما يُمكن.
وإن قل، وحكاه ابن الصباغ عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وحكاه أصحابنا عن الحسن البصري وسفيان الثوري وداود، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات أشهرها ربع الرأس، والثانية قدر ثلاث أصابع، والثالثة قدر الناصية، وعن أبي يوسف نصف الرأس، وعن مالك وأحمد والمزني جميع الرأس على المشهور عنهم.
واحتج لمن أوجب الجميع بقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [النساء:43] قالوا: والباء للإلصاق، كقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] يعني هل يُمكن أن تتطوف ببعض البيت؟
المُقَدِّم: لا.
فكذلك {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [النساء:43]، كقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]؛ ولأنَّه ثبت أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- مسح الجميع، وقياسًا على التيمم.
الآن النووي لما احتج لمن أوجب الجميع، لمالك وأحمد بقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] يعني مما قد لا يوجد في كتب المالكية والحنابلة الاستدلال بهذه الآية، هم استدلوا بآية التيمم، وزاد النووي {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] وهو شافعي، وجرت عادة مقلدة المذاهب أنَّهم لا يستوعبون ما ذكره غيرهم من الأدلة فضلًا عن أن يزيدوا عليها، ولا شك أنَّ هذا إنصاف وبحث عن حق، وكم من مسألة رجحها النووي تبعًا للدليل خلافًا لمذهبه، كقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]؛ ولأنَّه ثبت أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- مسح الجميع، وقياسًا على التيمم في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [النساء:43] ويجب فيه الاستيعاب.
واستدل لأصحابه الشافعية بحديث المغيرة، وأنَّ الباء للتبعيض وسبق الجواب عنهما، إذا عرفنا هذا فالمرجح.
المُقَدِّم: مسح كامل الرأس.
مسح جميع الرأس؛ لأنَّه هو الذي يطلق عليه الرأس إذا أطلق لغة، وإذا عرفنا الجواب عن الباء وأنَّها للإلصاق وليست للتبعيض، وأنَّها من أجل أن تقتضي ممسوحًا به انجلى الإشكال، وكذلك الجواب عن حديث المغيرة أنَّه مسح الناصية مع العمامة، والعمامة يجوز المسح عليها بشروطها.
إذا عرفنا هذا فقد قال القرطبي في المسألة العاشرة: اختلفوا من أين يبدأ بمسحه، فقال مالك يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخره، ثم يردهما إلى مقدمه، على حديث عبد الله بن زيد أخرجه مسلم، وبه يقول الشافعي وأحمد بن حنبل. يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخره، ثم يردهما إلى مقدمه، على حديث عبد الله بن زيد أخرجه مسلم، وبه يقول الشافعي وابن حنبل، وكان الحسن بن حي يقول: يبدأ بمؤخر رأسه على حديث الربيع بنت معوذ، وهو حديث يختلف في ألفاظه، وهو يدور على عبد الله بن محمد بن عقيل وليس بالحافظ عندهم، يعني هذا النقد من القرطبي هو قد يحتاج إلى مثل هذا النقد لكن ليعلم طلاب العلم أنَّ بضاعة القرطبي ليست على مستواه الفقهي ولا اللغوي.
المُقَدِّم: في الحديث.
في الحديث، أقل، أقل بكثير، وقد ينزل في التخريج ويخرج لابن ماجه والحديث الصحيح في البخاري مثلًا، وعنايته بصحيح مسلم معروفة كونه ينسب الحديث السابق حديث عبد الله بن زيد لمسلم وهو في الصحيحين مثلًا، عمومًا عناية المغاربة بصحيح مسلم أكثر من عنايتهم بصحيح البخاري.
على كل حال يقول: هو يدور على عبد الله بن محمد بن عقيل وليس بالحافظ عندهم، أخرجه أبو داود من رواية بشر بن المفضل عن عبد الله عن الربيع. وفي حديث عبد الله بن زيد، انتهى كلام القرطبي.
في حديث عبد الله بن زيد، وهو من أحاديث العمدة في الصحيحين.
المُقَدِّم: نعم.
«ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة»، «أقبل بهما وأدبر مرة واحدة» هذه الرواية تقتضي.
المُقَدِّم: تقتضي أنَّه بدأ من الخلف.
من الخلف، فأقبل بهما إلى المقدم.
المُقَدِّم: وأدبر.
ثم أدبر، ما فيه ثم، وأدبر، وفي رواية «بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه»، وهذه في الصحيح، هذه الرواية مفسرة ما تحتمل، لكن ماذا عن «فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر»؟ يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة قوله: «فأقبل بهما وأدبر» اختلف الفقهاء في كيفية الإقبال والإدبار على ثلاثة مذاهب.
أحدها: أن يبدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه، ويذهب إلى القفا، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مبتدأ الشعر من حد الوجه، وعلى هذا يدل ظاهر قوله «بدأ بمقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه»، وهو مذهب مالك والشافعي، وهو أيضًا المعروف عند الحنابلة، إلا أنه ورد- يقول ابن دقيق العيد- إلا أنَّه ورد على هذا الإطلاق - أعني إطلاق قوله: «فأقبل بهما وأدبر» - إشكال من حيث إن هذه الصيغة تقتضي أنه أدبر بهما وأقبل؛ لأنَّ ذهابه إلى جهة القفا إدبار، ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال.
المُقَدِّم: إقبال.
