كتاب المرضى والطب - 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين، نستكمل ما بدأناه بالأمس من شرح كتابي المرضى والطب من مختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي، يشرح الكتابين فضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير، نفع الله بعلمه وبارك فيه.
كتاب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "كتاب الطب" أولاً كتاب الطب في الأصل يشتمل على أحاديث كثيرة عدتها ثمانية عشر ومائة حديث، والذي في المختصر منها اثنان وعشرون حديثًا تقارب الضعف من أحاديث الأمس؛ ولذا سترون اختصارًا أرجو ألا يكون مخلاً في شرح هذا الكتاب وإلا لو أردنا أن نشرح على طريقتنا بالأمس رغم اختصارها لاحتجنا إلى يومين من مثل هذا اليوم ويوم الأمس، على كل حال الاختصار نرجوا أن يكون غير مخل وإن اضطررنا إلى طي بعض الأشياء المفيدة بسبب ضيق الوقت فنرجو أن نوفق فيما نقول وأن نسدد فيه ونسأل الله الإعانة والتوفيق. والطب كما يقول أهل العلم كما هو واقعه علاج النفس والجسم فالطب النفسي والطب البدني الجسدي، والطبيب في الأصل هو الحاذق في كل شيء، وخُص به عرفًا المعالج، والتسمية قديمة وكره بعضهم إطلاق الطبيب على المعالج وجاء ما يدل على الكراهة، قال أنا الطبيب قال أنت الرفيق يعني بالمريض، والطبيب الله مثل هذا النفي هل يقتضي المنع من إطلاق الطبيب على المعالج أو لا؟ إن كان المراد بالطبيب الشافي فالشافي هو الله جل وعلا وإن كان المراد بالطبيب المعالج فالمعالج هو الحاذق في هذه المهنة وعلى هذا يجوز أن يطلق الطبيب على المعالج من هذه الحيثية ويكون من الأسماء المشتركة بين الخالق والمخلوق كما يقال الكريم والله جل وعلا هو الكريم، لكن قول النبي- عليه الصلاة والسلام- الطبيب الله وهذا أسلوب حصر في مقابل من قال إنه هو الطبيب فقال الطبيب الله في مثل هذا الظرف حينما يستشعر من لفظ الشخص أنه يريد رفع نفسه ويريد تزكية نفسه يسلب منه هذا الوصف، لمّا قال الأعرابي للنبي عليه الصلاة والسلام أعطني يا محمد فإن مدحي زَيْن وذمي شَيْن قال ذاك الله، ولما قيل له- عليه الصلاة والسلام- أنت سيدنا قال السيد الله مع أنه قال عن نفسه أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فإذا شُم من خلال الطرح أن هذا يريد أن يزكي نفسه أو يزكيه غيره فيرفعه فوق منزلته فإنه حينئذٍ يسلب، وعلى هذا فلا مانع من إطلاق الطبيب على المعالج شريطة ألا يطلقه على نفسه بلفظ التزكية أما مجرد تعريفه بأنه طبيب ومهنته الطب هذا لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى، قالوا مدار الطب على ثلاثة أشياء: على حفظ الصحة ويكون بالوقاية والاحتماء عن المؤذي، هذا بالحمية واستفراغ المادة الفاسدة بإخراجها من البدن، والطب موضع اهتمام من المتقدمين والمتأخرين ويوجد في العرب أطباء ويوجد في اليونان حكماء وأطباء وهم أهل الطب والحكمة وفي عهد عيسى عليه السلام يوجد الطب بكثرة؛ ولذا صارت معجزته مناسبة لما يوجد في عصره، أُلف في الطب كتب كثيرة جدًا منها ما هو مبني على التجربة وجُلّه مأخوذ عن الحكماء القدامى، ومنه ما هو مأخوذ من النصوص الشرعية وقد يخلط ببعض التجارب وبعض ما يؤثر عن الحكماء القدماء، من أشهر الكتب المتداولة في الطب عند المتقدمين الحاوي في الطب للرازي وهذا مطبوع في ثلاثين مجلدًا وفيه فوائد يستفيد منها الأطباء وغيرهم حتى العلماء من ذوي الاختصاص الشرعي يستفيدون من هذا الكتاب، وكثير منه على ما أشرنا بالأمس مبني على تجارِب غير استقرائية كما هو الشأن في كتب الطب القديم يبنى على تجارب ينفع بالنسبة لفلان فيعمم على الناس كلهم وهذا ليس بصحيح، لا بد أن تكون التجارب استقرائية ولو أغلبية لأنه لا يمكن أن يوجد شفاء يجزم بأنه يبرئ المريض من كل وجه، فإذا وجدت تجارب ولو كانت أغلبية فإنه على طريقة الأدوية في الطب الحديث صح أن يعالج بها ويكون شفاء المريض بسببها غلبة ظن، مما أُلِّف في الطب القديم عند المسلمين كتاب أشهر من أن يذكر وهو كتاب الشفاء لابن سينا مطبوع مرارًا في أوروبا ومطبوع أيضًا في مصر قديمًا ومازال يطبع وهو من أشهر كتب الطب ولكن مؤلفه كما هو معروف وإن افتخر به العرب على غيرهم من الأجناس الأخرى لكنه معروف أنه من الفلاسفة، ورُمي بالإلحاد والزندقة وعنده ما عنده في مسائل الإلهيات من خلط كثير، على كل حال كتابه هذا فيه ما ينفع الأطباء ويراجعونه على مر العصور وانتزع منه أبواب وترجمت واستفيد منها في الطب الحديث ولكن سليم القلب كالنووي- رحمه الله تعالى- قال أنه اقتنى كتاب الطب لابن سينا فأظلم قلبه وحاول الحفظ حاول الفهم ما استطاع فلما أخرجه رجع إليه ما كان يعهد، لكن هل نحس بمثل هذا الصفاء؟ يذكر عن بعض السلف أنه إذا نزل إلى السوق ورأى شيئًا من المنكرات الخفيفة يقول أنه يبول دما لكن أين القلوب التي تستشعر مثل هذه الأمور؟ القلوب ران عليها ما ران من المكاسب المختلطة، فالنووي لما اقتنى كتاب الطب لابن سينا أظلم قلبه على ما ذكر وصعب عليه الحفظ والفهم ثم لما أخرجه عاد إليه ما كان يعهد، من كتب الطب المتداولة بين الناس وهي موجودة عند الشعبيين كتاب التذكرة لداود الأنطاكي، كتاب الرحمة في الطب والحكمة المنسوب للسيوطي، وكتاب تذكرة السويدي وغيرها من الكتب، كتب كثيرة صنفت في هذا الشأن وحاجة الناس إليها ماسة لكنها مع الأسف الشديد خليط ومزيج من تجارب ناقصة ومن طلاسم وشعوذات وغيرها مما لا يجوز النظر فيه فضلاً عن اعتماده والعلاج به، كثيرًا ما يذكرون يعالج المريض برأس هدهد مثلاً يوضع في وساده أو بهذا الجدول الذي يضعونه من الحروف المقطعة التي ترمز إلى شياطين يستعينون بها لا شك أن النظر في مثل هذه الكتب لا يجوز إلا لشخص يميِّز ويستطيع أن يرد، هناك محاولات لتنقية هذه الكتب من هذه الخرافات وهي محاولات جيدة وفيها فائدة، ولا ينكر أن فيها شيء مما ينفع ويفيد لكنه في مقابل الشرك كلا شيء؛ لأن من يبيع صحة جسده برأس ماله الذي هو التوحيد لأجل الطب والحكمة، يقول الرحمة في كتاب الطب والحكمة أو في الطب والحكمة المنسوب للسيوطي قال أشبه التسميات به أن يقال كتاب اللعنة بدل الرحمة، فيحذر من هذه الكتب في حياة الحيوان للدَّمِيْري كتاب من أنفع الكتب في أحكام لحوم هذه الحيوانات بل لا يوجد ما يعوض عنه ولا يسد مسده وفيه قصص وحكايات وأمور تاريخية وأدبية كلها ممتعة ويصلح أن يستجم بها طالب العلم لكن مع الأسف أنه إذا جاء للعلاج أخفق، وهو فقيه شافعي لكن مع ذلك ذكر هذه الطلاسم وذكر هذه الخرافات وذكر ما يوجد في الكتب التي أشرنا إليها، يعني من أنفع الكتب كتاب الطب النبوي لابن القيم، وكتاب الطب النبوي للذهبي، ومجموعة من الكتب، كتاب الطب لأبي نعيم، كتاب الطب للمستغفري، كتب كثيرة في الطب وهي في الأصل مأخوذة من النصوص إلا أن فيها بعض الشيء المأخوذ من الطب القديم نعود إلى موضوع الدرس الترجمة الأولى بعد أن قال كتاب الطب قال "باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، وعلى هذا قول بعض الأطباء لبعض المرضى هذا ليس له علاج هذا كلام ليس بصحيح لأن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء يستثنى من ذلك الهرم، الهرم لا علاج له لا يمكن أن يوضب الإنسان ويرجع من جديد أبدًا خلاص هرم وانتهى ومع ذلك قد يطول عمره وهو هرم لا يحكم عليه بموت لكن تعود إليه الصحة مستحيل، أما بالنسبة للأمراض العارضة مهما استعصت على الأطباء فإن لها شفاء ولكن كما في الحديث علمه من علمه وجهله من جهله، وقد يكون الطبيب الذي يقول مثل هذا الكلام من أهل المتابعة للمخترعات والمستجدات الطبية فعلى حد علمه ينفي أنه لم يستطع الأطباء اكتشاف علاج لمثل هذا المرض لكن الأصل أن كل داء له دواء كل داء له شفاء ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء يقول "عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنزل الله داء يعني مرضًا إلا أنزل له شفاءً" أي ما أصاب أحدا بداء إلا قدر له دواء، ولمسلم من حديث جابر رضي الله عنه رفعه: لكل داء دواء فإذا أُصيب دواء الداء برئ بإذن الله، الكلام في الإصابة وقبل إصابة الدواء إصابة التشخيص تشخيص المرض ولا عبرة بالدواء إلا إذا أصيب نفس المرض وعرف بدقة فإن علاجه حينئذٍ يكون ممكن وأكثر العلاج الذي يحصل فيه الخطأ أو لا ينجع فيه الدواء إنما يكون سببه من الخطأ في التشخيص، كثيرًا ما يذكر من أخطاء الأطباء أنه إذا جاء لطبيب يظنه أمهر من الذي قبله أو يكون واقعه أمهر من الذي قبله يقول أخطأ الطبيب في التشخيص وهذا العلاج يضرك أكثر مما ينفعك بل قد قيل لبعض المرضى أنك تحتاج إلى وقت لنقض العلاج السابق فكون مفاد هذا الحديث لا يلوح لكثير من الناس بل لكثير من الأطباء سببه أنه هو لم لم يقف على العلاج المناسب أو لم يستطع التشخيص الصحيح وإلا فالحديث في الصحيح في البخاري ما أحد يستطيع أن يقدح فيه أو يقول شيئًا، حينما يقال مثلاً السرطان ما له علاج يؤيس المريض من هذا ويقضى عليه بهذه الطريقة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء يذكّر المريض بمثل هذا وأن عليك الصبر والاحتساب والشفاء بيد الله جل وعلا، والرسول يقول كذا والأسباب لا بد أن تبذل ولا بد أن يستفرغ الوسع في بذلها والله المستعان. جاء عند أبي داود النهي عن التداوي بالحرام وحينئذٍ لا يجوز التداوي بالحرام سواء كان حرامًا في مادته وتركيبه بأن يشتمل على بعض المحرمات أو كان في طريقة الحصول عليه أو في كيفية صرفه للمريض الحرام يدخله من جهات تداووا ولا تتداووا بحرام، والتداوي لا ينافي التوكل كما هو مقرر عند أهل العلم بل هو سبب من الأسباب جاء الأمر به لا على سبيل الوجوب والإلزام وإنما هو سبب من الأسباب وذلك بالنسبة لمن اعتقد أن الشفاء بيد الله جل وعلا فلا يعوّل على الطبيب ولا على العلاج، الشافي هو الله جل وعلا، والحصر تقدم الكلام فيه وإنما الطبيب والعلاج والدواء كلها أسباب والله المستعان. هذه الترجمة الأولى، الترجمة التي تليها مما حذفه المختصِر في البخاري يقول باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل؟ هذا موضوع في غاية الأهمية وغاية الحساسية، بابٌ هل يداوي الرجلُ المرأةَ والمرأةُ الرجل؟ وذكر فيه حديث الربيّع بنت معوّذ قالت كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم وليس فيه ذكر للتداوي إلا إن كان يدخل في عموم الخدمة، إن كان من عموم الخدمة المداواة هذا شيء، يقول ابن حجر ولم يجزم البخاري بالحكم ماذا قال ابن حجر؟ البخاري ماذا قال في الترجمة يقول بابٌ هل يداوي الرجلُ المرأة والمرأةُ، الرجل ما جزم بحكم، يقول ابن حجر لم يجزم البخاري بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب، أو ما كانت المرأة تصنع ذلك إلا بمن يكون زوجًا لها أو محرما، ماذا تقول كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم كن مجموعة من النسوة يخدمن مجموعة من القوم ويسقينهم، والمعروف عند أهل العلم وهذه لا بد أن ننتبه لها أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادا، ما معنى هذا الكلام؟ أن كل واحدة من هؤلاء النسوة تخدم قريبها الذي لا حجاب لها عنه نظير ما جاء في الحديث الصحيح كان الرجال والنساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضؤون جميعًا هل يقال أن الرجال الأجانب مع النساء الأجنبيات يتوضؤون جميعًا؟ الذي لا يفهم مثل هذه القواعد يقول نعم وما المانع؟ وش المانع يتوضؤون جميعًا الرجال والنساء، نقول الرجال جمع والنساء جمع والمقرر في لغة العرب وفي ما دلت عليه النصوص أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادا كما في ركب القوم دوابهم يعني كل واحد من القوم ركب دابته، وكل رجل مع امرأته يتوضؤون جميعًا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام فلا يتصور من مثل هذه الترجمة أن فيها توسعة لكون الرجل يعالج المرأة وأن هذا شيء مساوٍ لمعالجة المرأة المرأة أو الرجل، أبدًا هناك ضرورات تقدر بقدرها لكن الأصل أنه لا يجوز أن تتطلع المرأة على عورات الرجال ولا الرجال على عورات النساء وعورة كل واحد منهما معروفة بالنسبة لجنسه ولغير جنسه هذا هو الأصل الأصل المنع والتحريم، العجب كل العجب حينما يتخصص ذكر فيما يختص به النساء أو امرأة فيما يختص به الرجال مع أن الأصل المنع، فالأصل هو المنع لكن هناك ضرورات وجدت امرأة في محل لا نساء فيه وهي بحاجة مضطرة إلى علاج يعالجها الرجل والعكس لكن في حال الاختيار لا يجوز بحال، سم.
باب الشفاء في ثلاث
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى أمتي عن الكي.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى "باب الشفاء في ثلاث" عرفنا أن هذه التراجم من البخاري لا من المختصر نكرر هذا مرارًا لأنه قد يعزب عن البال أن هذه من صنيع المؤلف، المؤلف سرد ما فيه تراجم ما فيه إلا كتب، كتاب الطب ثم بعد ذلك يسرد جميع الأحاديث تحت هذه الترجمة الكبرى وليس فيه أبواب نظير صحيح مسلم فيه تراجم كبرى في الكتب لكن ليس فيه أبواب، بابٌ الشفاء في ثلاثٍ وذكرها: شربة العسل، وشرطة المحجم، وكية النار، والشفاء في ثلاثٍ هذا الحصر جاء في نص الحديث الشفاء في ثلاثةٍ وهو عندك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس؟
أي نعم عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
"عن ابن عباس رضي الله عنهما" قال هكذا أورده البخاري موقوفًا على ابن عباس لكنّ آخره يشعر بأنه مرفوع لأنه قال وأنهى أمتي عن الكي فالذي ينهى أمته هو الرسول عليه الصلاة والسلام لا ابن عباس، هذا الحصر الشفاء في ثلاثة حصر إضافي لا حقيقي، والحصر الإضافي يعني حينما يقال الشاعر حسان كأن المتكلم يقول ما فيه أحد يصلح أن يطلق عليه اسم شاعر إلا حسان هذا حصر إضافي لأنه يوجد شعراء غير حسان، وهنا حصر إضافي لأنه يوجد شفاء في غير الثلاث فالحصر الإضافي يهتم بما حصر فيه القسمة وينفي ما عداها للاهتمام بما ذكر فالنبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس يقول "الشفاء في ثلاثة" مع أن الواقع يشهد بأن هناك أمورًا أخرى فيها شفاء بإذن الله، النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة، مع أنه ثبت أنه تكلم أكثر من ذلك سبعة أو ثمانية كما جاء في الأحاديث، وقد أساء الأدب من قال في هذا الحصر نظر، هذا ينظر في كلام من؟ في كلام الرسول- عليه الصلاة والسلام- الرسول الذي قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاث لكن هذا على حسب علمه لأنه لا يعلم الغيب عند كلامه بهذا الخبر ثم بعد ذلك زيد من قبل الله جل وعلا أوحي إليه أن فلان تكلم وفلان تكلم وفلان تكلم إلى أن بلغوا العدة "الشفاء في ثلاثة شربة عسل" شربة بدل بعض من كل شربة عسل، والعسل معروف وسيأتي أنه شفاء أو فيه شفاء "وشرطة محجم" يستفرغ بها الدم الفاسد من البدن والمحجم آلة الحجامة، والعسل طب شرعي ذكر في الكتاب وصحيح السنة، والحجامة جاءت بها الأحاديث الصحيحة واحتجم النبي عليه الصلاة والسلام على ما سيأتي، احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم وأعطى الحجام كل هذا سيأتي فلا مجال لإنكار الحجامة بعد ثبوت الأحاديث الصحيحة الصريحة فيها، لا مجال لإنكارها "وكية نار" والكي هو آخر الدواء "وأنهى أمتي عن الكي" وأنهى أمتي عن الكي وهذا النهي نهي تنزيه لما فيه من الألم الشديد بالنسبة للمريض المعالج، وإلا فقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كوى لكن كونه اكتوى سيأتي الكلام فيه فهو محل خلاف بين أهل العلم فالحديث يدل على أهمية هذه الأمور الثلاثة وهذه الأشياء الثلاثة في باب العلاج.