فمن الناس من اعتبر أنَّ هذه الصفة المتقدمة التي دل عليها ظاهر الحديث المفسر، فمن الناس من اعتبر أنَّ هذه الصفة التي يعني المتقدمة، التي دل عليها ظاهر الحديث المفسر «بدأ بمقدم رأسه» يقول هذا هو المعتبر، وأجاب عن هذا السؤال بأنَّ " الواو " لا تقتضي الترتيب. يعني «أقبل بهما وأدبر» الواو لا تقتضي الترتيب، فسواء أقبل أو أدبر الرواية لا تدل عليه؛ لأنَّ الواو لا تقتضي الترتيب.
المُقَدِّم: فيكون أدبر وأقبل.
نعم، فالتقدير: أدبر وأقبل. وعندي فيه جواب آخر، يقول ابن دقيق العيد: وعندي فيه جواب آخر؛ وهو أنَّ الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية، أعني: أنَّه ينسب إلى ما يقبل إليه، ويدبر عنه، يعني أمور نسبية، أمور...
المُقَدِّم: نسبية.
نسبية، فقد يقول قائل: إنَّه أقبل إلى قفاه وأدبر عنه، يعني الإقبال والإدبار أمور نسبية أقبل عن أي شيء؟ وأدبر عن أي شيء؟ ما فيه، ما فيه ذكر المقبل عنه والمدبر عنه، هذا معنى كلام ابن دقيق العيد، لكن الظاهر من استعمال مثل هذا أنَّ الإقبال إلى الوجه، والإدبار عنه، نعم؛ ولذا ما فيه سمت الوجه يُقال له قُبل البدن، وما فيه سمت القفا يُقال له دبر البدن، هذا هو الظاهر من الاستعمال، والإشكال إنَّما يرد لو قال: أقبل بهما ثم أدبر، هنا يرد الإشكال، مادام العطف بالواو التي لا تقتضي الترتيب، ينتفي الإشكال.
ومن الناس من قال: يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى وجهه، ثم يرجع إلى المؤخر، محافظة على ظاهر قوله " أقبل وأدبر" كأنَّه للجمع بين هذه الروايات يقول: يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى وجهه ليكون أقبل بهما وأدبر ثم يرجع إلى المؤخر، فكأنَّه يمر اليد على الرأس ثلاث مرات، محافظة على ظاهر قوله " أقبل وأدبر"، وهذا يعارضه الحديث المفسَّر أو المفسِّر لكيفية الإقبال والإدبار؛ لأنَّه يقول: بدأ بمقدم رأسه، وهنا يقول: يبدأ بمؤخر رأسه، وإن كان هذا التفسير يؤيده ما ورد في حديث الربيع «أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بمؤخر رأسه» فقد يحمل ذلك على حالة، أو وقت. لكن إذا أردنا الترجيح حديث الربيع فيه ما فيه من عبد الله بن محمد بن عقيل وقد طعن في حفظه، والحديث حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين.
المُقَدِّم: نقدم هذا على هذا.
نقدم هذا بلا شك.
المُقَدِّم: لكن ما فيه أحد قال بالصيغتين يا شيخ، ما الذي يمنع أن يقال إنَّه يفعل هذه مرة وهذه مرة؟
ولذلك قال في آخر الكلام: فقد يحمل ذلك على حالة، أو وقت يعني اختلاف تنوع، ما فيه ما يمنع، لكن...
المُقَدِّم: إن كانت العمامة مثلًا متقدمة يأتي من الخلف ثم يرفعها ويرجع مرة أخرى، على حسب وضع عمامته مثلًا، أو وضع ما عليه من ملابس.
هو يتبع الأيسر له، كيفما فعل أجزأ، لكن البدء بمقدمة الرأس هو الذي دل عليه حديث عبد الله بن زيد المتفق عليه.
قال ابن قدامة: ولا يسن تكرار المسح في الصحيح من المذهب، وهو قول أبي حنيفة ومالك، وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم والنخعي ومجاهد وطلحة بن مصرف، والحكم.
قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وعن أحمد أنَّه يسن التكرار، ويحتمله كلام الخرقي لقوله الثلاث أفضل، الثلاث أفضل ليست في سياق المسح مسح الرأس في كلام الخرقي، في سياق الوضوء عمومًا، الثلاث أفضل، وهو مذهب الشافعي وروي عن أنس- يعني تكرار المسح-، وكلهم يستدلون على ذلك بقوله: «توضأ ثلاثًا ثلاثًا».
قال ابن عبد البر: كلهم يقولون مسح الرأس مسحة واحدة، يعني العلماء كلهم يقولون مسح الرأس مسحة واحدة، أو الرواة، الرواة كلهم يقولون مسح الرأس مسحة واحدة؛ ولذلك يقول الترمذي العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم.
وقال الشافعي: يمسح برأسه ثلاثًا؛ لأنَّ أبا داود روى عن شقيق بن سلمة أنَّه قال: رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعل مثل هذا، ولعموم «توضأ ثلاثًا ثلاثًا»، ولنا- هذا كلام ابن قدامة- أنَّ عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ومسح برأسه مرة واحدة» متفق عليه، وقال أبو داود: أحاديث عثمان الصحيحة كلها تدل على أنَّ مسح الرأس مرة.
هنا مسألة يعني لو غسل المتوضئ رأسه بدل المسح، هذه المسألة فيها كلام لأهل العلم نبدأ بها في حلقة لاحقة، إن شاء الله تعالى.
المُقَدِّم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.