بابٌ الدواء بالعسل وقول الله تعالى فيه شفاء للناس
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلاً ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلاً ثم أتاه الثالثة فقال اسقه عسلاً ثم أتاه فقال فعلت فقال صدق الله وكذب بطن أخيك أسقه عسلاً فسقاه فبرأ.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى "باب الدواء بالعسل" العسل جاء ذكره في القرآن على سبيل المدح وأنه شفاء قال الله تعالى "فيه شفاء للناس" "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه في شفاء للناس" يعني مما يستطرف أن أبا جعفر المنصور معروف أنه من سلالة العباس ومن أهل البيت تُليت هذه الآية بمجلسه فقال أحد المتزلفة معروف بعض المنافقين الذين يتزلفون إلى الخلفاء ماذا قال؟ قال فيه شفاء يخرج من بطونها يعني من بطون أهل البيت، فقال شخص مباشرة: قال جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، شوف النفاق يصل إلى أي حد يعني يفسر القرآن بمثل هذا الكلام وينزل كلام الله جل وعلا على مثل هذه السخافات من أجل التزلف إلى هذا الخليفة والله المستعان. فيه شفاء للناس يقول "عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي" يقول ابن حجر: لم أقف على اسم الرجل ولا على اسم أخيه "يشتكي بطنه" فيه استطلاق فيه إسهال "فقال اسقه عسلاً" صِرفًا أو ممزوجًا المقصود أنه يسقى عسلا، والأصل فيه أنه صِرف يعني غير ممزوج لكن أحيانًا قد يكون نفعه في المزج أكثر من نفعه صِرفًا لبعض المرضى فسقاه فلم يبرأ "ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا" فقال إني سقيته مثلاً فلم يبرأ "فقال اسقه عسلا" ثم أتاه وذكر في المرة الثانية أنه ازداد استطلاقًا زاد عنده الإسهال فقال "ثم أتاه الثالثة فقال" سقيته فلم يبرأ فقال صلى الله عليه وسلم اسقه عسلاً "ثم أتاه فقال قد فعلت" يعني فلم يبرأ "فقال صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك" صدق الله حينما قال فيه شفاء للناس وكذب بطن أخيك إذ لم يصلح لقبول هذا العلاج والكذب في لغة قريش يطلق على مخالفة الواقع، على أي حال كان يعني ولو لم يكن مقصودًا ويطلق بإزاء الخطأ قال "صدق الله وكذب بطن أخيك" يعني الله جل وعلا يقول فيه شفاء للناس ونقول ما ازداد إلا استطلاق "اسقه عسلاً فسقاه الرابعة فبرأ" لأنه لما تكرر استعمال الدواء قاوم الداء فأذهبه ولا شك أن معرفة المريض قوة وضعفًا لا بد منها ومعرفة أيضًا حال الدواء في القوة والضعف لا بد منها ومعرفة مطابقة الدواء لهذا المريض لا بد منها فقد يكون الدواء أكثر من طاقة وقدرة المريض، وقد يكون أقل وفي هاتين الحالتين لا ينفع، يعني مثل ما يوصف لبعض المرضى يقال له كل حبتين ويقال لبعضهم تأكل حبة ويقال لبعضهم نصف حبة، فالدواء هو الدواء لكن حال هذا المريض لا يحتمل الدواء مثل ما يحتمله من كان في بنيته شيء من القوة اعتبار مقادير الأدوية وكيفيات هذ الأدوية ومقدار قوة المرض وقوة المريض من أكبر قواعد الطب هذا أمر معروف لا يخفى، يعني هذا ما يصرف للصغير مثل ما يصرف للكبير، وما يصرف للقوي النشيط لا يصرف للمريض في أول المريض مثل ما يصرف له في آخر الأمر، فكل هذه مما يلاحظ في الطب، الترجمة التي تليها هي السابعة يعني بعد الرابعة، والترجمة الخامسة يقول- رحمه الله تعالى-: باب الدواء بألبان الإبل، وذكر فيه حديث أنس في قصة العرنيين وهو أن قومًا من عُكْل وعُرَينة قدموا إلى المدينة فاستوخموها واجتووها يعني ما ناسبتهم فأمرهم النبي- عليه الصلاة والسلام- أن يخرجوا وأمر لهم بذود من إبل الصدقة يشربون من ألبانها حتى إذا ما صحوا ارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل، فنكَّل بهم النبي- عليه الصلاة والسلام- نظير ما فعلوا بالراعي، فأمرهم أن يشربوا من ألبانها، والترجمة التي تليها السادسة: باب الدواء بأبوال الإبل وفيه أيضًا قصة العُرنيين حيث أمرهم النبي- عليه الصلاة والسلام- أن يشربوا من ألبانها وأبوالها وما زال العلاج بألبان الإبل وأبوال الإبل ماضٍ إلى يومنا هذا وظهر فيه أيضًا دراسات حديثة تقرر ما جاء في السنة، نحن لسنا بحاجة إلى مثل هذه الدراسات بقدر ما نعرف من صحة الخبر وثبوته عن النبي- عليه الصلاة والسلام- وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما ويبقى أن مثل هذه الدراسات لا شك أنها تزيد المؤمن ثباتًا وتكون حجة على غيره كما هو الشأن في مسائل الإعجاز.
بابٌ الحبة السوداء
عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام قلت وما السام قال الموت.
باب الحبة السوداء الحبة السوداء، جاء في آخر الباب من الصحيح قال ابن شهاب الحبة السوداء في الشُّوْنِيْز ولا شك أن الحبة السوداء أعرف مما عرفت به إلا أنها في وقتهم تعرف بهذا الاسم وإلا في العصور المتأخرة حتى على عهد ابن القيم وابن حجر معرفتهم للحبة السوداء أعظم أو أشهر من معرفة الشونيز، وعلى هذا قد يعرف الشيء في وقت لا يناسب غيره من الأوقات في كتاب التوحيد للإمام المجدد يقول جاء رجل إلى كُوَّة تطلُّ على الحجرة النبوية فعُرفت الكوة هي الخوخة تكون في الجدار، بعض الناس يعرف الكوة أكثر مما يعرف الخوخة وهذا مستفيض في بلادنا الكوة معروفة لا سيما الجيل اللي قبل الجيل الأخير هذا لأنها لا توجد الآن، لكنها فتحة تطل على ما في الداخل من الخارج أو من الداخل على الخارج فتعريف الحبة السوداء بالشونيز كتب الطب كلها يعرفونها بهذا من باب التعريف بالأخفى التعريف بالأخفى والأصل أن التعريف يكون بالمعروف وبالأعرف "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء" يعني يصلح أن يعالج بها جميع الأدواء لهذا الإطلاق وما استثني من ذلك "إلا السام قلت وما السام قال الموت" وكان اليهود إذا جاؤوا إلى- النبي عليه الصلاة والسلام- قالوا السام عليكم السام عليكم فيرد عليهم النبي عليه الصلاة والسلام يقول وعليكم، عائشة سمعت هذا الكلام هذه التحية بالموت للنبي عليه الصلاة والسلام سمعت فثارت حميتها قالت بل عليكم السام واللعنة، فقال ألم تسمعي إلى ردي عليهم أقول وعليكم وينتهي الإشكال- عليه الصلاة والسلام- يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- الحبة السوداء كثيرة المنافع جدًا وقوله شفاء من كل داء مثل قول تعالى: (تدمِّر كل شيء بأمر ربها) يعني كل شيء يقبل التدمير يعني هو من العام المخصوص ونظائره وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة وتدخل في جميع الأمراض الحارة اليابسة بالعَرَض يعني لا بالأصالة، يعني تدخل مع غيرها تركيب فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها لأن بعض الناس يسمع مثل هذه الأحاديث فيدمن على أكل الحبة السوداء ويأكل منها الكثير لا شك أن الكثرة من كل شيء ولو كان من أنفع الأشياء لا بد أن له تأثير على البدن، وقد يكون ضارًا على البدن يعني كل شيء لا بد أن يؤخذ بمقدار لو أن شخصًا أكل من الطعام الهنيء المريء بكثرة تضرر، لو أكل من التمر أو من اللبن أو من الأشياء النافعة في الأصل يتضرر فلا بد أن تؤخذ بمقدار، ثم قال ابن القيم: وزعم قوم أن الإكثار منها قاتل فلا بد أن تؤخذ بقدر يعني بحدود سبع حبات في الصباح على الريق مع كأس ماء دافي ممزوج بعسل طبيعي هذا جيد، وسيأتي في حديث التمرات السبع التي يتصبح بها، ولا نستطيع أن نقول أكثر من ذلك ونحن بحضرة بعض الإخوان الذين يحسنون ويتقنون أكثر من هذا من الأطباء لكن الذي جرنا إلى هذا الحديث هذا الكلام مثل هذا الحديث. بعدها الترجمة العاشرة وترك الثامنة والتاسعة فقال في الترجمة الثامنة باب التلبينة للمريض، وذكر فيه حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن التلبينة تُجم فؤاد المريض وتذهب بعض الحزن وكانت عائشة تقول هو البغيض النافع، يعني النفس تعافها وتكرهها يعني حساء مخلوط بين قمح أو شعير معه شيء من اللبن أو العسل هذا النفس قد لا تقبل عليه لكنه نافع، تقول هو البغيض النافع يعني مثل ما يقال عن الشعير المأكول المذموم، والتلبينة حساء يعمل حساء يعني أشبه ما يكون بالمرق يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل أو لبن. والترجمة التاسعة باب السعوط وذكر فيه حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم واستعط، والسعوط ما يجعل في الأنف مما يتداوى به، ولا شك أن الأنف منفذ ينفذ منه إلى البدن يدخل إلى داخل الجسم؛ ولذا جاء في الحديث وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا ما يدل على أن الأنف يمكن أن يسلك منه إلى الجوف، والآن الطب يستعمل تغذية المريض عن طريق الأنف.
باب السعوط بالقُسط الهندي والبحري
عن أم قيس بنت مُحصن رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العُذْرة ويلد به من ذات الجنب وباقي الحديث تقدم.
يقول رحمه الله تعالى باب السَّعوط بالقِسط الهندي والبحري بالقِسط الهندي والبحري السَّعوط يعني ما يعالج به المريض بواسطة الأنف "عن أم قيس بنت مِحْصَن رضي الله عنها" أخت عُكَّاشة بن محصن الأسدي الآتي ذكره في حديث السبعين الألف "قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليكم بهذا العود الهندي" بهذا العود الهندي وهو القسط يقول ابن القيم- رحمه الله- العود الهندي نوعان أحدهما: يستعمل في الأدوية وهو القسط أو الكست، والثاني: يستعمل في الطيب ويقال هو الأُلوّة، وجاء في مجامر أهل الجنة أنها الأُلوّة، مجامرهم الألوة يعني ما يتطيبون به "عليكم بهذا" يعني هذا إغراء عليكم بهذا "العود الهندي" يعني استعملوه "فإن فيه سبعة أشفية" يعني أدوية "يسعط به من العُذْرة" العُذْرة وجع يأخذ الطفل في حلقه وهو سقوط اللهات على ما يقولون، والعوام تستعمل لهذا الوجع ما يسمى بالترفيع يؤتى به إلى عجوز فبأصبعيها ترفع حلقه وتدغره وتؤذيه بهذا؛ ولذا جاء النهي عن دغر الأطفال علام تدغرن أولادكن هذا مؤذي، وإذا سعط هذا الصبي بالعود الهندي الذي هو القسط استغنى عن مثل هذا العلاج "ويلد به من ذات الجنب" يعني من واللدود هو ما يسقى المريض من أحد جانبي أنفه ويلد به من وجع ذات الجنب وهو ألم يعرض في نواحي الجنب يقول "وباقي الحديث تقدم" يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- ذات الجنب نوعان: حقيقي وهو ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع هذا حقيقي، وغير حقيقي وهو ألم يعني يشبه ما تقدم في ألمه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة يعني ليس بورم والا شيء يمكن أن يحس أو تكون له حقيقة لكنه وجع يشبه الوجع الذي ينتج عن الحقيقي سببه أرياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من الحقيقي، الآن عند العوام شيء يسمونه ريح وهذا الريح تجده مرض متنقل من مكان إلى مكان يسمونه ريح أو أرياح ولو كان حقيقيًا ما تنقل وبرئ المكان الأول بسرعة من غير علاج، يعني تجده مرة على الكتف ثم ينزل على اليد ثم ينتقل إلى الظهر، والمكان الأول يبرأ بسرعة، فهذا يدل على أنه ليس بألم حقيقي وإنما هو ريح كما قالوا في ذات الجنب، يلي هذا الباب الحادي عشر باب أي ساعة يحتجم، يعني هل للحجامة وقت ساعة من ليل أو نهار أو في يوم من أيام الأسبوع أو من أيام الشهر، قال واحتجم أبو موسى ليلاً، وفي حديث ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وهذه المسألة في باب الصيام مسألة كبيرة يعني هل الحجامة مفطرة أو ليست مفطرة؟ ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم من حديث ابن عباس ومن حديث شداد بن أوس قال: أفطر الحاجم والمحجوم، لكن حديث شداد بن أوس متقدم في غزوة الفتح وهذا متأخر عنه فهو ناسخ له بعد هذا، ومن شيوخنا من يفتي بأن الحجامة تفطر، لكن مادام ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم في صحيح البخاري فلا كلام لأحد، نعم لقائل أن يقول أن لفظة وهو صائم وهم من الراوي وإنما هو احتجم وهو محرم، وفي بعض الروايات: واحتجم وهو محرم صائم، وعلى كل حال لا شك أن ما ثبت في الصحيح أقوى مما ثبت في غيره ولو صح، وطريق الجمع بينهما كما قال الشافعي- رحمه الله- حديث شداد بن أوس متقدم وحديث ابن عباس متأخر. الباب الثاني عشر باب الحجم في السفر والإحرام قاله ابن بُحينةعن النبي عليه الصلاة والسلام فثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم فالحجامة لا شك أنها طب شرعي ثبتت من قوله عليه الصلاة والسلام ومن فعله، واحتجم وأعطى الحجام فلا مجال لإنكار هذا الطب الشرعي وإن لاكته بعض الألسنة وكُتب عنه ما كتب والله المستعان.
بابٌ الحجامة من الداء
عن أنس رضي الله عنه حديث احتجم النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة تقدم وقال هنا في آخره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري وقال لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العُذْرة وعليكم بالقسط رواه البخاري.
يقول رحمه الله تعالى "باب الحجامة من الداء" عن أنس رضي الله عنه" قال فذكر "حديث احتجم النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة" واسمه نافع وقيل ميسرة وأعطاه الأجرة فلو كان كسبه محرمًا ما أعطاه أجره؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: "كسب الحجام خبيث" والخبيث كما يطلق على المحرم يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث يطلق أيضًا على المفضول:
(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) يعني تيمموا المفضول، عندك تمر جيد وتمر أقل أنفق من الجيد واترك الأقل، وأطلق عليه خبيثا خبثا نسبيا بالنسبة لما هو أجود منه تيمموا الخبيث يعني لو كان عندك طعام قال أولادك أنه لا يناسبنا، أتيت بنوع من الأرز قلت نريد نجرب فجربوه قالوا ما يصلح لنا نريد النوع الأول الذي كنا نأكل، ماذا تصنع بهذا الأرز تتصدق به أو ترميه؟ الله جل وعلا يقول: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) لو عندك رز أو تمر دين على مزارع سلم أرزا و تمرا ثم أتاك بردي تقبل أولا ما تقبل؟ ما تقبل تقبل جيد وأنت شارط عليه أنه جيد ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، يعني تخشى ألا يأتيك بغيره فتضطر تأخذه لكن هذا حث على الإطعام من الجيد وترك النوع الذي أقل منه للأكل؛ ولذا جاء (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) حجمه أبو طيبة فكسب الحجام وإن كان خبيثًا يعني أقل من أنواع الكسب أو موارد الكسب الأخرى إلا أنه حلال، ولو كان محرمًا ما أعطاه أجره عليه الصلاة والسلام "وقد تقدم وقال هنا في آخره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمثل ما تداويتم به"يعني أجود وأفضل ما تداويتم به يعني من هيجان الدم "الحجامة" وأمثل ما تداويتم به "القسط البحري" وقال صلى الله عليه وسلم "لا تعذبوا صبيانكم بالغمز" يعني بالعصر بالأصابع باليدين "من العذرة وعليك بالقسط" فإنه دواء للعذرة ولا مشقة فيه ولا أذى للصبي ولا شيء يحقق المصلحة من غير مفسدة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.